(1) افتتاحية:
«وصل الكتاب فمرحباً بوصوله
هذا (حجاب) يحتفي بمسيرةٍ
فاسلم لنا رمزاً نقياً صادقاً
والشكر للغالي الذي أهداني
عنوانها الإنجاز في إتقانِ
عقباك فردوسٌ من الرحمنِ»
وعصر يوم الأحد 20/9/1442هـ ومع هواطل العشر الأخيرات من رمضان المبارك كتبت هذا النص الافتتاحي الشعري عندما استلمت هذا الإهداء الكريم من رجل أحببته في الله، واجتمعت معه على مسيرة التربية والتعليم، والثقافة والأدب، ووحدة المنطقة والوطن ولقد كانت مسيرة هذا الكتاب/ الإهداء ما بين 11/9/1442هـ عندما وقعه المؤلف وأرسله إليَّ في جدة واليوم العشرين من الشهر نفسه، مسافة (9 أيام بلياليها)!!
ومنذ 28/10/1442هـ وحتى 4/11/1442 كنت في رحلة قرائية ماتعة مع هذه السيرة الإنسانية والمسيرة المجتمعية عبر هذا السفر الموسوم بـ(من مشاوير الحياة) لمؤلفه الصديق الأديب حجاب بن يحيى الحازمي حفظه الله، الذي صدر عن دار تكوين بجدة عام 1442هـ/2021م في طبعته الأولى.
# # #
(2) الكتاب الذي بين أيدينا يختصر مسافة عمر ما بين الولادة 1364هـ/ 1365هـ، وكتابة المقدمة لهذا الكتاب 1441هـ حوالي (76 /77 عاماً) من التمرحل الحياتي والعلمي والعملي والتقاعدي، وربما هذه (المسافة العمرية) هي الدال المهيمن على العنوان (من مشاوير الحياة) فالمشوار يعني ويدل – فيما يعنيه من معانٍ ودلالات – على المسيرة والمسافة التي يقطعها الإنسان. وبالفعل فالكتاب رحلة ممتعة ما بين (سيرة إنسان ومسيرة مجتمع) كما هو العنوان الفرعي للكتاب.
وبذلك فالقارئ سيحتفي بكتاب ماتع يُقرأ من عنوانه، وإذا بدأ القراءة والتصفح ألفى نفسه أمام شخصية عصامية شكَّلها (اليُتْم)، واستبدت به شدائد الأيام، وحركَّت سفينته الرياح والريح والعواصف والهبوب ولم يستسلم فكانت الرعاية العائلية والمتابعة الحانية والقدر الإلهي حتى تخطَّى هذه الصعاب، ونال أعلى الرتب أسرياً وعائلياً ومجتمعياً.
# # #
(3) والمحطات التي توقف عندها صاحب هذه السِّيرة شاملة لكل مراحله الحياتية، وتمرحلاته العملية بدءاً من محطة التنشئة والبدايات التعليمية وما فيها من صور ومعالم اجتماعية، ثم المحطات العملية والوظيفية والثقافية وما صاحبها من تغيرات حضارية، ثم المحطات الإنجازية والمشاركات الوطنية، وتوَّج كل ذلك بما يوثق ويؤكد من وثائق وصور وتكريم مستحق وشهادات وجوائز.
ولعلنا نقف مع كل محطة من هذه المحطات لنستخلص منها ما يمكن أن يشكل لنا درساً حياتياً ممتعاً ومفيداً نتعلم منه وإليه نشير ليستفيد منه الآخرون!!
1/3 وأول هذه الوقفات ستكون مع رمزية الوطن في بدايات التنمية والتطوير ونستخلص الحالة الاجتماعية والمتغيرات التي عاصرها المؤلف/ صاحب السيرة فنرى (ضمد) مسقط رأسه المشهورة بالعلم والتعليم ذات التاريخ العريق علمياً وأدبياً وتعليمياً، وكيف خرجت العديد من العلماء الرموز الذين توارثوا العلم كابراً عن كابر، وعلى الصعيدين الذكوري والنسائي – أيضاً – [من مشاوير الحياة... ص ص 16-26].
وعلى المستوى العمراني والاقتصادي والمجتمعي، كانت (ضمد) ممثلة لباقي أجزاء منطقة جازان نعيش في حالة من اللااستقرار المعيشي والصحي فلا طرق معبدة ولا حياة صالحة ولا مدارس حكومية ولا مشافي متوفرة ولا مباني سكنية أسمنتية ويحيل السبب في ذلك إلى أن المنطقة لازالت في بدايات التنمية التي قادتها الحكومة السعودية مع ضعف المداخيل الاقتصادية. وليست جازان ولا ضمد بدعاً فكل مناطق المملكة مرت بمثل هذه الأحوال الصعبة والبدائية. [الكتاب نفسه ص ص 46-57].
وفي هذا السياق يعتز المؤلف بمجايلته لسنوات التطوير والتنمية الشاملة التي شهدتها بلادنا السعودية مع تغير القيادات والحكومات بعد وفاة المؤسس رحمه الله سنة 1373هـ وحتى اليوم 1441هـ - كما يقول المؤلف ص 88 – مع التركيز على الحروب والصراعات التي حصلت إبان مسيرته الحياتية وعانت منها بلادنا ومنطقة جازان تحديداً ولكن القيادة الرشيدة كانت تتجاوز هذه الحروب يحنكة وسداد رأي وصلابة موقف مما جعل المؤلف يفتخر ويعتز بأنه عايش هذه الأزمات وأنه شاهِد عصر على التحولات التي مرت بها البلاد يقول: «نعم!! لقد كنت بحق وحقيق وكان جيلي مثلي من المحظوظين جداً حين يسر الله لنا معاصرة ملوك بلادنا الذين حفروا أسماءهم في سجلات المجد بتلك المواقف العظيمة في خدمة الحرمين الشريفين وتنمية البلاد والذود ببسالة عن حياضها وعن كرامة مواطنيها...» ص 89-90.
2/3 وثاني الوقفات التي نخرج بها من هذه السيرة الماتعة والمشاوير الموفقة هو ما يخص الجانب التعليمي والوظيفي والأبعاد التنموية والتطويرية في هذا الجانب وماشكلاه في شخصية صاحب السيرة!!
وهنا نجد قطار التعليم يبدأ منذ الطفولة المبكرة التي كانت تستشعر تاريخ الأسرة العلمي العريق وت تأسس على ضرورة الحفاظ على هذا الإرث والإخلاص له والتشبه بالسابقين، ومن هنا بدأت مسيرة التعلم الأولى عبر المعلامة والكتاب وحفظ القرآن – مثل كل جيله أبناء المنطقة – فلم يكن التعليم النظامي الحكومي قد بدأ مسيرته التطويرية في هذا الجزء من الوطن الغالي، ثم كانت المسيرة التعليمية عبر الحلقات العلمية التي اشتهرت بها بلدة ضمد مثل حلقة العلاَّمة أحمد حسن عاكش، وحلقة الشيخ علي أحمد أبو زيد الحازمي وغيرهم ص 42، 43، 44، ثم مرحلة التعلم النظامي الابتدائي الحكومي ثم عبر معهد القرعاوي فمعهد صامطة العلمي فالجامعة التي تخرج منها ليبدأ بعدها حياته العملية والوظيفية.
وطوال هذه المسيرة التعليمية يستنتج القارئ بدايات التعلم النظامي في منطقة جازان بالعام 1372هـ وقبل هذا التاريخ كان النظام التعليمي عبر المعلامة والكتاتيب والحلق العلمية، ثم حصل النمو والتطور التعليمي مع الحكومات والقيادات السعودية المتتالية بعد وفاة المؤسس رحمه الله.
ثم بدأت حياته الوظيفية في السلك التعليمي متنقلاً بين المدارس التابعة لوزارة المعارف آنذاك والتربية والتعليم فيما بعد، ثم المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود.
وفي كل تلك التمرحلات لا نعدم صوراً اجتماعية وتنموية مرت بها البلاد السعودية وعاشها صاحب هذه المسيرة مما يؤكد التنامي والتطور في جميع المجالات الحياتية بفضل الله ثم بخطط الدولة الرشيدة وقياداتها من آل سعود أدام الله عزهم. انظر الكتاب 99-272.
3/3 أما ثالث الوقفات فستكون مع الجوانب الثقافية ومشاويرها الإنتاجية عبر المسيرة الحياتية للأستاذ حجاب الحازمي، وما شكلته من أبعاد وإنجازات ونجاحات، وفي هذا السياق نؤكد أن كل النجاحات والتجارب الثقافية التي مارسها وعايشها كاتب السيرة الأستاذ حجاب الحازمي تدين بالفضل الأول إلى التنشئة والتمكين العلمي والمعرفي والجامعي والأسري فكل ذلك كانت مداخيل تكوينية ثقافوية.
وكانت قراءاته الحرة والمتخصصة أدبياً وتاريخياً منذ مراحله الدراسية العليا وحتى دخوله الحياة العملية أرضية صلبة انطلق منها إلى العوالم الثقافية والأدبية فكانت محاولاته الشعرية الأولية، ومقالاته الأدبية التي نشرها في الصحف والمجلات السعودية، ومشاركته في المسابقات الثقافية الإذاعية والصحافية والتلفازية كانت محفزاً جديداً إذ فاز في الكثير من هذه المسابقات التي شارك فيها.
وكان اقتناؤه لمصادر المعرفة والتزود بها وشرائها وتكوين مكتبته المنزلية الشخصية ذات أثر فعال في تناميه الثقافي وتعاطيه الأدبي حتى أصبح كاتباً محترفاً تستكتبه الصحف والمجلات المحلية والقنوات الإذاعية والتلفازية الإعلامية.
ومن هنا أستطيع أن ألخص تجربته الثقافية الأولية بين مراحل ثلاث:
مرحلة القراءة والتكوين الثقافي.
مرحلة الكتابات التجريبية (مقالات ومسابقات).
ومرحلة الكتابة الاحترافية (محاضرات، أبحاث ومقالات، دراسات وندوات).
ثم يبدأ صاحب السيرة حجاب الحازمي في التعريف بالجانب العملي/ الثقافي في مسيرته ومشاويره الحياتية حيث حفلت بالتشاركية الأدبية منذ أن اختير عضواً في الجمعية التأسيسية لنادي جازان الأدبي منذ العام 1395هـ وهنا بدأت صورة المسؤول الثقافي والأدبي تتنامى وتشع أنوارها في المشهد الثقافي السعودي حتى توجت هذه المسيرة بتكليفه برئاسة نادي جازان الأدبي منذ العام 1413هـ واستمر فيه مسؤولاً وفاعلاً ومنتجاً ونشطاً على كل المسارات حتى العام 1427هـ عندما قدم استقالته للوزارة وقبلت نتيجة لظروفه الصحية التي قدرها المسؤولون.
وبكل الفخر والاعتزاز يرصد صاحب السيرة إنجازاته في هذا السياق بالتعاون مع زملائه أعضاء مجلس إدارة نادي جازان الأدبي حتى أصبح النادي علامة فارقة في أنديتنا الأدبية والثقافية في المملكة العربية السعودية.
ولا ينسى – في خضم هذه الإنجازات – أن يعرفنا على ما حصل عليه من تكريم وجوائز طوال مسيرته الثقافية التي توجها بأكثر من خمسة عشر كتاباً مطبوعاً ما بين شعر ودراسة تاريخية، وخواطر ومقالات فكرية.
ومن كل هذا يخرج القارئ لهذه التجربة الثقافية والمسيرة الأدبية الحافلة أن صاحب السيرة قادته الظروف الحياتية والأسرية ومكانته الاجتماعية إلى بناء وتخطيط أنموذج ثقافي يصلح أن يكون رمزاً وقدوة ومنارة. فقد اشتغل على نفسه (طالب علم.. وقارئاً متمكناً... ومجايلة للمثقفين.. وتزاحم بالأكتاف على الفضاءات التثقيفية) حتى أصبح كما يريد هو.. وكما شاءت الأقدار الربانية والدعوات الوالدية فأنعم بما خطط وبنى، وأنعم بما حقق وأنجز، وأنعم بما سجل ووثق!!
# # #
(4) وقبل أن أترك الكتاب السِّيري وصاحبه حفظه الله سأشير إلى جزء من كلمتي التي كتبتها عنه في ملحق الجزيرة الثقافي الذي احتفى به في ملف ثقافي باذخ بعنوان: «حجاب الحازمي الحاضر المتواري» والمنشور الاثنين 12 ربيع الآخر 1428هـ، حيث قلت ف ي فقرات من كلمتي ما يلي:
«الحديث عن هذا الكريم الشهم والأخ العزيز صاحب التربية والأدب لا يمكن أن يكون مجاملة لأنه يستحق ذلك، ولا يمكن أن يكون تعريفاً وتوثيقاً فقط ولكنه واجب يستحقه هذا الرجل الذي حفر في الصخر حتى أصبح رمزاً ثقافياً وعَلَماً أدبياً ليس في منطقة جازان فحسب ولكن في ربوع مملكتنا الغراء».
«وأما حجاب الحازمي الأديب فهو ذلك الشاعر المحلق الذي دبج القصائد وهو ذلك الدارس المحقق الذي قضى شطراً من عمره الثقافي يؤلف عن التاريخ، وله بعض الوقفات النقدية والمراجعات المعرفية التي تدل على رسوخ قدمه في المجال الأدبي. وهو ذلك القاص السارد الذي يؤكد حيويته الثقافية ما بين شاعر وناثر يتجدد مزهواً بإبداعاته الكتابية. إنه علامة بارزة في جنوبنا المعطاء في جازان بلد الشعر ومدينة الثقافة».
«وما بين أعوام ثلاثة يتشكل العقد المضيء لأخي الأديب حجاب الحازمي، فعام 1364هـ/ 1365هـ ولد في ضمد ثم نشأ وترعرع فنال من العلم والمعرفة والأدب ما كانت تضفيه وتصطفيه هذه المنطقة المبدعة أدباً وثقافة وعلماً وشعراً وتاريخاً. وعام 1389هـ دخل الحياة العملية معلماً... فمضى في درب الثقافة طالباً ومبدعاً ومنتجاً لها فصنع كيانه الثقافي، وفي العام 1427هـ يودع حياة الأندية الأدبية في جانبها الإداري... منتظرين منه ما وعد بإنجازه من مخطوطاته الأدبية والثقافية...»
والآن نضيف عاماً رابعاً وهو العام 1442هـ حيث أخرج لنا هذه السيرة الحياتية فله كل الشكر والتقدير.
وأخيراً.. فهذه إطلالة سريعة على حجاب الحازمي ومشاويره في الحياة، قطفنا منها الثمار اليانعة، والفوائد الماتعة وهو جهد المقل، ولكن الكتاب وما يحويه من مباحث وفصول وتجارب وشهادات يستحق القراءة والإفادة منهجاً وأسلوباً وتجارباً حياتية وثقافية وسيرة مجتمعية ومسيرة إنسانية.
والحمد لله أولاً وآخراً.
** **
- د. يوسف حسن العارف
جدة: من مساء الأحد 14/1/1443هـ - إلى مساء الأحد 21/1/1443هـ