تأتي أهمية بلدة الشنانة بالقصيم من خلال أحداثها التاريخية الكبيرة التي مرَّت بها ودوَّنها التاريخ، وتتأكد أهمية الزيارة الملكية إلى الشنانة مع الرس في مناسبة واحدة وذلك في عام 1379هـ، حيث التكامل الجغرافي المترابط بينهما، سواءً في دور الرس والشنانة وتكاملهما التاريخي في المقاومة زمن الدولة السعودية الأولى ضد الحملات الأجنبية، أم في أحداث التأسيس للدولة السعودية الثالثة، كحادثة «قطعة الشنانة» أو ما يُسمى «وقعة الشنانة»، وما تلاها من معركة عسكرية فاصلة في بداية تأسيس الوحدة عُرفت عند كثيرٍ من المؤرخين باسم معركة الوادي عام 1322هـ، ولهذه الأهمية التاريخية العسكرية للشنانة زمن الدولة الأولى والثانية والثالثة؛ أَفْرَد لها الملك سعود -رحمه الله- زيارة خاصة بها، بعد زيارته للرس في ربيع الأول عام 1379هـ، وكان للشنانة احتفال خاص معروف بهذه المناسبة من قبل أهالي البلدة.
الجانب التعاوني في هذا الحفل
كان العمل التعاوني في حفل الملك سعود -رحمه الله- أنموذجاً للجهود المجتمعية المشتركة من قبل أهالي بلدة الشنانة، ولم تكن الأعمال التعاونية والتطوعية حصراً على احتياجات المجتمع الأساسية المرتبطة بالزراعة أو البناء للبيوت مثلاً، بل كانت تتعدى ذلك إلى إحياء المناسبات بالتعاون والتطوع كمواسم رمضان وما فيه من تبادل الطعام والصدقات، ومناسبات الأعياد وولائمها، ورحلات الحج والعمرة وما فيها من صور التعاون، وكذلك عن طعام غداء الجمعة في بعض القهاوي (الديوانيات) وغير ذلك مما هو مُفصَّل في بعض الكتب المعنية بالرس والشنانة.
ويظهر هذا التعاون والتطوع بين أهالي البلدة بارزاً بوضوح في حفل الملك سعود كذلك، ابتداءً من فكرة الدعوة للزيارة، حيث كانت من عموم الأهالي، ومن معظم الأسر التي كانت تقطن الشنانة، ثم كان جمع المال اللازم لتنفيذ هذا الحفل، حيث (مائة ريال) على كل موظف أو صاحب مال وراتب، فهو تعاون من الجميع وتطوع من الجميع حسب الروايات المتواترة من الأهالي، ومن ذلك رواية الشيخ عبدالله السلومي عن الحفل، وكذلك كان إعداد مقر الحفل وتجهيزه بكل التجهيزات، فلم تكن الأيدي العاملة الأجنبية موجودة أصلاً، وقد تم اختيار أهالي الشنانة لمزرعة مُحدَّدة لتكون مقراً لهذا الاستقبال والحفل؛ نظراً لتميزها بفواكه الرمان والتين مع النخيل وذلك في قرية البلاعية، وكانت إضاءة المكان بجلب مُولِّد الكهرباء من خلال هذه الميزانية الأهلية المشتركة، إضافةً للتعاون التطوعي المشترك بالتشغيل للكهرباء بخبرات اثنين من الأهالي، وهما محمد بن عبدالله الرداحي الخليفة، وصالح بن سليمان السلومي -رحمهما الله-، وكذلك كانت تصاميم مداخل قرية البلاعية ومداخل الحفل من البوابات الخشبية المصنوعة محلياً داخل القرية نفسها وبأيدي محلية كذلك.
وقد كان استيراد شاحنة من الفواكه الأخرى من الرياض لغرض حفل الشاي المُرتَّب له عصراً بتعاون كذلك بين الأهالي، وكان الحفل الخطابي بتجهيزاته الكهربائية والصوتية وفقرات الحفل تعاوناً وتطوعاً من الجميع، حيث تقديم فقرات الحفل الخطابي كان بإدارة عبدالله بن علي الشرايدة الخليفة -رحمه الله- وكذلك كلمة الأهالي التي قدَّمها وكان مديراً لمدرسة الشنانة آنذاك، كما كانت الافتتاحية بالقرآن من أداء عبدالرحمن بن سليمان السلومي، وهكذا كانت شراكة الجميع وتعاونهم، وكل هذا وغيره مما يكشف أكثر عن روح التعاون المتأصلة في مجتمعات الأمس، وبالتالي فهذا كله مما يعكس مدى التراحم والتعاطف، وحجم المحبة والمودَّة بين الأهالي والجيران من شتى الأسر والبيوت.
ومن صور التعاون ما قام به أبناء عبدالله الرداحي الخليفة -رحمهم الله-، حيث كانت مزرعتهم (الحايط) مكاناً للاستقبال والحفل باتفاق بين جماعة الشنانة، ومن صور التعاون البنَّاء ما قام به بعض الأهالي من الاصطفاف على جانبي الطريق قبل مدخل المزرعة مقر الحفل، ومن صور التعاون ما قام به بعض الرجال من الأهالي في تنظيم الاجتماع النسائي بعيداً عن مقر الحفل للحصول على هدية الملك سعود المعتادة للأهالي عند أي زيارة له للبلدات ومواقع الضيافة في رحلاته وأسفاره، وقد تمت الأُعطيات للنساء بإشراف وترتيب من منظمي الحفل.
ومن صور التعاون ما ورد من شراكة عملية من قبل صالح بن سليمان السلومي -رحمه الله- وقد ورد في ترجمته أن من سمات عصره قوة العمل التعاوني الاجتماعي بين أهالي القرى والبلدات، والتي كانت من الخصال الحميدة والأساسية لمجتمعات أيِّ قريةٍ وبلدةٍ في الجزيرة العربية خاصة، وذلك في التعاون لإنجاز أي مشروعٍ خاصٍ أو عام للقرية والبلدة، وهذا حينما كانت القُرى والبلدات تخلو تماماً من الإخوة الوافدين والعمال ومن وجود الخدمات الحكومية آنذاك.
وقد كان صالح السلومي المُصمِّم والمُنفذ لأقواس بوابات حفل استقبال الملك سعود الخشبية بالشنانة، وكان المشرف على تركيبها كذلك، حيث وُضعت إحدى هذه البوابات بمدخل المزرعة المقام فيها الحفل، كما وُضعت الأخرى مدخلاً خشبياً للشنانة وتم تزيين البوابتين بالأقمشة الملونة، كما تمت إضاءتهما بالأنوار البيضاء والصفراء نظراً لوصول الموكب قبل المغرب إلى البلدة، وتسمى هذه البوابات آنذاك (دراويز)، وقد ظلت هذه البوابات الخشبية فترةً طويلة على سور المزرعة التي أقيم الحفل فيها بجوار المسجد سِنين عدداً، كما كان التعاون المشترك بين كل من صالح السلومي ومحمد (عبدالله) الرداحي الخليفة في تشغيل ماكينة الكهرباء التي تم إحضارها للشنانة لهذا الغرض لعمل الإضاءات اللازمة للحفل، وغير هذا من صور التعاون والمشاركة المعروفة عن هذا الحفل وغيره من صور التعاون والتطوع الوارد ذكرها في بعض الكُتب والمقالات، والتي لا تزال في ذاكرة أصحاب الذكريات من الآباء والأجداد من كثيرٍ من العائلات المعاصرة لتلك الأحداث.
وكان هذا التعاون بارزاً ومتميزاً بين أهالي بلدة الشنانة تشاركت فيه معظم عائلاتها بروحٍ أخوية معروفة في هذا الحفل، وفيه كان تعاونٌ بامتياز بين الأهالي بدءاً بجمع مبالغ الحفل الذي كان على كل واحدٍ من أهالي الشنانة دَفْعُه وبخاصةً الموظفون منهم، وكان لكل واحد شراكته بتجهيز مكان الحفل بما يلزم من كهرباء ومداخل للموكب الملكي القادم للشنانة، حتى كان نجاح الحفل والحفل الخطابي.
مواقف وجوانب طريفة في الحفل
من المواقف الاحتسابية الرائعة في هذا الحفل وقت الإعداد والترتيب أو ما يُسمى اليوم «البروفات»، أن الحفل كان متضمناً إحدى الفقرات الشعبية المختلف عليها بين بعض الأهالي آنذاك، حيث كان الإنكار من فئة وقبول التغيير من قِبل الفئة الأخرى، حينما تم تعديل إحدى فقرات الحفل وذلك بالتزام منظمي الحفل فيما بعد ذلك بما تعاون عليه الجميع مالياً وإدارياً، وتم استبدال تلك الفقرة بفقرة فكاهية!
ومن الجوانب التعاونية الطريفة التي ربما تلفت النظر ما صَاحَبَ هذا الحفل من تعاون شباب الرس بشراكتهم في إنجاح هذه الزيارة الملكية للرس والشنانة، حيث مبادرة مجموعة من شباب الرس آنذاك بمجاراة ومُصاحبة الموكب عن يمينه وشماله بدراجات نارية من الرس إلى الشنانة وكذلك عند الرجوع من الشنانة، كما كانت الحركة الترحيبية نفسها في استقبال الملك عند دخوله الرس ووداعه، وكان عدد هؤلاء حسب الأستاذ صالح بن محمد المزروع في كتابه عن الرس اثني عشر شاباً، ستة عن يمين سيارة الملك، وستة آخرون عن شمالها، وقد ذكرهم المزروع بالأسماء وهم: (محمد دخيل المالك، صالح عبدالله الضلعان، علي عبدالعزيز الغفيلي، محمد الشيباني، علي راشد الغفيلي، محمد ناصر الخليوي، عبدالعزيز عبدالله الغفيلي، سالم علي الخليوي، عبدالله محمد الجربوع، مطلق عبدالله التركي الحناكي، إبراهيم محمد الضويان، ماجد النويجم)، وقد تم تقدير موكب الملك سعود لهذا الاصطحاب من قِبَل شباب الرس مع الموكب إلى الشنانة، ثم الاصطحاب عند المغادرة فحصل كل واحد منهم على ساعة ثمينة هدية.
كما حصل الجميع من منظمي الحفل على هدايا مالية تم تقسيمها من قبل المنظِّمين خاصةً بين شركاء العمل التطوعي والتعاوني، ومن ذلك ما حدث مع عبدالرحمن السليمان السلومي، والذي كان لتعاونه نصيب أكثر من هدية الحفل المالية، ربما لأنه شاب زاد على بعض أقرانه من الشباب ببعض الجهد أو العمل وكانت بعض تفاصيل هذا الحفل من ذكرياته وروايته، كما كان لأصحاب المزرعة نصيب أوفر وأكثر من هدية الملك المالية للحفل.
والخلاصة عن هذا الحفل: فكما أنه انعكاس للتلاحم والتراحم بين المواطنين والقيادة، فهو في الوقت ذاته معبِّر عن أهمية أعمال التعاون والتطوع وأنه وسيلة مثلى لزرع قيم الأخوَّة والتعاطف، بل وإنجاح الجوانب التنموية آنذاك، حيث كانت أعمال التطوع تُعدُّ الوسيلة الوحيدة في إنتاجية معظم الأعمال لدى البلدات والقرى في سابق عهدها، كما كان نجاح الحفل بشراكة عموم المجتمع أنموذجاً يُحتذى، وكان الشباب بإمكانياتهم، والكبار بقدراتهم وكفاءاتهم يُكمل بعضهم بعضاً ومع المال الجماعي كل ذلك كان لتحقيق الهدف بروح أخوية مُنتِجة، وما أطيبها من أيام وذكريات لكل من عاشها.
* * *
«سليمان العميري» صاحب الرواية الشفهية المُحرَّرة عن بلدة الشنانة
هو سليمان بن عبدالله بن سليمان بن صالح بن محمد (عميري) بن شبيب بن زهير، من عشيرة زهير من بني صخر، وجدهم كان عميري بن شبيب، وكان وصول عائلة زهير أرض الشنانة حسب تاريخ قدومهم عام 1150هـ تقريباً، وربما قبل هذا حسب بعض الكتابات التاريخية، ولهذا فعشيرة زهير كلها تُعدُّ من أجيال المؤسسين للشنانة قبل عام 1200 للهجرة تقريباً، فعائلة العميري من العوائل التي أسهمت بتأسيس بلدة الشنانة وعاشت بها في جميع (فتراتها التاريخية الثلاث، بأحداثها الثلاث، وطلعاتها الثلاث) وهي ما قبل 1200هـ، وما بعدها، ثم ما بعد حدث قطعة الشنانة 1322هـ، وللعميري وآل زهير عموماً مزارع كثيرة بالشنانة معروفة ومذكورة في مواضعها من الوثائق والكتب.
وكانت ولادة سليمان -رحمه الله- عام 1340هـ ببلدة الشنانة التابعة لمحافظة الرس ونشأ وترعرع في هذه البلدة، وعاش بها جميع حياته تقريباً حتى وفاته بعمر تجاوز (93) عاماً تقريباً، وهو هنا أنموذج من نماذج كتابة التاريخ الاجتماعي كما هو، ويُعدُّ كذلك من وجهاء بلدته الشنانة.
من صفاته:
اتسمت شخصيته بالعطاء المعنوي لمجتمعه، حيث عطاء النفس والوقت، وعطاء المجالس الاجتماعية كما كانت، وقد يفوق هذا العطاء في أثره النفسي والاجتماعي في أحيانٍ مُعيَّنة عطاء المال والطعام وما شابهها.
ومع هذا كان كريماً وَرِثَ من والده الكرم والجود فوالده المشهور بـ(راعي النثيلة) التي كان ينادي من أعلاها الضيوف «يا هلا ويا مسهلا» من المارة عابري السبيل أهل الركائب والجيران من الفلاليح لمشاركته عشاءه بعد عناء السفر أو العمل، وكان سليمان محباً لفعل الخير خاصةً من إنتاج مزارعه وذلك للمحتاجين، ومما قال عنه عبدالرحمن بن سليمان السلومي: أنه كان فكاهياً صاحب نكتة وابتسامة لا تفارقه مع كل من يلتقي به، وكانت النكتة الخفيفة والثقيلة! وصور الفكاهة تتلازم مع أقواله وأفعاله، وكان سريع البديهة بنكاته الموجَّهة، أحبه الصغير والكبير، وقَصَدَ مجلسه الغني والفقير للاستمتاع بالجلوس معه، وكان يُلقَّب (عم الجميع) كما يناديه بعض محبيه، وله مع كل أصدقائه وزواره قَصَص ومواقف لطيفة وبعضها مثيرة! وتلك خدمة مجتمعية آنذاك، وكَتَبَ عنه ابنه عبدالله في هذا الشأن فقال: «والدي أحب جيرانه من أهل الشنانة وأحبوه كثيراً، وخاصة عائلة السلومي، حيث كان صديقاً لهم خاصاً جداً، كما أنه كان صاحب علاقات مُثلى مع كل الناس وبجوارٍ حَسَنٍ متبادل مع جميع أهالي الشنانة».
من أعماله:
اشتغل بداية حياته مع والده في مزارع الشنانة، ثم ذهب كغيره من شباب ذلك الزمن إلى الظهران وبلدة رفحا شمال المملكة، وذلك مع الشركات العاملة بالنفط وخط التابلاين لنقل البترول، وكان ذلك بحثاً عن الرزق آنذاك، وذلك لمدة حوالي 15 عاماً، ثم رجع إلى بلدته وإلى أسرته وعند رجوعه أصرَّ عليه والده بالجلوس بجانبه وخدمته وخدمة مزارعهم، وعاش مع والديه وزوجته، ثم بعد وفاة أبيه واصل حياته الزراعية مع أولاده بالمزرعة المعروفة بالشنانة الحدرية.
واشتغل طوال حياته مزارعاً ناجحاً في بلدة الشنانة القديمة، وكان لمزارعه عطاء معروف ومبارك في تموين سوق الرس، وكان بائعاً بنفسه لمنتجاته بسوق الخضار بالرس يبيع محصوله، حتى أحب البيع والشراء في هذا السوق، وصار من البائعين الناجحين بسوق الخضار، ويُعدُّ هذا من إسهاماته التنموية الزراعية، ثم التسويقية إلى أن عجز عن العمل أواخر عمره، ومما كَتَبَ عنه ابنه عبدالله قوله: «وأثناء عمله بالزراعة والبيع كان من أعماله وخدماته الاجتماعية التي عُرف بها أنه حصل على عقد نقل طالبات الشنانة فترة طويلة من الزمن بباص اشتراه لهذا الغرض، حيث كان نقل الطالبات إلى كلية التربية بالرس، وكان محبوباً للطالبات بصورة نادرة من خلال عنايته ورعايته، وتبادل النكت البريئة معهن رحمه الله».
عن العلم والمعرفة في شخصيته:
كان حريصاً على العلم والمعرفة بالرغم من ظروف عصره في طلب المعيشة وبأنه كان مشغولاً كغيره من فلاليح الشنانة، لكنه كان حريصاً على التعلم، فإضافةً إلى مدرسة الحياة مع والده، كان عنده الكثير من رصيد الخبرة في رحلته إلى الظهران والشمال وخبرات السفر والعمل، ومن اهتمامه بنفسه وتعليمه أنه بعد رجوعه من رحلة الظهران كان حريصاً على التعلم، فكان من أوائل طلاب مدرسة محو الأمية المسائية بالشنانة مع أصحابه وأقرانه صالح بن سليمان السلومي، وعبيد الصالح الخليفة، وخليفة العلي الحويس الخليفة وغيرهم.
ومن حرصه على العلم والمعرفة أنه كان ملازماً لدروس تعلم القرآن وحفظه وتجويده بعد المغرب غالب أيام الأسبوع بقرية الجُدَيِّدة بالشنانة مع معلم القرآن الشيخ عبدالله بن سليمان السلومي وبرفقة مجموعة من الطلاب والمحتسبين آنذاك، وقد كان يأتي على الدرَّاجة النارية، والتي كانت تُسمى (الدَّباب) آنذاك من مزرعته في الظلام والبرد والحر ليحفظ جزءاً من القرآن أو أجزاء! وذلك على مدى أكثر من عشر سنوات.
من مبادراته التعاونية متعدية النفع:
من أبرز ما يمكن أن يُعدَّ له منقبة دوَّنها له تاريخ الشنانة، حرصه الشديد على تحديد أملاك وأراضي أهل الشنانة خاصةً مزارعهم وبيوتهم القديمة، وقد حرص بغيْرته على حقوق الناس محاولاً بالطلب مع من يعنيه بعض الأمر بالشنانة على ترسيم الأراضي والمزارع لمعرفته الدقيقة بها، ولكن لم يتم هذا الأمر حسب قوله! واكتفى بإسماع هذه الرواية بعضَ أهالي الشنانة وعلى رأسهم ابنه عبدالله بن سليمان العميري وعبدالرحمن بن سليمان السلومي ومحمد بن عبدالله السلومي.
وقد تم إيراد أبرز هذه الروايات عن أملاك الشنانة ومزارعها ومن سكنها وعَمَّرها بالمزارع في قديم تاريخها وحديثها، وذلك حينما عدَّد مزارعها وعوائلها بحوالي أربعين عائلة ومزرعة، وكان ذلك كرواية شفهية تم تحريرها وتدقيقها على مدى ثلاث سنوات (1430-1432هـ)، ثم تم إيرادها في كتاب (عبدالله بن سليمان السلومي – تجارب تطوعية مبكرة) وذلك في الصفحات (43-44)، وتَكرَّر ذكرها كذلك في كتاب (الرس وأدوار تاريخية في الوحدة) لأهميتها، وقد وردت المعلومة الأساسية في الملحق رقم (4) في الصفحات (355-358)، وهذا لأهمية المعلومة التاريخية من جهة، ثم لحرصه رحمه الله على الوفاء بحقوق الناس، الحي منهم والميت، كما كان يقول ويردد.
ولقد كان نبيهاً ذكياً واعياً بأحداث الشنانة وتاريخها وتاريخ عوائلها، قال ذات مرة معلقاً على تاريخ بناء المرقب أمام مجموعة من الضيوف وكان منهم كاتب هذه السطور: «المرقب مبني من قبل مجيء جدكم هويشان [1185هـ]، والله المستعان» كما هي الرواية كاملةً في الكتب سابقة الذكر، وكان قد أشَّر بيده على مكان مسيل قريبٍ من بيته ومزرعته مخاطباً عائلة السلومي وكانوا ضيوفاً عنده «هذه تسمى (شغية الجبعاء) وهذا اسم أو كنية لواحدة من جداتكم القديمة يالسلومي»، وقوله كذلك: «مطاوعة الفلاح والرميح هم من أوائل وأشهر أئمة مساجد الشنانة القديمة والعلوة»، وكان يتمتع بذاكرة قوية، وفطنة ودراية تامة بالشنانة، وكان يُذَكِّر الآخرين ببعض الوقائع، ويتذكر الكثير من الأحداث التاريخية، ولهذا كان مرجعاً معرفياً عن عائلته العميري، وعن أهل الشنانة جميعاً إلى حدٍّ كبير، بل وعن أملاكهم القديمة في كل عصور الشنانة حسب تعبيره عن كل فترات الشنانة التاريخية، بل كثيراً ما كان يُرجع إليه عن بلدته الشنانة في إثبات بعض الأملاك وصكوكها وحدودها، والاستشارة الخاصة بذلك، وقد أثبت العميري بهذه الروايات المُحرَّرة حقائق تاريخية عن الشنانة وأهاليها، حيث ذَكَر بعض التفاصيل عن تاريخ وعوائل الشنانة القديمة بدقة فاقت أقرانه ومعاصريه.
ولو لم يكن من أعماله ومبادرته متعدية النفع وتعاونه لتحقيق مصلحة عامة للبلدة وللقضاة وكُتَّاب العدل إن احتاجوا إليها إلا هذه الروايات لكان خيراً كبيراً، ولعل من الوفاء له أن أقول بحق: إنه كان أستاذاً لي في مرويات السماع عن تاريخ الشنانة وحول عوائلها وأملاكها مع غيره من الرواة، كما أن من الواجب أن يكون الوفاء له وأن يكون العمل بما تم الالتزام به له، وذلك بنشر مروياته بالمقال والكتاب حول هذا الشأن، لا حرمه ربي أجر اهتمامه وحرصه وغيرته على حقوق العباد المعنوية والمادية.
توفي مريضاً بالرس بتاريخ 13/1/1433هـ رحمه الله، وله من الأبناء الذكور ثلاثة، وأكبرهم عبدالله ومنه كانت بعض هذه المعلومات الشخصية عن والده، وكذلك من أبنائه محمد وبدر، وعدد ثمان من البنات، رزقهم الله جميعاً برَّه بعد وفاته.
** **
د. محمد بن عبدالله السلومي - باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
info@the3rdsector.org