نعت أسرتا المالك والخريجي فقيدتهم الغالية الخالة نورة بنت صالح الخريجي التي انتقلت إلى جوار ربها فجر يوم الخميس 8 صفر 1443هـ الموافق 5 سبتمبر 2021 م، وهي والدة كل من خالد وعبدالعزيز وعبدالكريم وأحمد وناصر وعبدالسلام وزينب وبدرية وفوزية المالك، أسأل الله أن يخفف مصابهم الجلل ويلهمهم الصبر، وأعزيهم ونفسي وكل من ينتمي لأسرتي المالك والخريجي، فاللهم أجبر قلوبهم، وهون حزنهم، وقوي قلوبهم، واجعلهم لقضائك وقدرك راضين.
إنه حق على كل إنسان السير في درب الرحيل الأبدي، هو حق على كل أحد إلا أنه الأقسى والأعظم والأشد فجعًا ووجعًا لقلوبنا إنه رحيل الأحبة، كانت بيننا تشع بوهج المحبة والخير والإحسان والنصح وحسن التعامل، وفجأة قالوا رحلت أم خالد عنا بدون أن تودعنا، رحلت تاركة لنا الذكريات التي كانت تجمعها بأحبابها، رحلت أم خالد المرأة الفاضلة لتعبر الدموع الصامتة عن حزننا على فقدها، رحلت عن دنيانا تاركة لنا عبق طيب عملها وحسن سيرتها ونقاء سريرتها... إنها أم خالد حمد المالك، إنها الأم الفاضلة نورة صالح الخريجي رحمها الله... وحول عمرها فالناس في زمنها يعتمدون تقويمًا خاصًا بهم يؤرخون به أحداثهم في غالب أحوالهم المهمة كالحروب والكوارث الطبيعية أو أي شأن عظيم سبب لهم ضررًا كبيرًا، فبالنسبة لها فقد ولدت حسب رواية والدتي -رحمهما الله- سنة الرحمة عام 1337- 1918 وهي السنة التي انتهت بها الحرب العالمية الأولى وسميت تلك السنة بسنة الرحمة من كثرة ترحم الناس على موتاهم بسبب انتشار مرض الإنفلونزا الإسبانية التي تشبه فيروس كورونا (كوفيد-19).
ومن المعلوم أنها -رحمها الله- وكل جيلها لم يحصلوا على القدر الكافي من التعليم سوى حفظ ما تيسر من القرآن الكريم وما يحتاجونه في أمور دينهم على يدي الشيخة تركية عبدالله العمير، وقد حصلت على الثقافة العامة من دائرة أهلها وعشيرتها ودوائر مجتمعها فاكتسبتها بالملاحظة والممارسة العملية حسب ظروفها حتى أصبحت على قدر كبير في فهم الحياة، فقدرت الظروف التي أحاطت بها وأم خالد -رحمها الله- سلكت مسلكًا مناسبًا لتلك الحياة القاسية والظروف الصعبة في ذلك الوقت التي شملت الجميع فعاشت مع جاراتها الثلاث في منزل واحد حيث كان هذا نمطًا اجتماعيًا سائدًا في ذلك الزمن، فسادت بينهن روح المحبة والتفاهم والتآلف والعلاقات المميزة التي لا يعكر صفوها خلاف الصغار مع بعضهم، والمبرر لهذا من وجهة نظري هو رقيهن الفكري واتساع منزلهم وعقولهن الراجحة وحنكة زوجهن، وحقًا هن أمهات لا تستطيع العبارات أن توفيهن حقهن، وكان لهن علاقة مميزة مع الجيران وكأنهم من ذوي الأرحام والأقارب ويعطونهم اهتمامًا كبيرًا بحقوقهم التي نظمها الإسلام بإكرامهم ومعالجة قضاياهم ويشاركونهم أفراحهم ومناسباتهم والتصدق بالطعام على الأسر المعوزة منهم.
فكانت أسرة متماسكة بكثير من الخصال الحميدة والقيم الجميلة كالترابط والتراحم وعدم الكلفة إلى أن جاءت الطفرة الاقتصادية التي غيرت الكثير من الطباع والسلوكيات فأصبح الجميع يعشق الاستقلالية ويرفض عيش الجميع في منزل واحد لتسود الألفة أكثر بين الجميع فكان لهم ذلك.
وتتميز أم خالد بمزايا عديدة جعلت لها مكانة خاصة بسبب طيبتها وحنكتها فقدرت نعمة الحياة واحترام الكبير والعطف والحنان على الصغير، فكلامها يرتقي عند مخاطبة الكبير وتنزِل بتفكيرها عندما تتحدث مع الصغير، وقد أكسَبت ما اكتَسَبته من أهلها لأولادها وكل من له صلة بها فعلمتهم حسن الطباع تسربلها الأخلاق الفاضلة وأزكى السجايا وأنبل الطباع فدارت حياتها وحياتهم كلها حميدة وفي التنزيل {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وتعلمت من زوجها -رحمهما الله- الكرم والصبر والتضحية وخدمة المحتاج وكره الظلم أو التعالي أو الإطراء الكاذب، واشتهرت هي بمهارتها بالشؤون المنزلية وقدرتها المميزة على عمل الأكلات الشعبية، وهو فن مثل باقي الفنون اكتسبت هذه الخبرة بعد حصاد زمن وثمار تجربة، ولغيرها من جاراتها عمل آخر يتقنه وينفردن به عن غيرهن أوجدتها الضرورة الملحة كونهن يعشن بمنزل رجل كريم مضياف خيره كثير ونعمه عميمة وصدقاته ممتدة مع كل طارق لبابه كريم الطبع هنيئ النفس يبذل ماله لكل سائل وقاصد، وتلك سجية فيه لا يتكلفها، حتى أن منزلهم لا يكاد يخلو من الأضياف وذوي الحاجة.
أتمنى من كل قلبي أن أكون وُفقت بكتابة ولو بعض الأحاسيس الصادقة التي تنبع من فؤادي عن أم خالد المرحومة -بإذن الله- فهي بحق تستحق كل الإطراءات والمدائح والثناء ولها مع كلا العائلتين المالك والخريجي ذكريات جميلة باقية محفورة في ذاكرتنا، فحتى المتعب من هذه الذكريات نراه جميلاً لأنه كنز من الخبرات والتجارب التي رغم قساوتها علمتنا كيف ندرك التعامل مع من حولنا فصارت لنا عبرًا ومواعظ خرجنا منها بفائدة أسأل الله عز وجل أن يحلها ويحللنا منها ويكرمها بالمغفرة وسعة الرحمة والقبول وأن يسكنها الجنة مع زوجها في الفردوس الأعلى {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}. وعذرًا فمن يكتب عن فقد حبيب بالموت فإن هول الفاجعة قد يربك الكاتب ويذهله عن ضبط العبارات وتسلسلها فكيف بإنسان مثلي تجاوز منتصف الثمانينات من العمر ذاكرته رست حبالها وتقطعت أوصالها وعثا بها الزمن والنسيان والغفلة، ومما يريحني أيضًا أنني أعلم أنه لا يوجد كاتب إلا وقد تسرب اللحن إلى كتابته، فشكرًا لكل من ذكرها بخير وخصها بالدعاء، وصلى الله على نبينا محمد.
** **
محمد بن دخيل المالك - الرس