فضل بن سعد البوعينين
التعليم ركيزة التنمية، وقاعدة التحولات الاقتصادية والمجتمعية الكبرى، ما يجعله أكثر استحواذاً على الإنفاق الحكومي الذي يمكن تصنيفه ضمن الإنفاق الاستثماري الإستراتيجي لانعكاساته الرئيسة على تنمية الإنسان، وتنمية قدراته المحققة لأهداف التنمية الاقتصادية والمجتمعية، والمعززة لجهود البناء الشامل، والتحولات الإستراتيجية المهمة. ووفق فلسفة العائد على الاستثمار، يمكن القول إن العائد الاستثماري على التعليم الكفء يفوق بمضاعفات كثيرة حجم الإنفاق الحكومي الذي خصص له، والأهم من ذلك اتساع نطاق أثره الإيجابي على قطاعات الاقتصاد والقطاعات التنموية عموماً، ما يؤكد أن مخرجات التعليم المتميزة، تضمن بإذن الله، نجاعة التنمية الشاملة، والاستدامة، وبناء المجتمعات وتطويرها. وهذا ما تؤكده تقارير البنك الدولي الذي يعتبر التعليم من عوامل النمو المستدام، ومن خلاله يمكن تحقيق عائدات مهمة للمجتمعات الإنسانية عموماً.
إيمان القيادة بأهمية التعليم والتدريب وتطوير القدرات البشرية في التنمية عموماً وتحقيق متطلبات التنمية المستدامة، جعله ضمن برامج رؤية المملكة 2030 الرئيسية، حيث أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان برنامج تنمية القدرات البشرية، وفق رؤية إستراتيجية طموحة تهدف إلى تنمية قدرات أبناء وبنات الوطن ليكونوا مستعدين لسوق العمل الحالي والمستقبلي، وتعزيز تنافسيتهم محلياً وعالمياً، ورفع قدراتهم لتواكب المتغيرات العالمية، ومهاراتهم المتوافقة مع متطلبات المستقبل، وتنمية مداركهم ومعارفهم العلمية.
تنمية الإنسان، هي الهدف الأسمى من إطلاق البرنامج الذي سيعيد تشكيل المنظومة التعليمية والتدريبية لتكون متوافقة مع متطلبات العصر، وسوق العمل، والتنافسية العالمية، دون المساس بالقيم الدينية والوطنية التي يهدف البرنامج لتعزيزها، وجعلها محوراً رئيساً للبرنامج. فتركيز البرنامج على مراحل التعليم بدءًا من رياض الأطفال ستعطي القائمين عليه القدرة الكافية على غرس القيم في نفوس الأطفال وفق منظومة تعليمية حديثة تجمع بين الجانب العلمي المحفز للإبداع والابتكار وتنمية المهارات، والجانب الأخلاقي والديني وبما يضمن التكامل المعرفي والمهاري والأخلاقي والعقدي في آن. المهارات الرقمية، مهارات الثورة الصناعية الرابعة، مهارات ريادة الأعمال من أهم المهارات المطلوبة عالمياً، والتي يستهدفها البرنامج بشمولية من أجل صناعة المستقبل.
قد تكون التجربة اليابانية من أبرز التجارب الحديثة التي نجحت في تطوير التعليم ومخرجاته وإكساب المواطنين المهارات المطلوبة لبناء اقتصاد عالمي متقدم، مع المحافظة على القيم اليابانية والأخلاق عموماً، وإكساب مواطنيهم منذ الصغر القيم الإنسانية والأخلاقية العامة لتتحول إلى ثقافة مجتمعية، وآلية ضبط للمجتمع الياباني.
وضع إستراتيجية وطنية لتنمية القدرات البشرية تلبي احتياجات وطموح جميع شرائح المجتمع بدءًا من مرحلة الطفولة ثم التعليم العام والجامعي والمعاهد الفنية والتقنية سيسهم في صناعة جيل جديد متسلحاً بالتعليم المتميز والمهارات النوعية، كما سيسهم في اطلاع المواطنين بالمتغيرات العلمية والمعرفية العالمية ومتطلبات المنافسة المستقبلية في السوقين المحلية والخارجية، ويجعلهم على دراية تامة بتفاصيل التعليم والتدريب ومتطلبات التنمية البشرية المتوافقة مع رؤية 2030 ومشروعاتها الكبرى، ما يضع المسؤولية على الأسر والأفراد للمشاركة الفاعلة وتحقيق الاستفادة القصوى منه.
ضعف المهارات وعدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، من أهم تحديات معالجة البطالة محلياً، لذا اهتم البرنامج بمعالجة هذا التحدي بشمولية من خلال البرنامج الذي لن يقتصر على مراحل التعليم بل سيوفر نظاماً معتمداً للتعليم والتدريب المستمر لرفع كفاءة المواطنين المنخرطين في سوق العمل، لتحقيق هدف توطين ما نسبته 40 في المائة من الوظائف عالية المهارات.
أختم بتأكيد سمو ولي العهد على أن هدف الإستراتيجية الجديدة هو «إعداد مواطن طموح يمتلك المهارات والمعرفة، ويواكب المتغيرات المتجددة لسوق العمل، مما يساهم في بناء اقتصاد متين قائم على المهارات والمعرفة وأساسه رأس المال البشري»، وهذا ما سيتحقق من خلال إستراتيجية تنمية القدرات البشرية التي سيجني الوطن والمواطنون ثمارها اليانعة، وعوائدها الضخمة التي ستتحول إلى قاعدة التنمية المستدامة، بعون الله وتوفيقه.