د. ناصر بن علي الموسى
إنَّ اليوم الوطني هو ذكرى عطرة، ومناسبة خالدة، ووقفة عظيمة نعيش من خلالها عبق الماضي، ونشخص أوضاع الحاضر، ونستشرف آفاق المستقبل، ونستلهم العبر والدروس من القصص البطولية التي سطرها مؤسس هذه البلاد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه.
ويحق لنا نحن السعوديين أن نعتز ونفتخر بتاريخنا المجيد، والكفاح الطويل الذي قاده المؤسس العظيم الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - في سبيل توحيد هذه البلاد عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأن نقف سمواً وشموخاً أمام معالم النهضة الجبارة الشاملة التي بدأها - رحمه الله -، وواصل إكمال فصولها من بعده أبناؤه البررة: (الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والملك عبد الله)، تغمدهم الله جميعاً بواسع رحمته، وأسكنهم فسيح جناته، فقد أبلوا بلاءً حسناً، وأفنوا أعمارهم في سبيل خدمة دينهم ثم وطنهم ومواطنيهم والمقيمين على أرضهم.
ويأتي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - غرة في جبين الدهر، ودرة في سماء هذا العصر، وتاجاً على صدر الزمان، ووساماً تتباهى به حضارة بني الإنسان، فقد دخلت فيه المملكة مرحلة تاريخية جديدة مهمة، فهو عهد تشهد فيه البلاد قفزات كمية ونوعية هائلة من التحولات والتغيرات والتطورات والإصلاحات في كل مفاصل الحياة، وتعيش مزيداً من التطور والتحضر والرقي والتقدم، وتطلق المبادرات الخلاقة، والمشروعات العملاقة، والإنجازات الكثيرة، والخيرات الوفيرة، ويبلغ الإنجاز ذروته، ويصل الإبداع قمته، ويكمل التفوق مسيرته، وبهذا يتسنم الوطن الغالي هام المعالي، وتتربع المملكة فوق عرش الزعامة في العالم كله، وتتولى دفة القيادة، وتحمل مشعل الريادة.
وإزاء هذه النجاحات الباهرة، يبتهج الأصدقاء والمحبون، ويندهش المنصفون والمحايدون، ويموت بغيظهم الأعداء والحاقدون، ويخرس العملاء والمرجفون، ويتساءل العلماء والمؤرخون عن الأسباب والمسببات التي أدت إلى هذه النجاحات.
وهنا نقول بكل ثقة إنه توفيق الله - سبحانه وتعالى -، ورعايته وعنايته بهذه البلاد، ثم إن هناك مجموعة من عوامل النجاح التي لازمت مسيرة هذا الوطن منذ تأسيسه حتى الآن، وستستمر - بإذن الله تعالى - على مدى الزمان، وأول هذه العوامل المكانة الدينية العظيمة للمملكة، فهي مهبط الوحي، ومنبع الرسالة، وقبلة المسلمين، وهي تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين، الأمر الذي جعلها تضطلع بدور ريادي قيادي متنام على مستوى العالمين العربي والإسلامي، وهذا بدوره رفع مكانتها عالياً بين دول العالم.
وثانيها القيادة الحكيمة الواعية الرشيدة التي نذرت نفسها ووقتها وجهدها في سبيل النهوض بهذا الكيان العظيم الشامخ، وقد قامت هذه القيادة وما زالت تقوم في منهجها على صفات حميدة، ومزايا سامية، وسمات أصيلة، وخصائص نبيلة تتفرد بها على سائر قيادات العالم، فكانت النتيجة هذه البلاد العظيمة التي أصبحت مضرب الأمثال في البناء والتطور والتحضر والرقي والتقدم، وضربت وما زالت تضرب بأوفر سهم في إثراء الحضارة الإنسانية.
وثالثها الثروة الاقتصادية الهائلة، فقد تفجرت ينابيع الخير والنماء، وتدفقت أنهار الثراء والعطاء، عندما بدأ إنتاج النفط في المملكة لأول مرة عام 1938 م، ثم أصبحت المملكة تمتلك أضخم احتياطي للنفط في العالم، وأكبر مصدر له، والمهيمنة على سياسة صناعته.
وقد استثمرت الدولة موارد الذهب الأسود خير استثمار، وبنت نهضتها الجبارة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، وليس ثمة حاجة إلى الرجوع إلى الماضي، فالشواهد والأدلة والبراهين على الإنجازات التي هي أشبه ما تكون بالمعجزات ماثلة أمامنا في هذا العهد الزاهر.
ورابعها الأمن والاستقرار، وهما ركيزتان أساسيتان لرقي الشعوب وتقدمها، فقد تحولت بلادنا إلى بيئة آمنة مستقرة، توحدت فيها الشعوب، وتآلفت القلوب، واطمأنت النفوس، وارتفع البنيان، وازدهرت الصحة، وانتشر التعليم، ونما رأس المال، وتطورت الصناعة والزراعة والتجارة، وعمَّ الخير والعطاء والرخاء والنماء، فصارت بلادنا معجزة فوق الرمال، تتغنى بأمجادها الأجيال تلو الأجيال.
وخامسها السياسة الحصيفة المتزنة، فقد انتهجت المملكة - عبر تاريخها المجيد - سياسة حكيمة سليمة قويمة، ثم إنها رزينة رصينة أمينة، وقد أوضح النظام الأساسي للحكم في المملكة الصادر بالأمر الملكي رقم (أ/90) وتاريخ 27-8-1412 هـ أسلوب الحكم في المملكة والبناء السياسي الذي تقوم عليه، كما بين الأسس والثوابت والقيم والمبادئ التي تنطلق منها، والخطاب الملكي الذي يلقيه الملك سنوياً تحت قبة مجلس الشورى يتناول بالتفصيل السياستين الداخلية والخارجية للمملكة.
وسياسة المملكة ترتكز على الصدق والثبات والموضوعية والصراحة والوضوح والشفافية، وكما هو معلوم للجميع، فإن المملكة لا تتدخل في شؤون الآخرين، ولا تسمح - بأي حال من الأحوال - للآخرين أن يتدخلوا في شؤونها، وأفعالها وردود أفعالها موزونة محسوبة مدروسة.
وسادسها الموقع الجغرافي المتميز، إذ تتميز المملكة بموقع جغرافي إستراتيجي فريد على مستوى العالم، فهي تحتل مساحة شاسعة جداً أشبه ما تكون بالقارة، تربط بين البحر الأحمر غرباً والخليج العربي شرقاً، وتمتد حدودها من الهلال الخصيب شمالاً إلى بعض دول شبه الجزيرة العربية جنوباً.
وتزخر أراضي المملكة بالموارد الطبيعة، وعلى رأسها النفط والغاز الطبيعي وغير ذلك من الثروات المتعددة، وتتوفر بها مختلف أنواع التضاريس من جبال وسهول وأودية وهضاب وصحاري، وتظهر في أنحائها مختلف المواسم المناخية، وهذا ما أسهم في علو كعبها على كثير من دول العالم.
وسابعها الاهتمام البالغ بتنمية الموارد البشرية، فقد أولت المملكة الاستثمار في الإنسان عناية فائقة بحكم أنه العنصر الأساس في تحقيق التنمية المستدامة، والمحرك الرئيس لعجلة التحديث والتطوير، ثم إنه القاعدة الصلبة التي تقوم عليها النشاطات المختلفة.
ومنذ البداية سارعت الدولة في افتتاح المدارس والمعاهد والمراكز والكليات والجامعات والمؤسسات للتعليم والتدريب والتأهيل، والتي خرجت أجيالاً متتالية من الرجال والنساء الأكفاء المؤهلين في مختلف التخصصات، واستحدثت برامج الابتعاث التي مكنت أبناء وبنات هذا الوطن من الالتحاق بأعرق الجامعات العالمية وعادوا مسلحين بسلاح العلم والمعرفة، وحرصت المملكة على تقديم الحوافز المادية والمعنوية لتشجيع الطلاب والطالبات على الدرس والتحصيل، وأوجدت بيئات عمل جاذبة متطورة أسهم فيها الجميع - بكل جد واجتهاد وتفانٍ وإخلاص - في البناء والنماء، والتطوير والتعمير، والرقي والتقدم، وفي فترة وجيزة أصبحت بلادنا هي القاعدة والركيزة على المستوى الإقليمي والعالمي.
ويتوج هذا كله بما تميز به هذا العهد الزاهر من مزايا وصفات حققت الكثير من الآمال والطموحات، ويأتي في مقدمتها:
أولاً: إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز هو قائد استثنائي آتاه الله الحكمة والعمق في التفكير، وبُعد النظر، والقدرة على العزم والحزم والحسم في المواقف المهمة، كما أنه - أيده الله - يحمل رصيداً هائلاً من الخبرات السياسية والإدارية والاقتصادية، ويمتلك سجلاً حافلاً من النشاطات العلمية والثقافية والاجتماعية والإنسانية، وهو متخرج في مدرسة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن -طيب الله ثراه.
وقد كان - حفظه الله - ركناً أساساً من أركان الحكم منذ عهد المؤسس حتى تولى مقاليد الحكم في المملكة، وكان دائماً الساعد الأيمن لإخوته الملوك الذين تعاقبوا على الحكم في المملكة، وذلك من خلال الرأي السديد، والفعل الأكيد، والفكر الأمين، والعلم الرصين، والمشورة الصادقة، والمؤازرة الواثقة.
ويجمع العالم كله على أن خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - هو في مقدمة الزعماء العظام الذين يمتلكون الصفات القيادية والمزايا العبقرية التي تمكنهم من مواجهة التحديات والتغلب على المعضلات، وقد تجسد ذلك - بأعظم دلالاته - في رئاسة المملكة العام الماضي لمجموعة العشرين التي تضم أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، إذ من خلال هذه المجموعة استطاعت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أن تقود العالم بكل كفاءة واقتدار، بل وبكل إبداع وابتكار في مواجهة أخطر جائحة تجتاح العالم في العصر الحديث، وهي جائحة فيروس كورونا المستجد.
ثانياً: إن المملكة في هذه المرحلة تحظى بقيادة شابة تمتلئ بالنشاط والحيوية والتفوق والتألق، وتتسم بالجد والاجتهاد والتفاني والإخلاص، وهي تتمثل - في أبها صورها - في صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع - وفقه الله - الذي نذر نفسه ووقته وجهده في سبيل خدمة دينه ثم ملكه ووطنه، وقطع على نفسه عهداً أن يواصل العمل ليل نهار حتى تصبح المملكة في طليعة دول العالم المتقدم في مجالات الحياة كافة.
وهو - حفظه الله - مهندس رؤية المملكة (2030)، وأستاذ برامجها التنفيذية، ورائد أفكار التحديث والتجديد والتعمير والتطوير على مختلف المستويات.
ثالثاً: لقد تبلورت لدى المملكة رؤية طموحة هي رؤية (2030)، والتي من أهم أهدافها الاقتصادية تنويع مصادر الدخل في المملكة، وهو هدف تكرر في الخطط التنموية الخمسية العشر الماضية، إلا أنه لم يتحقق - بشكل واضح - إلا بموجب هذه الرؤية، فقد قلَّلت المملكة كثيراً من اعتمادها على النفط كمصدر وحيد تقريباً، وأخذت تتجه بقوة نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، وتحقيق التنمية المستدامة في المجالات كافة.
رابعاً: لقد جعل الله - سبحانه وتعالى - التوفيق والنجاح حليف هذه القيادة في اختيار الكفاءات القادرة على خدمة الوطن والمواطنين والمقيمين، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والزمان المناسب، وقد كان هذا دأبها منذ مراحل التأسيس الأولى، حيث تتشكل الحكومات من صفوة المجتمع الذين يحملون أعلى الشهادات، ويمتلكون أفضل التجارب والخبرات، ويتميزون بالجهد الوافر والعطاء الزاخر.
خامساً: إن المملكة تعتمد الشورى مبدأً أصيلاً في سياساتها ومجالات عملها منذ عهد التأسيس، وقد مرت الشورى بمراحل عدة حتى تبلورت في شكل مجلس الشورى الحالي، حيث صدرت تنظيماته، واكتملت مكوناته، وتطورت أدواته، وتعاظمت منتجاته.
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - شاهداً على مسيرة هذا المجلس، وداعماً قوياً لقراراته، وبعد أن تولى - أيده الله - مقاليد الحكم في المملكة استمر اهتمامه، وتواصل دعمه، وتتابع حرصه على تمكين المجلس من القيام بدوره المحوري في المجالين الرقابي والتشريعي، وهو دائماً يشدد في خطاباته الملكية السنوية التي يلقيها في مجلس الشورى على أهمية هذا المجلس في بلادنا الحبيبة التي تتكامل فيها السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية كما نصت على ذلك المادة الرابعة والأربعون من النظام الأساسي للحكم في المملكة، وذلك في إطار مؤسسي رصين يقوم على الثوابت والأسس والمرتكزات، وتحكمه اللوائح والأنظمة والتشريعات.
ومجلس الشورى يثمن عالياً - بكل الفخر والاعتزاز - مدى اهتمام القيادة الرشيدة، ويستشعر أهمية الدور الذي يضطلع به في سبيل الارتقاء بمستوى كم ونوع البرامج والنشاطات والخدمات التي تقدمها القطاعات الحكومية، وذلك من خلال دراسة تقاريرها السنوية، وإصدار القرارات اللازمة بشأنها، كما أنه يسعى إلى إيجاد بيئات تشريعية تعمل على الانتقال بالمبادرات الخلاقة، والمشروعات العملاقة، والإصلاحات الكبيرة، والإنجازات الكثيرة التي تشهدها المملكة في الآونة الأخيرة من الاجتهادات الفردية إلى العمل المؤسسي الذي يكتب له الدوام -بإذن الله تعالى.
ويضم المجلس نخبة من الرجال والنساء أصحاب العلم والخبرة والاختصاص في مختلف المجالات الذين يتم اختيارهم بعناية فائقة، ويوجد به بيئة عمل متميزة تشجع على التفوق والتألق والإبداع؛ بما يسهم - بفاعلية تامة - في خدمة الوطن الغالي، ويعمل على النهوض به إلى مصاف الدول المتقدمة.
سادساً: لقد اختص الباري - عز وجل - هذه الأرض المباركة بشعب أصيل نبيل، يعبد الله على بصيرة، طيب القلب نقي السريرة، كله وفاء، وهو رمز الإيباء، فيه قوة، وعنده نخوة، فيه شهامة، ومنه الكرامة، لديه وعي كبير، وفيه خير كثير، ينتهج الموضوعية والوسطية والاعتدال، وينبذ الإرهاب والتطرف والانحلال، يعشق السلام، ويعيش في وئام.
وهو دائماً يقف صفاً واحداً خلف قيادته في لحمة وطنية قوية، يسمع التعليمات، وينفذ التوجيهات، ينشر المعلومات، ويحارب الشائعات، ويتحمل تبعات المسؤولية، ويترفع عن السلوكات الفضولية، وهو بهذا كله لا يدعي بلوغ الكمال، وإنما حسبه أنه إليه يشد الرحال.
سابعاً: أولت المملكة قطاع البحث والتطوير والابتكار اهتماماً غير مسبوق، وقدمت له دعماً غير محدود، وذلك على اعتبار أن مكونات هذا القطاع هي التي تشكل الأدوات والآليات التي يمكن توظيفها في سبيل تحقيق رؤية المملكة (2030)، وصولاً إلى التنمية المستدامة في المجتمع.
وفي هذا السياق، صدر قرار مجلس الوزراء الموقر بتشكيل لجنة باسم: (اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار)، وهي ترتبط بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويرأسها رئيس هذا المجلس، ثم أتبع ذلك بقرار آخر يقضي بإنشاء هيئة باسم: (هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار)، وذلك لتكون مكملة ومتممة ومحققة لأهداف اللجنة العليا.
وهذان الكيانان معنيان بتنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة، وهما يكتسبان أهميتهما من أمور ثلاثة هي:
1. إن هذين الكيانين سيشكلان مرجعية دائمة يحتكم إليها الجميع في مجال اختصاصهما، وسيصبحان مظلة كبرى تستظل بتعليماتها وتوجيهاتها المكونات كافة التي يقوم عليها القطاع البحثي والتطويري والابتكاري في المملكة.
وهذا يعني تحقيق المزيد من التعاون والتنسيق والتكامل بين هذه المكونات؛ بما يؤدي إلى زيادة كفاءة الإنفاق، والحد من الهدر، وتلافي الازدواجية في العمل.
2. إن هذين الكيانين - بهذا المستوى الرفيع - سوف يكونان قادرين - بإذن الله تعالى- على تقعيد العمل وتقنينه وتطويره وتأطيره وتجويده، وتوحيد الجهود وتكثيفها، وسيعتمدان الحوكمة والوضوح والشفافية في جميع منهجيات عمل هذا القطاع الحيوي، وسيسعيان إلى تحويل بيئات عمله إلى بيئات تحكمها مؤشرات قياس الأداء، ويسود فيه التفوق والتألق والإبداع.
3. إن هذين الكيانين يأتيان تتويجاً للجهود الجبارة التي بذلتها المملكة في سبيل بناء قاعدة صلبة تقوم عليها منظومة البحث والتطوير والابتكار، ومن خلال ذلك حققت تقدماً كبيراً في هذا المجال، بل إن بعض مكونات هذه المنظومة قد دخلت التصنيفات العالمية من أوسع أبوابها، وأضحت تنافس بمنتجاتها الكمية والنوعية أكثر دول العالم تقدماً، وعليه، فإن هذين الكيانين سيعملان - من خلال منظور شمولي - على تكريس مبدأ عدم اختراع العجلة من جديد، وإنما البدء من حيث انتهى الآخرون محلياً وإقليمياً وعالمياً.
ثامناً: لقد نالت المملكة قصب السبق في مجال التقنية الحديثة، حيث عملت على تطوير الاستخدامات الرقمية بشكل فاق كل التصورات، والأهم من ذلك أنها دخلت مجالات الحياة كافة، وذلك من خلال الأجهزة والأدوات، والبرامج والتطبيقات، والقنوات والمنصات، وقد اضطرت جائحة كورونا المملكة - كغيرها من دول العالم - إلى اللجوء إلى الحلول الإلكترونية التي خففت كثيراً من وطأة هذا الوباء الفتاك، فأصبحت القمم والمؤتمرات والندوات والملتقيات والاجتماعات تتم عن طريق الاتصال المرئي، وصارت معظم الخدمات الحكومية والأهلية والخيرية في المجالات الصحية والتعليمية والعلمية والثقافية والاجتماعية تقدم عن بُعد، وأضحت الأنشطة الاقتصادية والتجارية والتسوقية والفنية والترفيهية، والاتصالات الشخصية، وغير ذلك من النشاطات الحيوية تمارس إلكترونياً.
وقد أثبتت البنيتان التحتية والفوقية في القطاع الإلكتروني أنهما قادرتان على مواكبة التحولات والتطورات السريعة التي تشهدها بلادنا، والوفاء بالمستلزمات والمتطلبات الحضارية، وتلبية مختلف الاحتياجات المجتمعية، بل وأن تصبح المملكة في مقدمة الدول التي استطاعت - بنجاح تام - أن تُفعِّل البيئات الرقمية، وتُعَزِّز التعاملات الإلكترونية، وتطوع التقنية الحديثة لخدمة مصالحها بشكل عام، والتعامل مع أزمة كورونا بوجه خاص.
تاسعاً: على الرغم من الظروف الصعبة والحالات الاستثنائية التي فرضتها جائحة فيروس كورونا المستجد التي ما زالت تخيم على كثير من دول العالم، إلا أن الله - سبحانه وتعالى - قد وفق قيادتنا الحكيمة الواعية الرشيدة إلى اتخاذ القرار الشجاع الحكيم الذكي بإقامة شعيرة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام لهذا العام بأعداد محدودة من جنسيات مختلفة، وكعادتها كرست هذه البلاد المباركة كل الجهود، وحشدت جميع الإمكانات، واتخذت كل الإجراءات والتدابير والاحترازات الوقائية لتحقيق مقاصد هذا الحج الاستثنائي، فجاء حج هذا العام ذكياً في تنظيمه وتنفيذه، نقياً في سلامته من الأوبئة والأمراض، آمناً مطمئناً في سكينته وروحانيته، وراقياً في تقديم خدماته، فبهر العالم بأكمله، وقدم صورة مشرقة رائعة لمدى حرص دولتنا - أعزها الله -، ورعايتها وعنايتها واهتمامها بضيوف الرحمن في هذا العام وكل عام.
عاشراً: امتداداً لجهودها الإنسانية الكبيرة على الأصعدة كافة، فإن المملكة تقوم بدور فاعل مهم في التخفيف من الآثار والأضرار المترتبة على الكوارث الطبيعية والمآسي الإنسانية التي تجتاح العالم من وقت لآخر، وتأتي المملكة في طليعة الدول الداعمة والمانحة التي تمتد جسورها الجوية والبرية والبحرية لتصل إلى أنحاء العالم، وهي تحمل الإمدادات والخيرات والمساعدات والمعونات.
وقد أصبح مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية صرحاً شامخاً في سماء الإنسانية ترنو إليه شعوب العالم، وتهفو إليه قلوب المحتاجين والمنكوبين في كل مكان.
حادي عشر: إن المملكة العربية السعودية تخطو خطوات واسعة، بل تقفز قفزات شاسعة نحو مصاف الدول المتقدمة، وذلك من خلال إطلاق المشروعات العملاقة، وتدشين المبادرات الخلاقة، وتبني الأفكار الطواقة، وتشكيل الكيانات السباقة التي تجعلها تتجه بقوة نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، بحيث يصبح هو المحرك الرئيس في الاقتصاد الوطني، وذلك مواكبة للاقتصادات العالمية المتقدمة التي أضحت فيها القطاعات العلمية والمعرفية والرقمية هي المهيمنة على مفاصل الحياة.
ثاني عشر: إن المملكة اليوم تسير بخطى واسعة واثقة في مجال التخطيط والتطوير والتأطير والتقعيد والتقنين في مختلف قطاعاتها، وتعتمد الحوكمة والوضوح والشفافية في منهجياتها كافة، وتسعى إلى تحويل بيئات عملها إلى بيئات تحكمها مؤشرات قياس الأداء، ويسود فيها التفوق والتألق والإبداع.
وفي هذا العهد الزاهر ازداد اهتمام بلادنا بالعلوم والمعارف الحديثة، والتعاملات الإلكترونية والبيئات الرقمية، والعمل على توظيف معطيات الثورة الصناعية الرابعة، كما أولت عناية خاصة بالثقافة والسياحة والرياضة والترفيه والفنون، وذلك بغرض الإسهام في تنويع مصادر الدخل، واستكمالاً للمقومات الأساسية في الحضارة السعودية.
وفي ظل عوامل النجاح والفلاح، ومتغيرات التطور والتحضر، ونواتج الإنجازات الهائلة، ومعطيات المواقف المشرفة، أصبحت المملكة العربية السعودية قوة عالمية يلتف حولها العالم كله عندما يحتاج إلى القيادة الحكيمة، والخبرة العظيمة، والسياسة القويمة، والرأي السديد، والتوجيه الرشيد، والدعم الأكيد، وقد تجلى ذلك - كما سبقت الإشارة - في رئاستها لمجموعة دول العشرين العام الماضي، وقيادتها للعالم في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، وزعامتها للمعمورة، حينما تفاقمت مشكلة أسعار البترول، وبالإضافة إلى ذلك أضحت بلادنا صرحاً شامخاً في سماء الإنسانية ترنو إليه الخلائق في كل مكان، وغدت دوحة وارفة يتفيأ ظلالها القاصي والداني.
وفي الختام، أدعو الله - سبحانه وتعالى - أن يحفظ بلادنا الحبيبة، وأن يحفظ عليها أمنها واستقرارها، وأن يحفظ لها قيادتها الحكيمة الواعية الرشيدة كي تواصل مسيرة الخير والعطاء والنماء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
** **
- رئيس لجنة التعليم والبحث والعلمي بمجلس الشورى