محمد بن عبدالله آل شملان
الأول من الميزان - الثالث والعشرون من سبتمبر- هذا يوم له ذكرى خاصة، لا يدرك أهميته حق الإدراك إلا من عاش على أرض الجزيرة المعطاء.. أو خبر التاريخ المعاصر بكل دروسه وعظاته وعرف رجاله وصانعيه.
الأول من الميزان، 23 سبتمبر 1932م، هو استئناف مسيرة الحضارة في هذه الجزيرة التي قادت منطلق الحضارة، التي قادت البشرية في أزهى عصورها.. يوم سادت حضارة الإسلام على المعمورة وأشاعت السلام والأمن والعلم والمعرفة.. فسعد بها الإنسان.. وكان لها ما بعده من التطور الحضاري لمسيرة الإنسان في هذا الكوكب.
وفي ذلك اليوم 23 سبتمبر 1932م.. وبعد ردح من الزمان كاد فيه نور هذه الحضارة أن يتلاشى عن جزيرة العرب.. بزغ إشعاع جديد.. إنه استئناف للدور الحضاري لهذا الجزء المهم من العالم: منطلق الرسالة الإسلامية.. ومنشأ العروبة.
بزغ كيان المملكة العربية السعودية.. لتتحول هذه الجزيرة من الظل إلى نور الحضارة.. ومن الشتات إلى قوة التوحيد وقوة الكيان الواحد المتماسك.. تحت قيادة رجل هو هبة الله لهذه الأرض.. ولهذه الأمة.. إنه عبدالعزيز - طيب الله ثراه -.. انطلق هذا الكيان الكبير تحت راية التوحيد.. وبشريعة الإسلام وبقيمه.. انطلق بإنسان هذه الأرض ليكتب الله له أن يكون له دوره الكبير والمهم في خدمة الإسلام ونصرة العروبة في كل مكان.. وليساهم بكل فعالية في صنع الحضارة في هذا العالم.
وكانت مناسبة اليوم الوطني التي تتكرر كل عام هي جزء من التذكار لما فعله أولئك الأفذاذ مع قائدهم في سبيل إقامة هذا الكيان. كما أنه يلقي بعض الضوء على مسيرة هذا الكيان عبر عقوده في طريقه نحو ذكرى المجد والنمو والرخاء والازدهار.
إن يوم أول الميزان من كل عام سيبقى يوماً ناصعاً في جبين التاريخ.. مرصّعاً بكل معاني المجد والوفاء والحب والقيم.. وسيظل في نفوس الأبناء والأحفاد إلى ما شاء الله.. سيظل شاهداً على الأسس التي قام عليها هذا الكيان.. التوحيد الخالص من كل الشوائب.. والوحدة والتآلف والتعاضد والجهاد في سبيل الله وفي سبيل قيم الإسلام الخالدة تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، خلف قادة هذه البلاد أبناء الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لنكون ممن وفوا بالعهد.. وليكون هذا الجيل هو خير خلف لخير سلف إن شاء الله.
ميثاق المؤسس عبدالعزيز
عندما يرتقي دور القيادة، تسمو الشعوب بتخطيطها ورؤيتها، وينجز الوطن مشروعه الابتكاري والإبداعي بتفوق ونجاح، ويسعد المستقبل بفضاء معشوشب باستشراف أيامه والتهيؤ له بوسائل مختلفة.
الملك المؤسِّس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حقق إنجازه العالمي في التأثير على أبنائه وأحفاده، بشرف التعاطي مع الواقع بالإيجابية، والتفكير بالشفافية والحيوية، والإيمان بالمضي قدماً على كل المستويات، لما لمواجهة التحديات من أهمية في حياة الأوطان والشعوب، ودور فاعل في ترسيخ واقع البقاء والتطور، ورفدها الفكر الإنساني قوة ومعنى.
لقد أدرك الملك المؤسِّس عبدالعزيز بنظرته بعيدة الأفق رصينة المسار، القيمة الحقيقية والفعلية لدوره اتجاه شعبه، عندما صدح برسالته المؤثرة: « سأجعل منكم شعباً عظيماً وستستمتعون برفاهية هي أكبر كثيراً من تلك التي عرفها أجدادكم».
إنه الفكر الذي يحتاج إلى فكر يوازيه في القوّة والتأثير، ومن ينجح في هذا المضمار فإنه ينجح في فتح نافذة واسعة الآفاق، نطلّ من خلالها جميعاً لتحقيق أحلامنا، ولكي نرى العالم من غير رتوش أو ضبابية، ولكي يسعد أجيال المملكة العربية السعودية بإنجازات على أرض الواقع.
في الحقيقة، أننا نشعر بالسعادة والفخر ونحن نرى ذلك القول للمؤسس يتحقق؛ لأنّ هذا الشعور يتحدث باسمنا، لرمزٍ وضع الأسس من أجلنا، واجتهد لرفع راية وطننا، هذا الشعور يزيدنا فخراً على فخر عندما نرى من حولنا أيضاً يؤيّدون ما ذهبنا إليه من أن قوله كان الحق. وكفى.
المنهج واحد
وإذا كان الملك عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه - قد أمضى جل حياته في بناء الدولة «المملكة العربية السعودية» وتوحيدها فإن الأسس التي وضعها وإن كانت متواضعة قد أتاحت لأبنائه البررة من بعده تطوير ذلك وتأصيله وتحديثه.
لقد تسلم هذا الكيان بعد المؤسس - رحمه الله - قادة عظام رعوا الهدف وفهموا الغاية، فمن الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله - رحمهم الله - إلى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين تواصل في البناء والتطور وتكامل في السيرة والمسيرة، وما صدور الرؤية السعودية 2030 إلا بمثابة خطوات مدروسة ثابتة لتدعيم هذا الكيان الكبير وتقوية بنائه على أسس راسخة متينة - بإذن الله.
وهناك مقولات خالدة جانستْ مقولة المؤسِّس: «سأجعل منكم شعباً عظيماً وستستمتعون برفاهية هي أكبر كثيراً من تلك التي عرفها أجدادكم»، قالها قادة المملكة وترسخت في أذهان المواطنين على مدى السنين، فها هو الملك سعود يقول: «أنا منكم وأنتم مني أتألم لألمكم وأسهر الليالي لمصالحكم وأضني النهار إلى تفقد أحوالكم أنتم مني كالجسد والروح»، وقال الملك فيصل: «نحن نريد أن تكون هذه المملكة الآن وبعد خمسين سنة مصدر إشعاع للإنسانية والسلام»، وقال الملك خالد: «نشكر الله الذي مكننا من مواصلة العمل على بناء بلادنا ورخائها»، فيما قال الملك فهد: «أي مواطن سعودي يدرك ما قامت به الدولة من مشاريع وأعمال وهذا ليس فيه منّة منها فهو واجب تؤديه»، وقال الملك عبدالله: «ما أنا إلا خادم لكم صدقوني أني ما أنام إلا سائلاً عن كل المناطق»، وقال الملك سلمان: «إن شاء الله أشوفكم في كل المناسبات على خير ويهمني حق المواطن أهم من حق نفسي»، وأخيراً المقولة الشهيرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان: «اليوم لدينا شعب مقتنع نعمل معه بشكل قوي للوصول بالسعودية ومشاريعها وبرامجها إلى آفاق جديدة في العالم، ولدى السعوديين همة مثل جبل طويق همة السعوديين لن تنكسر إلا إذا انهد هذا الجبل وتساوى بالأرض».
مستقبلنا أكثر إشراقاً
الواقع يشهد أمام العالم على أننا في المستقبل سنكون أمام منجزات ضخمة ستصبح واقعية بمشيئة الله تعالى وستتلامس مع أبصار شعوب العالم، وهو ما سيرسّخ مكانة خاصة لوطننا عالمياً.
ففي ظل الرؤية السعودية 2030 سنعيش إنجاز «نيوم» و«ذا لاين»، والأقمار الصناعية، والإنجازات العمرانية غير المسبوقة، والقدية، وآمالا، والرياض آرت، والرياض الخضراء، ومشروع البحر الأحمر، ومشروع الطائف الجديد، ومشروع بوابة الدرعية، ومشروع داون تاون، ومركز الحرب الجوي السعودي، ومدينة سبارك، ومدينة الفيصلية، ومجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية، وحديقة الملك سلمان.
بالإضافة إلى برنامج استثمارات الشركات الكبرى «شريك»، واعتماد مبادرات «السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر» والتي تمت مناقشتها مع معظم زعماء دول منطقة الشرق الأوسط، ودعم التعليم والبحث العلمي واستقطاب الشركات العالمية وتطوير البنى التحتية وبناء الشراكات الإستراتيجية وجلب أحدث التقنيات، إضافة إلى تطوير منظومة التشريعات المتخصصة، ترسيخاً للعدالة والشفافية ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية.
له منا دعاء.. وله عندنا رجاء
هذا هو «عبدالعزيز» القوي بحلمه وبمنجزه الحضاري، وهذا هو قوله: «سأجعل منكم شعباً عظيماً وستستمتعون برفاهية هي أكبر كثيراً من تلك التي عرفها أجدادكم»، القول القوي بحقيقته الواقعة، بذكاء قلبه وعقله وضميره، ونبيل مقصده وسلوكه.
إنه تاريخ وطن، وإنها قصة مؤسِّس، «التاريخ» مليء بالبطولات، و«القصة» حافلة بالحب والتفاني والشجاعة والتضحية. و«الوطن» فريد في إيمانه ورسوخه وتحركه ، و«والمؤسَّس» كبير في عقله وقدراته ومواهبه.
من أجل ذلك - وبهذه المثابة - فإنّ له منا دعاء.. وله عندنا رجاء:
أما الدعاء، فنسأل الله له واسع الرحمة والرضوان.. وأن يبارك العمل الذي بدأه.. وأن يخلفه في أهله وبلده وشعبه..وأما الرجاء الذي تنادينا روحه الطاهرة لإنجازه:
فهو ألا نرى في توحيده العظيم مجرد خطوات ظافرة عفت عليها بعد رحيله الرمال.
وألا يكون أثره فينا، وتأثيره بنا.. تأثير رجل جاء الدنيا في رحلة سريعة ثم مضى.. بل رجل نطالع فيه الماضي.. والحاضر.. والمستقبل؟!.