إيمان حمود الشمري
الهبّة بتشديد حرف الباء مصطلح خليجي تستخدمه بعض اللهجات الخليجية دلالة على أمر رائج في الوقت الحالي، وتتوالى الهبّات دون أن تكون هِبات بكسر الهاء، وفي الغالب نحن من يكون ضحيتها.
في التسعينات ابتدأت هبة الصحوة التي سيجت المجتمع بسياج شائك بالكثير من المحرمات رغم أن الحلال أكثر بكثير من الحرام ولكن التهويل والترهيب الذي روّج له بعض رجال الدين في تلك الفترة الزمنية جعل الأمر أكثر تعقيدياً ورهبة في النفوس بالتدقيق وتتبع سلسلة من الثغرات التي ليس لها نهاية.
في فترة ما بعد عام 2000 برزت هبّة بعض مدربي البرمجة اللغوية العصبية الذين استغلوا جيل الشباب وولعهم بالحياة بعناوين لافتة براقة جرفتهم وراء وهم بإمكانية جذب كل ما يريدون، والترويج لنوع جديد من الدجل الذي يرتدي زياً أنيقاً ليبدو مثقفاً ومقنعاً ويستخدم الدين بربطه بالأمثلة كعامل جذب للناس، وتم استهلاكنا بشعارات تشبه شعارات قائد معركة خاسرة يدفع بجيشه للقتال دون أن يكون أي تكافؤ فيجعل خسارتهم فادحة تحت شعار (أنت تستطيع)!!
ثم جاءت هبة مشاهير التواصل لتمحو كل ما جاء قبلها، فالخروج عن المألوف هو الهبّة الحالية التي برزت من خلالها طبقة من (مخلّفات) وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تراعي عرفاً ولا ديناً ولا مجتمعاً ولا عادات ولا تقاليد، فئة تعمل خارج حدود المألوف وتعتبر ما تفعله إنجازاً ونجاحاً وتميزاً، وهو في الحقيقة مجرد لفت نظر سعياً للشهرة السريعة الخالية من القيمة والإنجاز والمضمون، أصبح الجسد هو المحتوى الأساسي، إضافة إلى صناعة المقالب المفتعلة وتصوير يوميات بلا قيمة ومجرد مضيعة للوقت بحجة التلقائية، وأصبح التنافس في الساحات على الأرخص والأقل حياءً والأتفه ليكونوا محور اهتمام الناس، حيث كلما قدموا تنازلاً وخسروا أنفسهم وقيمتهم بأعين الناس، ذاع صيتهم أكثر، ولم يعد أي قيمة ولا احترام للنفس البشرية مقابل سيل من التنازل مدفوع الأجر.
عن أي نجاح نتحدث ونحن أمام طبقة رديئة تقدم لنا نساء على هيئة وجبات سريعة تجذبك صورتها على الملصق ولكنها تثير الغثيان في نفسك بمجرد أن تتناولها لأنها بلا قيمة. نساء تسعى للمتاجرة بالجسد وكأننا عدنا إلى عصر الجواري بلا أدنى خجل أو احترام، وأتوقف شاكرة للنظام الذي وضع غرامة وسجناً للمحتويات الخادشة للحياء للحد من هذه الظاهرة.
أدين بالفضل والشكر لهذا البلد الذي وضع حداً لكل من يريد أن يضللنا بفكره المتطرف، سواء أكان غلواً بالدين أو استهتاراً بالعادات والتقاليد أو استدراجنا بتجار دورات البرمجة العصبية الذين يحمل البعض منهم شهادات مزيفة، وذلك بإجبارهم على استخراج تصاريح لتنظيم عملية إقامة الدورات، فكل تلك الفئات تشترك بالمبالغة والخروج عن ما جرت عليه العادة والطبيعة، كلهم كانوا يريدون أن يسلبونا فطرتنا وحياتنا الطبيعة السوية، وتكمن أهمية دورنا في التصدي لمثل هذه الهبّات، وعدم تقبل كل ما نراه وكأننا إسفنجة تمتص كل شيء دون تمييز، فكيف تقبل أن تكون نسخة عن غيرك رغم أنك ترفض أن ترتدي ما هو مقلد؟ فما بالك لو كنت أنت نفسك تقليداً..!