ليس من السهل أن ترى كبيراً يبكي إلا لأمر جلل وذلك ليس قسوة في قلبه، ولكن لما مر عليه في حياته من أحزان ومصائب فأصبح متعوداً على مثل تلك المواقف، ولكن المواقف تختلف فقد تأتي أحداث تكسر القلب وتدمي العين مهما بلغ فيك العمر.
من أعظم تلك المواقف الموت لقريب أو عزيز عليك، فعندما تفقد والداً أو والدة أو اخاً أو اختاً أو ابناً أو بنتاً أو صديقاً فمن المؤكد أنك مهما بلغت من قوة في التحمل والصبر ورباطة الجأش فلا بد ان ينكسر قلبك وتذرف عيونك دموعاً حزنًا على فراق من تحب. سنة الله في هذا الكون ان خلق البشر وقدر لهم أعمارهم وآجالهم فلا يستطيع أحد منا ان يغير ما كتبه الله له أو لغيره من طول أو قصر عمر، وكما قدمنا إلى هذه الدنيا بإرادة الله عز وجل فإن مصيرنا جميعًا إلى الموت، كلٌّ وما قدر الله له من عمر في هذه الحياة الفانية، ولكن موت من نحب قريباً أو صديقاً ليس من السهل ان يمر علينا مرور الكرام. بالأمس رأيت كبيراً عمراً ومقاماً يبكي، لم أتخيل بان أراه يبكي بهذه الحرقة ولكن لمعرفتي بما وقع عليه من مصاب جلل عذرته على هذا البكاء، نعم رأيت عمي وجد ابنائي الأستاذ خالد المالك يبكي كما يبكي الأطفال لفراق والدته، هذا الفراق الصعب الذي لم يستطع تحمله رغم ما وهبه الله من حكمة ورزانة عقل، ولكن في مثل هذه المواقف تذهب لغة العقل والحكمة وتبقى روح القلب والمشاعر الإنسانية التي لا نستطيع التحكم بها ولا كتمانها. كنت وعائلتي الكريمة قبل ما يقارب الشهر برفقة عمي خالد خارج المملكة، وكان يتواصل مع والدته رحمها الله بشكل يومي وتتصل به إذا تأخر بالاتصال عليها وتعاتبه على تأخره بالعودة لها وتقول له إنني مشتاقة للقائك، وبعد عودته من السفر استقبلته بحضنها وكأنه طفل صغير، وقالت له كم اشتقت لك كم احبك.. لم يكن استقبالًا عادياً وكأنها تعرف انه استقبال مودع، واصرت عليه أن تقيم له مأدبة عشاء فرحاً وابتهاجاً بقدومه من السفر رغم أنه كثير السفر لارتباطاته العملية والاجتماعية، ولكن هذه المرة كان الوضع مختلفًا، لم يكن في مخيلتنا ان تكون تلك الوليمة آخر وليمة للمرحومة، ولكن سبحان من خلق هذا الكون وصرف الآجال فيه وكأنها كانت تعرف أن تلك هي آخر وليمة تقيمها لأبنائها وأحفادها. توفيت والدته ووالدة أسرتنا جميعاً الخالة نورة الصالح الخريجي، وبكى أبوبشار وبكينا جميعاً ورحلت من هذه الدنيا إلى دار الحق ولكنها طبعت في قلوبنا وذاكرتنا صورة لامرأة عظيمة بكرمها وجودها وعطفها وحنانها على القاصي والداني. كم هو مؤلم هذا الفراق، وأي فراق إذا فارقت أباً أو أماً لذا أخذت على نفسي عهداً بأن لا يمر يوم إلا وأنا تحت أقدام والدتي وفي أحضانها حفظها اللهورعاها، وحفظ الله لكم كل من تحبون، رحمك الله والدتنا الغالية ام خالد رحمةً واسعة، واسكنك فسيح جناته وجمعنا بك ووالديك في الفردوس الأعلى من الجنة وإنا لفراقك لمحزونون.
** **
- بدر بن محمد المالك