الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تؤكد الشريعة الإسلامية على أعمال الخير والبر والمسارعة فيها، ومنها الصدقة التي تعد من الأعمال الصالحة العظيمة التي رغب فيها الشارع الحكيم وحث عليها، وفي أكثر من موضع في القرآن الكريم أمر الله المؤمنين بالصدقة والإنفاق ووضحت الآيات فضلها، كما بينت الأحاديث الشريفة فوائد الصدقة المتعددة في الدنيا والآخرة، وتعد الصدقة الجارية من أفضل الصدقات حيث أن أجرها يكون مستمراً حتى بعد وفاة العبد.
وللصدقة في السر فضيلة، حيث أن في إخفاء الصدقة خير للمتصدق لقوله تعالى: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}، وفي الحديث: «سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله»، ومن هؤلاء السبعة «رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه».
ويرى البعض أهمية الإعلان عن الصدقات والأوقاف في العصر الحاضر تشجيعاً للآخرين، وحث للناس على المسارعة في فعل الخيرات.
«الجزيرة» رصدت رؤى أصحاب الفضيلة المشايخ من العاملين والمهتمين بالعمل الخيري والوقفي حول ذلك، وكانت على النحو التالي:
تدفع البلاء
يبين الدكتور أحمد بن علي البوعلي أن الصدقة تطفئ غضب الله وتدفع البلاء، وتقي من النار وتمحو الخطايا والذنوب، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم «والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار»، والمتصدق في ظل صدقته يوم القيام، بل هي تداوي الأمراض الجسدية، فيقول الرسول «داووا مرضاكم بالصدقة»، كما أن الصدقة تؤدي إلى البر، حيث يقول الله عز وجل: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ، والصدقة تجعل الملك يدعو لصاحبها كل يوم، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً».
أفضل الصدقات
ويضيف د. البوعلي قائلاً: الصدقة تساعد في البركة بالمال وسعة الرزق، قال الرسول عليه الصلاة والسلام «ما نقصت صدقة من مال»، فلما سأل النبي عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلا كتفها. قال: «بقي كلها غير كتفها».
يدعو صاحب الصدقة من باب الصدقة في الجنة، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان، قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: «نعم وأرجو أن تكون منهم»، وفي الصدقة انشراح للصدر وطمأنينة للقلب وراحة للبال، فقد ضرب الرسول مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثدييهما إلى تراقيهما فأما المنفق فلا ينفق إلا اتسعت أوفرت على جلده حتى يخفى أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع، والصدقة تطهر المال، فقد كان النَّبي يوصي التَّجار بقوله: «يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة»، مشيراً إلى أن الصدقات الخفية هي الأفضل على الإطلاق، لأن صاحبها يساعد لوجه الله وليس للتباهي أمام الناس بأنه متصدق وإن كان الإذاعة أفضل في بعض الأحيان للتشجيع وتحفيز الآخرين.
حكم الإعلان
ويقول الدكتور عبدالعزيز بن علي الدغيثر الإعلان بالصدقة وإشهارها بنية حض الغير للخير محمدة ولفاعلها أجر من ائتسى به؛ فقد صح عن جابر بن عتيك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ مِنَ الغَيْرةِ ما يُحِبُّ اللهُ، ومنها ما يُبغِضُ اللهُ، ومِنَ الخُيَلاءِ ما يُحِبُّ اللهُ، ومنها ما يُبغِضُ اللهُ، وقال: الخُيَلاءُ التي يُحِبُّ اللهُ اخْتيالُ الرَّجُلِ في القِتالِ، واخْتيالُه في الصَّدَقةِ، والخُيَلاءُ التي يُبغِضُ اللهُ الخُيَلاءُ في البَغْيِ، أو قال: في الفَخْرِ.. أخرجه أبو داود (2659)، والنسائي (2558)، وأحمد (23748) واللفظ له. ويدل لذلك أيضا ما في صحيح مسلم وغيره والشاهد منه: تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينَارِهِ، مِن دِرْهَمِهِ، مِن ثَوْبِهِ، مِن صَاعِ بُرِّهِ، مِن صَاعِ تَمْرِهِ، حتَّى قالَ، ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ قالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قدْ عَجَزَتْ، قالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِن طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَن عَمِلَ بهَا بَعْدَهُ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ، وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كانَ عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بهَا مِن بَعْدِهِ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أَوْزَارِهِمْ شيءٌ، والنية هي المؤثرة في التفضيل، فإن لم يكن له نية لحث الغير على الخير فالإخفاء أفضل لقوله تعالى: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) سورة البقرة، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سبعة يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه.. فذكر الحديث، وفيه: ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها، حتى لا تعلم شمالُه ما تُنفق يمينه. متفقٌ عليه.
تشجيع الغير
ويؤكد الشيخ عبدالعزيز بن محمد العنزي الرئيس التنفيذي لأوقاف محمد الراجحي أن إخفاء الصدقة أفضل لما دلت عليه النصوص الشرعية وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ ، لكن إذا كان هناك مصلحة راجحة في إظهارها فيكون إظهارها أفضل، مثل تشجيع غيره عليها فيكون قدوة حسنة لغيره فيدخل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).
التقوى والقبول
ويشير الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الشثري، إلى أن الصدقة من القربات العظيمة، والمزايا الكبيرة التي يستظل بها المسلم في حياته الأُخروية حين تدنوا الشمس من العباد، بشرط ابتغاء وجه الله تعالى بها، وطلباً لمرضاته، وموافقتها لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويزداد أجرها إذا كانت في السر قد أخفاها عن أعين الخلق، لا يراها أحد، وكلما عظمت الحاجة عظم أجر الصدقة، والصدقة في السر تُفضل على الصدقة علانية بعدد من الفضائل والمزايا أهمها:
1- أنها أقرب إلى القبول والخيرية وتكفير الذنوب والسيئات، قال تعالى: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ... .
2- أنها أقرب إلى الإخلاص وأزكى للنفس وأطهر لها وأبعد لها عن حظوظ النفس والرياء والسمعة.
3- أنها أطيب لنفوس الفقراء والمساكين المتعففين عن أعين الناس، وأسلم من احتقار الناس لهم، أو نسبتهم إلى الغنى وترك التعفف.
وليس إخفاؤها أفضل على جميع الأحوال، بل تختلف الصدقة بحسب حال المتصدق والآخذ للصدقة، فإن ترتب على إظهارها مصلحة راجحة فيكون إعلانها وإظهارها أفضل، مثل:
أن يقتدي به الآخرون، فمن سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وخشية أن يساء به الظن أنه لا يُخرج زكاة أمواله المفروضة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي الفرائض في المساجد، أما النوافل فيحث على أدائها في البيوت ويصليها في بيته، فإظهار الصدقة في هذه الحال أفضل، والأساس في الصدقة سواء كانت في السر أو العلانية التقوى والقبول، فإنما يتقبل الله من المتقين، رزقنا الله القبول والإخلاص في القول والعمل.