أ. د.عبد العزيز بن محمد الفيصل
الوطن يعزه رجاله ويخذله أبناؤه، فإذا حظي الوطن برجال من أمثال عبدالعزيز بن عبدالرحمن وسعود بن عبدالعزيز وفيصل بن عبدالعزيز وخالد بن عبدالعزيز وفهد بن عبدالعزيز وعبدالله بن عبدالعزيز وسلمان بن عبدالعزيز اعتز وسما، فهو وطن الشموخ.
نحن أبناء الوطن مدينون لمن أسس البناء، وأبناء الوطن أوفياء، يعرفون الفضل أهله، لقد كنت اسمع الرجال في مجالس القرى يترحمون على المؤسس عبدالعزيز ويطلبون العز والتمكين لسعود وهؤلاء من هم في معيشتهم، كفاح متواصل من أجل لقمة العيش، سير خلف السواني، وكد وجهد منذ الصباح إلى المساء.
الكل يشيد بمن أسس البناء وبمن خلفه في إتمام البناء الصغير والكبير.
لقد كان ابن شليل وهو شيخ كبير في الثمانين من عمره، وهو رجل طوال يقف في الصفاة ينتظر موكب الملك سعود لابسا ثوب الشلحات (أبو ردون) فردناه يصلان إلى الأرض على الرغم من طوله، فاذا أطل الموكب أطلق صوته الجمهوري: اذكروا الله، الله يعز سعود، يرددها فلا تسمع إلا تصفيق الأطفال والشباب، تلاحم بين الشعب والقيادة: طاعة ولي الأمر من طاعة الله. استمرار بناء المملكة في تلاحم لم يتصدع لم يات من فراغ، فأبناء الوطن ومن هم على قمة الهرم سائرون في طريق واحد، لقد مرت بهم سنين عجاف فما نالت من عزيمتهم، وعندما أغدق عليهم الوطن من بنعمه لم تخرجهم النعمة عن أطوارهم من التمسك بالدين ومصاحبة السمت ومعرفة الحق لأهله، بل ثبتوا وتعلموا وشاركوا الآخرين في كل أمر فيه نفع للوطن، ولجيران الوطن.
الوطن جزء من الأرض والأرض مشتركه بين الإنسانية فالتعاون بين أبناء هذا الكوكب يحفظ لهم أرضهم ويصون عيشهم.
لم يبخل علينا الوطن فأخرج كنوزه من باطنه ذهباً، يشترى بأغلى الأثمان، وقد استشعر ابن الوطن ما عليه من الواجب تجاه الوطن ومن أسس الوطن ومن صان الوطن فاتجه إلى تكوين نفسه وتسليحها بالعلم والمعرفة، وسلك ابن الوطن ما يناسبه، فهناك طريق الطب الذي سلكه القادر على منعطفاته الضيقة ومسالكه الوعرة فما أكثر القادرين ولله الحمد، ففي الوطن اليوم أمهر الأطباء في الباطنية والعيون والأشعة، فتجرى العمليات الجراحية في مستشفيات المملكة بأيدي أبنائها، وفي المملكة اليوم أطباء شاركوا أطباء العالم في مكافحة مرض (كورونا) الذي جثم على الأرض ولم يرغب في الرحيل.
فحدوا من فتكته واستدرجوه بالحصار والتقليل من انتشاره فتقدموا على أطباء العالم، فها نحن اليوم سائرون في القضاء عليه متقدمون على غيرنا ممن يعد في الصف الأول في المدنية والرقي فالإصابات اليوم في انخفاض مستمر والتعافي من المرض في ازدياد.
وسلكت فئة من الشباب طريق الهندسة، وما أحوج بلادنا إلى المهندس الماهر، فهناك الهندسة الكهربائية وهندسة الطرق والجسور وهندسة البناء، فمع وفرة المهندسين السعوديين لا تزال المملكة في حاجة المهندس السعودي.
ومجال الإدارة شارك فيه الشباب السعودي منذ قديم، فمعهد الإدارة خدم الإدارة في البلاد قبل أن تشارك الجامعات في اجتذاب الشباب لدراسة الإدارة في كلياتها وأقسامها.
لم تضع السنين سدى بل استثمرت فيما ينفع الوطن، والاستثمار يكون في المال ويكون في العلم، وبما أن الوطن له أولويات تقدم على غيرها ومنها الأمن فقد أنشأت المملكة كلية قوى الأمن التي تعنى بالأمن في جميع وجوهه في تثبيت الأمن، وتثبيت الأمن له طرق عدة ومن هذه الطرق دراسة تاريخ الأمن في العالم ونقل خبرات الآخرين إلى المملكة ومعالجة حالة المجرم بأيسر الطرق التي لا تؤثر في أسرته.
وقد كان الأمن هو الشغل الشاغل لحكام المملكة، فالمملكة قارة فيها الصحراء المترامية الأطراف والقرى المتنافرة والجزر النائية، وسكان البلاد ليسوا من فئة واحدة، فهناك البادية الذين اعتادوا على النهب في القديم ويسمونه الكسب وعادة الكسب متغلغلة في عظامهم لا يزيلها إلا طول السنين وتعاقب الأجيال وهناك القادمون من الخارج ممن اكتسب الجنسية فهم في حاجة إلى الحماية، وهناك مشاغبات القرى فيما بينها ونزاعات القبائل على المراعي والمياه بالإضافة إلى الحالات الشخصية التي تحدث بين الأفراد.
إن وضع المجتمع السعودي يختلف عن المجتمعات الأخرى، ثم إن هناك أمن الحج وأمن العمرة وأمن الزيارة وأمن الحدود والمتسللين فأمن الحج تستعد له المملكة سنة كاملة، فقد عانت من القادمين للحج ولم يقصدوا الحج بل التخريب فأشعلوا الحرائق بجوار الحرم الشريف وبثوا الغازات في الأنفاق وسدوا الطرق في منى حتى تكدس البشر ولم يجدوا منفذا وأمن الزيارة لا يخلو من الشجار فمذاهب الحجاج مختلفة فأكثر النزاعات تحدث عند القبور في البقيع، وأمن الحدود عبء على المملكة فحدود المملكة طويلة والمتسللون بالآلاف وهم يزجون بأنفسهم من أجل الوصول إلى المملكة فالمراقبة دائمة وموجات التسلل في ازدياد.
المملكة اليوم ركن أساس من أركان المعمورة يركن إليها في السلم والحرب لأن بناءها صلب أسسه عبدالعزيز بن عبدالرحمن ورفع رايته اليوم سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه فمآثره معروفة على امتداد مشاركته في الحكم في هذه البلاد منذ ستين سنة فقد كان سنداً لإخوانه مؤازرا لهم في كل أمر، وفي زمن الأزمات التي مرت بها المملكة يبرز سلمان الرأي وسلمان العطاء وسلمان الأخوة، وكل مواطن في هذه البلاد وبلاد الخليج يعرف كيف أدار سلمان جموع الإخوة الكويتيين الذين عبروا الحدود إلى المملكة فأتاح لهم المسكن والمعيشة لأنهم تركوا كل شيء في الكويت ونجوا بأنفسهم.
اليوم الوطني يوم اجتمعت فيه الكلمة تحت راية المؤسس فهو يوم يذكر الكبير بنعمة الإخاء ونبذ الفرقة حيث اجتمعت الحجاز الباحة وعسير ونجران والجوف وعرعر ورفحاء وعموم الشرقية ونجد والربع الخالي في دولة واحدة يتمتع أبناؤها بوافر الحقوق فلكل فرد في هذه المملكة حق العيش والأمن والتعليم والصحة.
وإذا كان اليوم الوطني يذكر الكبير فهو يعلم الصغير درساً في التاريخ يتكرر كل عام، فالصغير يتساءل عن معنى اليوم الوطني وماذا يعني يسأل أباه أو معلمه فيكون الجواب من الأب أو المعلم بأن اليوم الوطني ذكرى اجتماع أقطار المملكة في دولة واحدة ويسأل الصغير عن أول يوم وطني ويكون الجواب بأن أول يوم وطني كان سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وألف هجرية (هـ1351) ففي تلك السنة أول يوم وطني ونحن اليوم نحتفل باليوم الحادي والتسعين وكل فرد في هذه المملكة الغالية يهنئ خادم الحرمين الشريفين بيوم النصر والإخاء والوحدة، أدام الله نعمة الصحة على الملك سلمان وأعانه على أعباء ما يتحمله تجاه أبناء وطنه وتجاه إخوانه العرب والمسلمين، فهو المؤازر لهم المدافع عن حقوقهم الباذل لماله وجاهه في كل أزمة تلم بالعرب والمسلمين. والملك سلمان مع عروبته وإسلامه فهو إنسان يساعد الإنسان في أي أرض فمساعدته الإنسانية وصلت إلى المحتاجين في كل صقع بل وصلت إلى جزر البحار.
ويهنئ الشعب السعودي ولي العهد محمد بن سلمان باليوم الوطني أدام الله عز ولي العهد وأعانه على تحمل المسؤوليات الجسام التي لا يتحملها إلا أمثاله من الرجال العظام.
دامت مملكة العز ترفل في يومها الوطني في ثياب الشرف والعزم والجزم، ودام ملكها رافع الرأس تدعمه قاعدة قوية من أبناء وطنه، اللهم ادم علينا نعمة الأمن وأزل عنا هذا الوباء في هذه المناسبة الغالية.