أ.د.عثمان بن صالح العامر
إن الباحث المنصف السابر للواقع السعودي منذ عهد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته- إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- أمد الله في عمره وحفظه ورعاه- سيجد أن من بين خصوصيات وطننا المعطاء التي قلّما يجدها في بلدان العالم عامة والثالث خاصة أنه وطن لا يعاني «إشكالية الشرعية»، فهي شرعية ثابتة لولاة أمرنا «آل سعود» منذ الدولة السعودية الأولى وحتى اليوم بالبيعة الشعبية المشهودة ذات الصيغة الشرعية المعروفة والمتواترة عبر عهود الإسلام المتتابعة كما هو معروف، كما أن هذه الدولة المباركة ليس لديها «أزمة مرجعية» مثلما هو حال دول عدة ما زالت تتخبط في البحث عن مضامين لسلطتها التشريعية تحكم بها وتسوس البلاد والعباد.
ومن خصائص نظامنا السياسي أنه لم يقفز على الواقع بمثالية طاغية، ولا هو يقف على أرضية هشة وبنْية ضعيفة، ولا يؤمن بحرق المراحل وصولاً لما يروج له من نظم وردية مخادعة سوّق لها الكثير من المفكرين والساسة الغربيين، وتمناها بعض المثقفين وكتابنا المعاصرين يوماً ما وما زالوا، وإنما جاء نظامنا السياسي مستنداً على الكتاب والسنة، ملبياً لاحتياجاتنا الفعلية، منسجماً مع نسيجنا الاجتماعي وطبيعتنا المحلية، وهذا ما جعله- مع رسوخ منطلقاته وثبات مرجعياته- متطوراً ومتغيراً بشكل مدروس ومتدرج جراء ما يتمتع به من مرونة نظرية وتطبيقية تسمح للسلطات الثلاث «التشريعية والقضائية والتنفيذية» أن تتواكب في خطواتها التنظيمية وسياساتها الداخلية مع ما يستجد من حال، وما يطرأ من تغير وتبدل حادث في مجتمعنا المحلي ومحيطنا العربي والعالمي.
وعلى ضوء رؤية المملكة 2030 كان لزاماً على صُناع القرار التحرك في دائرة الخطوط العريضة للرؤية. وبناء على ما استجد من ظروف عالمية وتغيرات داخلية أثرت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إيقاع مسارنا التنموي والأمني والحياتي، وفي ظل حربنا المفتوحة مع الإرهاب - العقدي والفكري والتقني والسياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي... من جهة، وفي مواجهتنا لتجار المخدرات ومروجيها المفسدين في الأرض الساعين للدمار من جهة أخرى، وفي إطار ملاحقة الفساد وبتر جذوره بشكل لم يسبق له مثيل، لذلك كله كان الدمج بين مؤسساتنا الحكومية، والإلغاء لبعضها، والتأسيس للبعض الآخر الجديد، مع ضمان استقلالية كل مؤسسة عن غيرها وتناغمها وتعاونها مع الجميع، تماشياً مع القواعد المتبعة في معظم دول العالم، وتحقيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات.
وضماناً لتحقيق ما فيه خير الوطن وصالح المواطن والزائر والمقيم.
إن بلادنا الغالية تشهد اليوم في ظل قيادة وتوجيه ومتابعة ودعم ومباركة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز قفزات تنظيمية وخطوات تطويرية إدارية وتنموية، تؤكد الوعي التام من لدن ولاة أمرنا- حفظهم الله ووفقهم لكل خير- بمعطيات الواقع وظروف المرحلة، وتبرهن بما لا يدع مجالاً للشك أننا دولة مؤسسات ستبقى طويلاً بإذن الله رغم أنوف الحاقدين وكيد الحاسدين وتحركات المفسدين الأشرار، مع واجب الاحتفاظ بالاعتراف الجمعي لما لقيادتنا الفذة ذات العزم والحزم ممثلة بخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين- وفقهما الله- من دور أساس في تعزيز الوجود المؤسساتي في بناء دولتنا التنظيمية في عالم متجدد ومتسارع بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. ودمت عزيزاً يا وطني، إلى لقاء والسلام.