خالد محمد الدوس
الموت أو الضيف الأخير (الزائر) الذي يأتي بلا استئذان يذوقه كل إنسان قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (57) سورة العنكبوت، فالموت كأس لابد من شربه وإن طال بالعبد المدى وعمَّر سنين.!! فهو هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ومشتت القرابات, قال الله تعالى: {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} (106) سورة المائدة، وهو أول رحلة للآخرة وتعقبه رحلات كأمر حتمي لا مناص منه انطلاقًا من قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (11) سورة السجدة.
الخلائق جميعًا ما هي إلا ودائع وأمانات في هذه الدنيا الفانية فمتى ما انتهى أجلها أعيدت انطلاقًا من قوله تعالى: {وفَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (34) سورة الأعراف.في عصر يوم الأربعاء الماضي تلقيت خبر وفاة ابن أختي الشاب (الوليد بن خالد الطياش) -رحمه الله- إثر حادث أليم تعرض له بعد عودته من المدرسة, وكانت الصدمة المؤلمة والموقف المحزن حقاً هو بعد عودته من المدرسة ظهراً دخل بيتهم وسلم كعادته على أمه، وقال سأذهب مع زميلي أتغدى ساعة وأعود.. ولم تعلم أمُه المكلومة أنه آخر وداع وتوديع أهله وأحبابه وبعد مغادرته البيت تعرض لحادث أليم أدى إلى وفاته عن عمر (17 سنة) وكان خبر وفاته -رحمه الله تعالى- في غاية الصعوبة على قلبي ووجداني، وبرغم من أن الموت هو الحقيقة المطلقة في هذه الحياة, وإن الموت مصير كل حي, إلا أن مشاعر الحزن والشعور بالفقد قد تكون أحيانًا قوية خاصة وأن المصاب جلل والخطب عظيم, ولذلك كان خبر وفاة حبيبي الابن (الوليد) الذي كان كثير التبسم مشرق الوجه مع جلسائه وقع علينا بمثابة (الصاعقة)..!!
رحل صاحب الابتسامة الطاهرة النقية تاركاً حسرة في النفس, ولوعه في القلب, وحزن يقهر الوجدان فقد كنت التقي به كثيرًا أثناء زيارتي لشقيقتي في منزلها وفي كل لقاء كنت أرى تلك الابتسامة المرسومة على وجهه والتي لا تفارقه وكنت أرى أيضاً فيه الشاب الطموح الحالم الذي يرسم معالم مستقبله بذكائه وهدوئه..!! ولكن قدر الله تعالى أن كتب (وفاته) في مرحلة شبابه لتبقى ابتسامته المضيئة المشّبعة بالطيبة المتناهية والبراءة الفطرية محفورة في وجداني وذاكرتي تغمده الله بواسع رحمته. فقيدنا الغالي (الوليد) كيف لا نبكيك والفقد عظيم..؟!! وكيف لا نحزن والمصاب جلل..!!؟ كنت بروحك الطيبة, وبشاشتك العفوية, وأدبك الجم, وهدوء طبعك وخفت النفس محبوباً من الأقران والأهل والأحباب.. تدخل القلوب بلا خجل أو استئذان, ولا عجب من هذه التربية الأسرية السليمة فقد أحسن والديك -حفظهما الله- في تنشئتك التنشئة الاجتماعية والتربوية والأخلاقية والدينية على أرضية صلبة.. خلاصتها (شخصية) شاب مهذب.. مؤدب.. لطيف.. ودود باسم الثغر كثير المرح تملك حّس الدعابة والبساطة.. لا تلجأ إلى التصّنع وحُب المظاهر, وهذا ما أكسبه -رحمه الله- محبة الأصدقاء والأحباب ويكون بالتالي قريبًا منهم.. كان نموذجًا للشاب المطيع لوالديه حريصًا رغم صغر سّنه على برّهما باللسان وبالعمل والجوارح.. ضارباً أروع الأمثلة في قيم البّر فما أصعب فقدان الأحبة ورحيلهم المفاجئ..!!
لو كان البكاء يرد (غالياً) لأبكيك يا وليد على طول الأيام, ولكن عزاؤنا يوم لقياك في دار البقاء برحمة الله وكرمه.. فصبراً يا (أم الوليد).. وصبرًا يا (أبو الوليد) على فراق حبيبكما وقرة عينكما وثمرة فؤادكما.. فما جزاء الصبر على الابتلاء إلا الجّنة والدرجات العليا، فقد وعد الله عز وجل الصابرون على الابتلاء في محكم كتابه أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب كالماء المنهمر بلا مّد أو حّد، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر.
اللهم ارحم فقيدنا الغالي (الوليد الطياش) واجعل قبره روضة من رياض الجنة وأفسح له في قبره مد البصر, يا سميع الدعاء وواسع المغفرة.
والحمد الله على قضائه وقدره: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.