الجزيرة الثقافية: جابر محمد مدخلي - أثير دعباس:
أنّ ميزان الثقافة والاطلاع كان عاملاً مهمًا في رفد إجابات مختلفة ومتمايزة من ضيفة إلى أخرى مما شجعنا على البحث في داخلهن عن المزيد من الإجابات بتوجيهنا لهن مزيدًا من التساؤلات لهذا، كان محورنا، لهذه الحلقة، في التساؤل التالي: هل انتقال المرأة من البيت والإنجاب ودور الأمومة إلى الفكر والثقافة وتحوّل دورها في الحياة الاجتماعية من منتجة «بيولوجية» تتمثل في الإنجاب إلى منتجة ثقافية، جعلها تظن أن الإنجاب منزلة دونية لها والنتاج الفكري سمة عليا؟
الكاتبة فاطمة حمزاوي، قالت: «يبدو للوهلة الأولى أن للمرأة رفاهية الاختيار بين دورها كأم ودورها الفكري ويُمكننا أن ندّعي أن الإجابة: نعم! أمام هذا النّضال الدّائم لتحقيق ذاتها خارج الدّائرة البيولوجية، لكن حقيقة لا أرى أنّ انتقالها إلى الإنتاج الثقافي قد يقتضي أصلا إنكارها أو تنازلها عن دور الأمومة التي تحقق فيه كيانها كأنثى تحمل خصوبة هذا العالم، لهذا هي لا تنظر إلى الإنجاب نظرة دونية وإنّما تضطرّها المواقف إلى اعتباره عائقاً يُسْقِطه الآخر عليها عَمدًا ليجعلها تشعر بالعجز عن مواكبة العملية الفكرية المتواترة التي يحظى الرّجل بحضوره الكامل فيها نظراً للاختلاف البيولوجي بينهما».
أما من وجهة نظر الإعلامية فاطمة بنت ناصر التي نسبت الأسباب إلى «الكبت» فقالت: لا أعتقد ذلك، لكن الكبت الطويل قد يولد هذه الفكرة، وهي بنظري مرحلة مؤقتة مرت بها المرأة حتى في أوروبا، لكن مع الوقت ستزول، وستنظر المرأة إلى أن الأمومة ليست وصمة، لكنها ميزة، بل إنها تكاد تكون مجالاً كبيراً للتعلم والمعرفة حالها حال العمل الخارجي. فالمرأة يمكنها أن تعمل ولكن قد لا يترافق ذلك العمل بالإنتاج واكتساب المعرفة الحقيقية، وكذا الحال بالنسبة للأمومة، قد تلد وتضع دون أن يرافق ذلك أي كسب معرفي يذكر».
من جانب آخر قالت الأكاديمية أمل محسن العميري: «لا أظن أن المرأة الواعية والمثقفة تستنقص من دورها الأسري وما جبلت عليه من حب الأمومة وممارستها علانية، وإن وجدنا ذلك فهن قلة بلا شك، فالمرأة مهما بلغت من الشهرة والإبداع الكتابي تظل امرأة تشتاق لسماع كلمة أمي من أطفالها، ومن ترى الإنجاب وممارسة الأمومة أمراً دونياً فاسمح لي ألا أعدها من حقل المبدعات أو صاحبات الفكر النيّر أبداً».
وأضافت مرام صنيدح الزلامي، قولها: «لا أقول لا. لكنني في المقابل لا أوفق هذا الرأي تماماً؛ نعم هناك عدد من النسوة ينظرن إلى الدور الطبيعي للمرأة (رعاية المنزل، الإنجاب) بنظرة احتقار ويقللن من شأن هذه المهمة في أقوالهن تارة وكتاباتهن تارة، لكن لا بُد أنها كانت ردة فعل غاضبة -من وجهة نظري- كان سببها المجتمع، وأنا أرفضها لأنه ليس من العدل أن أنظر بدونية لما خصّني الله به من مميزات أسمو وأرتقي بها روحياً ومعرفياً، وليس من المستحيل أن تجمع المرأة بين الدورين بموازنة واعتدال بحيث لا يطغى جانبٌ على آخر. كذلك لا بد أن للتيارات الفكرية دوراً في نظرة المرأة هذه تجاه الإنجاب ولا يتسع المجال لذكر تأثير تلك التيارات».
فيما أكدت الروائية لطيفة هيف، على أن تجربة الأمومة تجربة مُرضية بقولها: «لا أبدًا، تبقى تجربة الأمومة هي التجربة المُرضية السوية وأحيانًا كثيرة مكمّلة لأي دور ثقافي تنتجه، الأمر ليس انتقائيًا بقدر ما هو تكاملي معرفي شعوري. وقد لا نتجاهل تجربة الشاعرة الأمريكية» سيلفيا بلاث» التي لم توفق في ذلك».
وفي سياق هذا المحور، قالت القاصة حليم الفرجي: «لا أزال أقول أن التوازن بين دور المرأة كأم وزوجة ودورها كامرأة عاملة بغض النظر عن كون العمل يتعلق بالثقافة أو غيرها هو ما يميزها عن الرجل ويؤكد نجاحها». فيما أضافت الكاتبة كفى عسيري، قولها: «في الحقيقة هناك حالات شاذة ليست ظاهرة ولا تستحق التوقف والحديث عنها وقد يكون ذلك الشعور- رغم قلته حالاته- ناتجا عن أزمة نفسية أو اجتماعية عاشتها المرأة».
وأضافت الكاتبة تغريد العلكمي، قولها: «هناك من وصلت إلى هذه القناعة مع أنها غير صحيحة بل أصبحت بعض النساء يخجلن من ذكر أنهن أمهات أو ربات منازل لأن النظرة الحالية أصبحت تعلي من شأن المرأة التي تجاوزت هذا الدور وخرجت عنه والنظر لمن اقتصر دورها على الإنجاب والأمومة على أنها عاجزة»؛ فيما علقت الشاعرة هند الحربي، قائلة: «على الإطلاق، بل إنني لا اتفق مع صيغة السؤال كوني امرأة غير عاملة يجعلني أشعر بهذا التمييز وألمسه بشكل شخصي. المرأة تقوم بأدوار عدة، فالتي تعمل خارج البيت وتعود لمزاولة عملها كربة بيت امرأة قوية. والمرأة التي تبقى بالبيت هي امرأة عاملة كذلك». فيما قالت هيفاء العمري، في سياق ختام هذا المحور: «على العكس الأمومة عاطفة فريدة وتمنح المرأة أجنحة لتحلق، وأمومة الأديبة أحلام مستغانمي سترد على من يتبنى الرأي المخالف».
وفي محورنا (السادس) نتساءل: برأيكِن هل يمكن للمرأة أن تتحرر من وصمة المجتمعات التقليدية التي جعلتها تنحى عن ذكر دورها «البيولوجي» الأسمى والأقوى التي أقامت به أمماً واستقامت به دورة الحياة في كتاباتها وأدبها؟
وقد استهلت فاطمة الحمزاوي، حديثها حول هذا المحور، قائلة: «المرأة لكي تتحرر من هذه الوصمة فعليها إيقاف الآخر عن جعل هذه الصّورة «مَنقَصة» لها؛ هي تحاول دائما تجاوز هذه الصّورة النّمطية على أهمّيتها وسموّها إلى إثبات أنّها قادرة على بلوغ مستويات فكرية فنّية يُنكرها عليها المُجتمع بنظرته التّقليدية المحدودة». فيما وصفت أمل محسن العميري، هذه النظرة قائلة: «لا أظن أن الأمر مقصود في عملية التنحي الذي ترمي إليه، ولكن ربما أرادت التعبير عن مشاعرها المكبوتة والمنسية عبر سنيها العجاف التي كانت فيها صامتة، ومع ذلك نرى فعلياً بعضهن قد قمن بالكتابة عن مشاعرهن في الأمومة ويحضرني هنا كتاب «ديوان الأمومة» فيه عدد من مشاركات من الشاعرات والكاتبات العربيات لبث مشاعرهن تجاه أبنائهن، شاعرات حلقن حول عواطفهن وتجاربهن في الأمومة إذ حرضت الشاعرة (رنا التونسي) الشاعرات والكاتبات العربيات لمشاركتهن في مشروعها، فكان صدور هذا العمل الذي تم الاحتفاء به في الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب فقد حمل عدداً من نصوص وشهادات الشاعرات المشاركات».
وفي معرض حديث مرام صنيدح الزلامي، قالت: «نعم، إن عاجلًا أو آجلًا ستفعل ولا يتأتى ذلك إلا بوقوفها مع الرجل جنبًا إلى جنب والنظر لهذا الدور بتقدير وإجلال وإنزاله منزلته العظيمة دون اعتباره عيبًا ونقصًا او وصمة عارٍ تعاير بها النسوة من قبل بعض المتطرفين من الرجال»؛ فيما قالت لطيفة هيف: «حسنًا، مع أني لا أرى تنحي كامل في ذلك الأمر، فقد وُجِد ما يثري هذا الجانب مثل رواية «حليب أسود» لـ ألف شفق ورواية «باولا» لـ ايزابيل الليندي وغيرهما الكثير، وإن كان كما تقول فربما لتجارب لم تكتمل أو غلب على رغبة كتابتها رغبة التكتم لقدسية خاصة».
وفي ذات السياق، قالت حليم الفرجي: «يمكنها كذلك تقمص كافة الشخصيات كأن تكتب بلسان الذكر وتتقمص شخصية بطل قصتها أو روايتها ولكنها في النهاية ستعود لشخصيتها الحقيقية وستكتب يوماً عن معاناة المرأة ربما كزلة قدم ولكنها ستفعل». فيما أكدت كفى عسيري على أنّ نصوص المرأة قادرة الإقناع والتأثير منوهةً على أنّ وظيفة الأدب هي: «كشف وتعرية المجتمع بخفاياه وأسراره الدقيقة الغائبة عن العامة ثم يأتي على معالجة العديد من القضايا التي لا حصر لها، المرأة قضية العالم الكبرى فهي قادرة على تخطي كل ذلك من خلال نصوصها».
وعن رؤية الكاتبة تغريد العلكمي حول هذا المحور قالت: «نعم بإمكانها ذلك قريبًا ولكن ليس الآن فالمرأة ما زالت في مرحلة التحول ولم تصل بعد إلى مرحلة التخلي عن هذه الوصمة التقليدية وحينها ستتمكن من التحدث عن دورها البيولوجي في نتاجها الأدبي بكل حرية»؛ فيما أضافت هند الحربي قولها: «بالطبع ستتحرر، وبظني أن الزمن كفيل بتبيان هذا، خاصة على المستوى المحلي؛ بناتنا يحيين بشكل طبيعي أكثر منا وهذا مبشر وواعد».
وختمت هيفاء العمري حديثها في ذات المحور بقولها: «ليس تنحيا بقدر ما هو انتخاب عقلي عاطفي للفكرة؛ يسيّل الروائي همه فيما ينتج؛ كتبت هيريت بيتشر ستو رواية (كوخ العم توم) في القرن التاسع عشر، فبينما كانت تعاني كامرأة في ذلك الزمن إلا أنها كرست جهدها لتشكيل وعي شعبي رافض للعبودية، وتأجيج النفوس على رفض الاستعباد، وأصبحت روايتها كشمعة تضيء الضمير، المرأة تعاملت مع طبيعتها البيولوجية بحب ورضى وليس كمشكلة».