إعداد - صبار عابر العنزي:
أطلق عليه عميد الدبلوماسية السعودية، نظراً لطول مدة بقائه في منصب وزير الخارجية للمملكة العربية السعودية والتي امتدت لنحو أربعين عاماً، حمل خلالها لواء المملكة متنقلاً بين بلدان وعواصم العالم، شارحاً وجهة نظرها في مختلف القضايا الدولية والإقليمية.
كان يتمتع بسمات شخصية مميزة، منها قوة الشخصية، والذكاء الحاد المحاط بسرعة البديهة واللباقة والقدرة على الحوار والإقناع، إضافة إلى خبرات واسعة في مجال العمل الدبلوماسي.
كانت له بصمات واضحة بمختلف القضايا التي مرت بها الأمة العربية، والمواقف التي اتخذتها السعودية حيالها، حيث كان يميل دائماً للوسطية وعدم المغالاة، والوقوف إلى جانب قضايا أمته العادلة والدفاع عنها.
مولده ومراحل تعليمه وبدايته الوظيفية
ولد الأمير سعود الفيصل في مدينة الطائف سنة 1940م، وهو أحد أبناء الملك فيصل من زوجته الأميرة عِفّت, درس في مدرسة هون وبرينستون، وتخرَّج من جامعة برنستون سنة 1964 ، حيث حصل على بكالوريوس في الاقتصاد.التحق بوزارة البترول والثروة المعدنية (وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية حالياً)، وعمل مستشاراً اقتصادياً لها وعضواً في لجنة التنسيق العليا بالوزارة، وانتقل بعدها إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين) وأصبح مسؤولاً عن مكتب العلاقات البترولية الذي يشرف على تنسيق العلاقة بين الوزارة وبترومين، ولاحقاً تم تعيينه نائباً لمحافظ بترومين لشؤون التخطيط، وفي سنة 1971 عيِّن وكيلاً لوزارة البترول والثروة المعدنية.
في عام 1975 صدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيراً للخارجية بعد شغور المنصب بوفاة والده الملك فيصل بن عبد العزيز الذي كان وزيراً للخارجية وهو ملك على البلاد، وقد استمر في منصبه حتى أبريل 2015م.
وقد عُيِّن بعدها وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء ومستشاراً ومبعوثاً خاصاً للملك سلمان بن عبد العزيز، ومشرفاً على الشؤون الخارجية.
مهام ووظائف أخرى و7 لغات يجيدها
شغل سعود الفيصل عدة مهام أخرى، منها عضو المجلس الأعلى للبترول، ونائب لرئيس المجلس الأعلى للإعلام، وعضو مجلس إدارة الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها وكان عضواً منتدباً في مجلس إدارتها، وعضو مجلس الأمناء بمؤسسة الملك فيصل الخيرية، ورئيس مجلس إدارة مدارس الملك فيصل.
بالإضافة إلى أنه وبحكم عمله كوزير للخارجية فقد شارك بعضوية الكثير من اللجان العربية والإسلامية مثل اللجنة العربية الخاصة بلبنان، ولجنة التضامن العربي، واللجنة السباعية العربية ولجنة القدس واللجنة الثلاثية العربية حول لبنان ضمن وزراء خارجية الدول الثلاث وغيرها.
كان يتحدث سبع لغات فإلى جانب العربية، كان يتحدث الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية والعبرية.
بدايته في وزارة البترول ثم النضج بوزارة الخارجية
التحق الفيصل بوزارة البترول والثروة المعدنية، حيث عمل مستشاراً اقتصادياً لها وعضواً في لجنة التنسيق العليا بالوزارة، وانتقل بعدها إلى المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين) وأصبح مسؤولاً عن مكتب العلاقات البترولية الذي يشرف على تنسيق العلاقة بين الوزارة وبترومين وذلك في 15 يونيو 1966م الموافق 26 صفر 1386هـ، ولاحقاً تم تعيينه نائباً لمحافظ بترومين لشؤون التخطيط وكان ذلك في 15 يونيو 1971م الموافق 14 محرم 1390هـ، ولاحقاً عُيِّن وكيلاً لوزارة البترول والثروة المعدنية، وقد استمر في ذلك إلى سنة 1974م.
كان الفيصل قد التحق بوزارة الخارجية في عهد والده الملك فيصل وعمل إلى جانب وزير الدولة للشؤون الخارجية عمر السقاف، وبعد وفاة عمر السقاف تم تعيينه وزير دولة للشؤون الخارجية وذلك في الفترة من 29 مارس حتى 13 أكتوبر 1975م الموافق 17 ربيع الأول حتى 8 شوال 1395هـ، واستمر في ذلك المنصب حتى صدر مرسوم ملكي بتعيينه وزيراً للخارجية بعد شغور المنصب بوفاة والده الملك فيصل الذي كان وزيراً للخارجية في فترة حكمه على البلاد.
عاصر أربعة ملوك وقضى أربعين عاماً في الخارجية
تم تعيين سعود الفيصل وزيراً للخارجية في عهد الملك خالد بن عبد العزيز بموجب الأمر الملكي رقم أ/ 236 وذلك في الثامن من شوال لعام 1395هـ الموافق 13 أكتوبر 1975م، أي بعد حوالي سبعة أشهر من شغور المنصب الذي كان يشغله والده، وكان حينها في الثلاثينات من عمره.
وقد رأَسَ وفد السعودية في العديد من الاجتماعات الخاصة بالقمم العربية والإسلامية بالنيابة عن ملك البلاد، بالإضافة إلى رئاسته الدائمة لوفود السعودية للاجتماعات الخاصة بوزراء الخارجية العرب والمسلمين، وكذلك اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية للفترة التي قضاها كوزير للخارجية، حيث استمر في منصبه لحوالي 40 عاماً، وهي أطول فترة يقضيها وزير للخارجية في منصبه على مستوى العالم، وقد عاصر عهد أربعة ملوك، من عهد الملك خالد إلى عهد الملك سلمان - حفظه الله.
أهم الأحداث التي عاصرها دولياً وإقليمياً
اهتم الفيصل بالقضية الفلسطينية، كما لعب دوراً كبيراً في الجهود التي أدت إلى وضع حد للحرب الأهلية اللبنانية، وخصوصاً مع التوصل إلى اتفاق الطائف سنة 1989م، وكذلك دوره في سياسة السعودية الخارجية أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وفترة الغزو العراقي للكويت، وخلال حرب الخليج التي تبعته والتي أدت إلى تحرير الكويت.
كما ساهم في تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وعاصر في فترة توليه للوزارة عدة أحداث أخرى، من أبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والغزو الأمريكي للعراق، والربيع العربي وما تبعه من أحداث في سوريا واليمن ومصر وليبيا.
الفيصل والقضية الفلسطينية
كان سعود الفيصل يضع القضية الفلسطينية في مقدمة اهتماماته، وفي أول خطاب له بالأمم المتحدة سنة 1977م هاجم إسرائيل منتقداً، وذكر أنها تملك أسلحة نووية ولا تسعى للسلام كما طالَب بحقوق الشعب الفلسطيني.
كان يرى بأن هذه القضية لا تحتاج إلى الدبلوماسية فحسب، بل إلى استخدام كافة الطرق للوصول إلى الهدف المرجو لها، وإلى توصيلها إلى المجتمع الدولي.
مبادرة السلام العربية سلاح ماض نواجه به إسرائيل
دعم الأمير سعود الفيصل المبادرة وقد ذكر حينها أن مبادرة السلام العربية جاءت متكاملة ولا تقبل التجزئة، وقال: «هي كل متكامل لا يمكن تجزئته، وبالتالي لا يمكن قبول قسم منها ورفض قسم آخر»، وأنها أداة للضغط على إسرائيل في الساحة الدولية وحتى في ساحة إسرائيل نفسها، وقال واصفاً المبادرة بأنها «سلاح ماض، نواجه به إسرائيل، ومن لديه سلاح أفضل فليقدمه»، و»أنها تنطلق من الإرادة العربية بالسلام، وتطالب إسرائيل بالاستجابة بخطوة مماثلة».
وقال «المبادرة تتجه في مطالبها لإسرائيل وتتوقَّع منها إجابة، فإذا كانت إسرائيل تطلب الأمن وتتوخى السلم فهذا هو السبيل، فإسرائيل لا تستطيع أن تحتفظ بالأرض وتطالب بالأمن، وإذا أرادت الأمن فعليها أن تقوم بالانسحاب وإعطاء الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وإذا فعلت ذلك فالدول العربية ستجد الرد على ذلك، ومنه إنهاء حالة الحرب، وتوقيع اتفاقيات سلام في إطار إنشاء علاقات طبيعية».
نزع قتيل الحرب الأهلية اللبنانية
قام الأمير سعود الفيصل بدور مهم فيما يتعلَّق بالحرب الأهلية اللبنانية، وكانت الحرب قد بدأت قبل توليه المنصب كوزير للخارجية بأقل من ثلاثة أشهر، وقد استمرت تلك الحرب منذ سنة 1975م حتى سنة 1990م، حيث ساهمت مجهوداته بعد مرور خمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية في إيقافها والحيلولة دون تفاقم الأمور أكثر مما كانت عليه.
وقد مرت فترة الجهود الدبلوماسية السعودية بمحطات رئيسية، حيث كانت البداية من مؤتمر القمة السداسي في الرياض سنة 1976م، مروراً بمؤتمر الحوار الوطني في جنيف سنة 1983م، ومؤتمر لوزان سنة 1984م، وانتهاءً باتفاق الطائف سنة 1989م.
كان سعود الفيصل قد ساهم بشكل كبير بتوجيه من الملك فهد -رحمه الله- في تلك الاتفاقية وشهد توقيعها، وكان ذلك الاتفاق الذي عمل على إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية بشكل نهائي.
تحقيق حلم مجلس التعاون الخليجي
تأسس مجلس التعاون الخليجي في عهد الملك خالد بن عبد العزيز بتاريخ 25 مايو 1981م ليضم ست دول، وهي السعودية والإمارات والكويت وعُمان وقطر والبحرين، وقد قام سعود الفيصل بالمساهمة في تأسيسه ودعم مسيرته, حيث كانت البداية الفعلية الخاصة بمراحل إنشاء المجلس في شهر أغسطس سنة 1980م، حينما تقدمت السعودية من خلال القمة الإسلامية التي عُقدت بمدينة الطائف بمشروع يعمل على إنشاء تجمع خليجي وإقامة تعاون واسع النطاق بين قوات الأمن الداخلي في الدول المعنية بدلاً من إنشاء حلف عسكري، وكذلك اشتراك القوات المسلحة النظامية وتأكيد سيادة كل دولة، وتسهيل المحافظة على القانون والنظام الداخلي فيها وتشجيع تلك الدول على تحقيق الاستقلال الذاتي العسكري.
وفي 4 فبراير 1981م وخلال مؤتمر الرياض بين وزراء الخارجية للدول الست استقر الرأي على مشروع جاء في غالبيته متوافقاً مع المشروع السعودي وأقره الوزراء في ختام أعمال المؤتمر على وثيقة إعلان إنشاء مجلس التعاون الخليجي, وأوضح الإعلان أن إنشاء المجلس جاء تماشياً مع أهداف الوحدة العربية وفي نطاق ميثاق جامعة الدول العربية، واتخذ الرياض مقراً له.
دوره في حرب الخليج الأولى
كان مجلس التعاون الخليجي قد تأسس بعد بداية حرب الخليج الأولى بتسعة أشهر وقاد سعود الفيصل سياسة السعودية الخارجية في فترة الحرب العراقية الإيرانية والتي بدأت سنة 1980م واستمرت حتى سنة 1988م، وكان يريد حينها أن يتم الأمر بين الطرفين العراقي والإيراني بالحل السلمي حتى لا تنتشر الحرب وتتأثر بها باقي دول المنطقة عموماً وكان موقف دول مجلس التعاون الخليجي محايداً بشكل رسمي إلا أنه في الواقع كان منحازاً نحو العراق.
رفض الغزو العراقي للكويت
قامت القوات العراقية في 2 أغسطس 1990م باجتياح الكويت، وعلى إثر ذلك قامت السعودية من خلال سعود الفيصل وبتوجيهات من الملك فهد بن عبد العزيز بحشد تحالف دولي مكون من 32 دولة عربية وغربية وذلك في 17 يناير 1991م، بعد أن باءت المحاولات بشأن التفاوض للفشل، وقد تم تحرير الكويت في 28 فبراير 1991م.
كان سعود الفيصل قد قاد الجهود الدبلوماسية إقليمياً ودولياً، وذلك بالتنسيق مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً مع صباح الأحمد الجابر الصباح وزير الخارجية الكويتي آنذاك, يرى البعض أن هذه الحرب كانت سبباً في تدهور حالته الصحية والتي ظهرت فيما بعد، وذلك بسبب كثرة التحركات والضغوط النفسية التي عاشها في تلك الفترة، إذ لم يتوقّع قيام العراق باحتلال الكويت، حيث قال: «لدى العرب دولة عربية محتلة هي فلسطين، ونطالب العالم بحقنا في وقف الاحتلال في حين أن دولة عربية تحتل دولة أخرى».
الرحيل في هدوء
قام الملك سلمان بن عبد العزيز في يوم الأربعاء 10 رجب 1436هـ الموافق 29 أبريل 2015م بإعفاء الأمير سعود الفيصل من منصبه بناءً على طلبه وذلك لظروفه الصحية، وقد وافته المنية - رحمه الله - في شهر مايو من نفس العام الذي أُعفى فيه.