«الجزيرة» - الاقتصاد:
أسهمت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ببرامجها الطموحة في تجاوز الكثير من تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، على الرغم من الآثار السلبية التي خلّفتها في معظم دول العالم، وحققت نجاحاً لافتاً على كل المستويات، وهو الأمر الذي أكدته التقارير الصادرة حديثاً عن الكثير من المنظمات العالمية المتخصصة، وفي صدارتها الرعاية الصحية التي أولتها الحكومة السعودية جل اهتمامها، بتوجيه من القيادة الرشيدة، حرصاً على سلامة المواطنين والمقيمين، وتوفير سبل الوقاية لهم من هذا الوباء الذي أودى بحياة الملايين من كل الشعوب.
ومن بين برامج الرؤية التي كان لها دور كبير وأثر ملموس في خضم هذه المرحلة الاستثنائية برنامج الاستدامة المالية (برنامج تحقيق التوازن المالي سابقاً) الذي استهدف في مرحلته السابقة إلى مراقبة واستشراف الأداء المالي بهدف تعظيم الإيرادات النفطية وغير النفطية ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي وإدارة المخاطر المصاحبة لذلك، مع الاحتفاظ باحتياطيات مالية مناسبة وقدرة عالية مستدامة على الاستدانة من الأسواق المالية المحلية والدولية وفقاً لإستراتيجية الدين العام متوسطة المدى وذلك لتحقيق الاستدامة المالية.
وقد نجح البرنامج خلال مرحلته الأولى في تحقيق الكثير من الإنجازات، من أبرزها: تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، وإدارة الهدر المالي، فضلاً عن مراجعة المشاريع الحكومية والتأكد من تحقيقها للأثر الإيجابي المرجو، سواء على صعيد الاقتصاد الوطني أو المواطنين.
وتتم مواءمة أنشطة البرنامج -كما هو الحال في كل برامج رؤية المملكة 2030- من خلال خطط التنفيذ المعتمدة التي تسترشد بأهداف محددة مسبقاً ومؤشرات أداء رئيسة مرتبطة بأهداف على مدى خمس سنوات.
وقد شهدت هذه المرحلة إطلاق عدد من المبادرات، منها: رفع كفاءة الإنفاق الحكومي التشغيلي، وتأسيس وحدة الشراء الاستراتيجي، وهيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية. ولا يزال البرنامج يواصل تطبيق عدد من المبادرات التي أتاحت موارد لتنفيذ خطط التحول الاقتصادي وتمويل النفقات ذات البُعد الاجتماعي وتقليل حدة التأثر من تقلبات أسواق النفط. ومن هذه المبادرات الإصلاحات المالية المُقرَّة في البرنامج، ومنها: حساب المواطن، وحزم التحفيز للقطاع الخاص، وتطبيق المقابل المالي على الوافدين، ورفع ضريبة القيمة المضافة، وتصحيح أسعار الطاقة، وزيادة الرسوم الجمركية على بعض السلع المتعلقة بالمنتجات الضارة.
ومع انتقال البرنامج إلى المرحلة الجديدة تمت مراجعته وتقييمه وإعادة تنظيمه ليتناسب مع احتياجات المملكة خلال المرحلة القادمة وضمان التواؤم مع المتغيِّرات الاقتصادية، والذي من شأنه دفع عجلة إنجاز تحقيق (رؤية المملكة 2030) بالشكل الأمثل ليصبح برنامج الاستدامة المالية.
ومع استمرار العمل على تعزيز كفاءة الإنفاق وتحقيق مستهدفات الاستدامة والاستقرار المالي؛ يتوقّع أن يتراجع عجز الميزانية من 293.900 مليار ريال في 2020م (عام الكورونا)، وهو ما مثَّل 12% من الناتج المحلي الإجمالي؛ لينخفض في عام 2023م إلى 13 مليار ريال فقط؛ أي نحو 0.4 % من الناتج المحلي الإجمالي؛ وبذلك يكون عجز الميزانية قد انخفض بنحو 96 % خلال الأعوام الثلاثة المقبلة (2021 - 2023). وهذه صورة مشرقة لنجاحات أحد البرامج الأساسية لرؤية المملكة 2030، والذي كان له إسهام فعَّال في تحقيق التوازن المالي بالمملكة ودفع مسيرة تنويع وتنمية الإيرادات كمصدر منتظم لموارد الدولة والحفاظ عليها للأجيال القادمة.
برنامج التخصيص.. خطوات لرفع كفاءة الاقتصاد
سعى برنامج التخصيص الذي أطلق في العام 2018م، إلى تحديد الأصول والخدمات الحكومية القابلة للتخصيص في عدد من القطاعات المستهدفة بالتخصيص، وتطوير منظومة وآليات التخصيص، وتحديد أطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز جودة وكفاءة الخدمات، ودعم المساهمة في التنمية الاقتصادية.
وعمل البرنامج على تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات وإتاحة الأصول الحكومية أمامه، بما يحسّن جودة الخدمات بشكل عام ويقلّل تكاليفها على الحكومة، وذلك من خلال إعادة تركيز جهود الحكومة على الدور التشريعي والتنظيمي المناط بها والمتوافق مع توجه رؤية المملكة2030 ، كما أسهم في تعزيز جذب المستثمر المحلي والأجنبي المباشر وتحسين ميزان المدفوعات.
ويعنى مفهوم التخصيص بنقل ملكية الأصول من الحكومة إلى القطاع الخاص، أو إسناد تقديم خدمات حكومية معينة إلى القطاع الخاص، ويشمل ذلك عقود بيع الأصول بشكل كامل وجزئي، وعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي يمكن أن تأخذ أشكالاً متعددة مثل: العقود التي تتضمن قيام جهة من القطاع الخاص ببناء أصل معين وتشغيله، ونقل حقوق الملكية فيه إلى الحكومة.
وتتويجاً لتلك الخطوات أقر مجلس الوزراء في منتصف شهر مارس الماضي نظام التخصيص، الذي وصفه وزير المالية رئيس لجنة برنامج التخصيص الأستاذ محمد بن عبدالله الجدعان بالمهم لتوليد الفرص الاستثمارية الجاذبة للقطاع الخاص وزيادة إسهامه في الناتج المحلي لتعزيز استدامة اقتصاد المملكة.
ويسعى النظام الجديد إلى تعزيز الشراكة بين: القطاعين العام والخاص ونقل ملكية الأصول الحكومية وتحرير الأصول المملوكة للدولة أمام القطاع الخاص وتخصيص خدمات حكومية محدّدة، والتوسع في مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية والخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين.
ويهدف نظام التخصيص إلى خلق بيئة تسمح برفع حجم ومستوى الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم، ووضع المرونة اللازمة في البيئة التنظيمية والاستثمارية لمشاريع التخصيص والشراكة بين القطاعين العام والخاص بالمملكة، وبما يدعم ويُعزّز تنفيذ تلك المشاريع ضمن بيئة تنظيمية واستثمارية جاذبة ومحفزة للاستثمار على المدى القصير والطويل. وسيعمل نظام التخصيص على تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد وإتاحة الفرص الاستثمارية أمامه من خلال تنظيم الإجراءات المتعلقة بمشاريع التخصيص والشراكة بين القطاعين العام والخاص وتسهيل تقديم تلك الفرص للقطاع الخاص بشكل شفاف وعادل يضمن نزاهة الإجراءات المرتبطة بالعقود، ويرفع مستوى شمولية وجودة الخدمات وكفاءة الأصول ذات الصلة بمشاريع التخصيص، ويحسن مستوى إدارتها. وكجزء من تحقيق مستهدفات البرنامج الذي يقدم اليوم أكثر من 160 فرصة في 16 قطاع، تمت ترسية 18 مشروع تخصيص وشراكة مع القطاع الخاص، حيث تساهم عقود التخصيص والشراكة بين القطاعين العام والخاص في تخفيف المصاريف الرأسمالية على الميزانية العامة للدولة للاستفادة منها في المصاريف التشغيلية للدولة.
ومن مشاريع منظومة التخصيص التي تمت ترسيتها عقود الشراكة بين القطاع العام والخاص مشاريع إنتاج المياه المحلاة ومشاريع معالجة مياه الصرف الصحي ومشاريع تطوير محطات الحاويات في ميناء جدة الإسلامي وميناء الملك عبدالعزيز بالدمام ومحطة الشحن الثانية بمطار الملك خالد بالرياض ومشروع المباني المدرسية 60 مدرسة في منطقة مكة المكرمة (مكة وجدة)، إضافة إلى مشاريع بيع الأصول مثل تخصيص أصول المؤسسة العامة للحبوب عن طريق بيع كامل حصص شركات المطاحن الأولى والثانية والثالثة والرابعة، ومشروع الوحدة الطبية التابعة للخطوط السعودية بمدينة جدة، فيما لا يزال هناك 21 مشروعاً في مراحل مختلفة من الطرح في قطاع البلديات وقطاع الصحة وقطاع التعليم وقطاع البيئة والمياه والزراعة وقطاع العمل والتنمية الاجتماعية.
وفي العام 2020م وعلى الرغم من جائحة كورونا تم إكمال عدد من المشاريع التخصيص في قطاعات التعليم والمياه (ومعالجة مياه الصرف الصحي والتحلية) باستثمارات من القطاع الخاص بلغت قرابة 15 مليار ريال.
برنامج تطوير القطاع المالي.. إنجازات واستقرار متين
سعى برنامج تطوير القطاع المالي منذ انطلاقته في عام 2018 إلى تحقيق الترابط والتكامل بين منظومة القطاع المالي باختلاف وسائلها وأدواتها لتحقيق نمو مستمر في إطار استقرار مالي جيد ومتين، مع توظيف أدوات مبتكرة في تطوير وإدارة الخدمات.
ويعد البرنامج أحد البرامج التنفيذية التي أطلقها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، ليكون قطاعاً متنوعاً وفاعلاً لدعم تنمية الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل فيه، وتحفيز الادخار والتمويل والاستثمار، من خلال تطوير وتعميق مؤسسات القطاع المالي وتطوير السوق المالية السعودية لتكوين سوق مالية متقدمة.
وعلى الرغم من العمر الزمني القصير للبرنامج إلا أنه تمكن من تحقيق الكثير من الإنجازات على مستوى القطاع المالي ككل، حيث ارتفعت نسبة المعاملات غير النقدية إلى 36 % في عام 2019م، متخطياً هدف البرنامج المقدّر بـ 28 % لعام 2020م. كما سعى البرنامج ضمن جهوده لتعزيز الادخار بتخفيض القيمة الاسمية للصكوك المدرجة الصادرة عن حكومة المملكة، وذلك نتيجة لتغيير القيمة الاسمية من مليون ريال إلى 1000 ريال للصك دون تغيير في حجم الإصدار، بهدف تمكين الراغبين في الاستثمار من الشراء فيها واستخدامها لأدوات استثمار وادخار. كما تم إطلاق سوق المشتقات المالية، ويمثّل هذا الإطلاق خطوة مهمة في مساعي تطوير السوق المالية السعودية، وتزويد المستثمرين بمجموعة متكاملة ومتنوعة من المنتجات والخدمات.
وقادت أعمال شركاء البرنامج (وزارة المالية، البنك المركزي السعودي «ساما»، هيئة السوق المالية، وهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة) إلى تقدم ترتيب المملكة في أكثر من 13 من مؤشرات التنافسية العالمية المتعلقة بالسوق المالية، خاصة بعد التغيرات التي طرأت عليه، ومن أهمها زيادة انفتاح السوق المالية السعودية (تداول) بانضمامها للمؤشرات العالمية؛ حيث تم إدراج (تداول) بمؤشرات:» إم إس سي آي»، و»ستاندرد آند بورز داو جونز»، و»فوتسي راسل»، والتي أدت إلى جلب تدفقات مالية أجنبية تصل إلى 76 مليار ريال وبالتالي توسيع قاعدة المستثمرين في السوق المالية وتحسين مستويات السيولة فيها.
وساهم البرنامج في زيادة حجم التداول في سوق الدين الثانوية المحلية في تداولات قيمتها أكثر من 70 مليار ريال سعودي في عام 2020 م، مقارنة بـ 10 مليار ريال سعودي في عام 2019م، أو بنسبة أكثر من 600 % على أساس سنوي.
وحققت المملكة تقدماً كبيراً في مؤشر حماية الأقلية للمستثمرين إلى المرتبة السابعة عالمياً، كما حصلت على العضوية في مجموعة العمل المالي «فاتف»، حيث أصحبت عضواً كاملاً ضمن 37 دولة في العالم وهي أول دولة عربية تحقق هذه العضوية، الأمر الذي يعزِّز تعامل المملكة مع المؤسسات المالية الدولية، حيث تعد المملكة واحدة من أكثر دول العالم تطوراً من حيث الأنظمة المالية وتنفيذ تشريعات وإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المؤسسات الحكومية والقطاعات ذات الصلة.
ولكون تطوير القطاع المالي يتطلب سرعة مواكبة التطورات التكنولوجية التي تسير بسرعة مذهلة، تحركت الدولة نحو الاستثمار بكثافة في البنية التقنية واستخدام الألياف البصرية وأحدث التقنيات بداية من تطوير التقنية المالية والتحرك نحو الحلول المالية الرقمية ومنها إجراءات التمويل والبيئة التجريبية للتقنية المالية في البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية.
ووصل عدد شركات المدفوعات في قطاع التقنية المالية المصرح لها إلى (13) شركة، بالإضافة إلى (32) شركة صرح لها في البيئة التجريبية، كما تم التصريح لتجربة التقنية المالية لعدد (7) شركات في مجال أعمال الأوراق المالية. وفي إطار سعي البرنامج للوصول إلى مجتمع غير نقدي؛ تم الترخيص لإحدى عشر شركة تقنية مالية جديدة في مجال المدفوعات الإلكترونية.
الجدير بالذكر أن برنامج تطوير القطاع المالي يمثّل أحد أبرز برامج تحقيق رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى مواكبة التطورات العالمية في هذا القطاع وتحقيق قفزات نوعية في مجال الخدمات المالية تتواكب مع التطور المتواصل في الأعمال والخدمات بالمملكة، ويعتبر نمو تعداد الشباب الموهوبين الفاعلين ضمن التركيبة السكانية للمملكة، بالإضافة إلى زيادة المشاركة الإيجابية للمرأة في سوق العمل من العناصر المهمة لتحقيق المستهدفات.