عبد العزيز الصقعبي
إلى:...
منذ أشهر قررت أن أراك، كانت هنالك فرصة لأسرق من وقت خصصته لمناسبة عامة، لأقف أمامك، وأتأملك، لم أخف من قول أحد: ما هذا المجنون الذي يقف صامتاً متأملاً، ربما خمس دقائق مدة وقوفي، ولكن ابتعدت بعد ذلك، خوفاً من أن أتحول مثلك شاهد صمت أبدي، أنت بقيت كما أنت تغيرت قليلاً، ولكن أنا كبرت، أجل لست أنا ذلك الطفل الذي يلعب بالتراب بالقرب منك، لست أنا ذلك التلميذ الذي يبتعد ساعات عنك ليعود إليك، لست ذلك المراهق الذي بدأ يتشكل ليصبح رجلاً وأنت كما أنت، لم تتغير، لتبقى كما عهدتك منذ الطفولة شامخاً، من حسن الحظ أن يد التغيير الكبيرة لم تطالك، أنا عندما وقفت أمامك، كنت أراك كما كنت سابقاً، وليس كما أنت الآن، أعرف أنني ابتعدت عنك، كثيراً، وأنت بقيت، لتلتقي بآخرين غيري، بعضهم اهتم بك، وآخرون أهملوك، بل عاث البعض بجسدك.
هل أواصل حديثي عنك، أو عن نفسي، عن طفولتي، هل أقول إن البيت الكائن في مكان ما، تربطني به علاقة منذ الصغر، لن أبوح بأسرارك، ومنها موقعك، لأنك لم تعد ملكي، بل بصورة أدق ملك أسرتي، ولكن مع ذلك ربما نمارس مع بعض علاقة خاصة، لا يعرفها أحد مطلقاً، باستثناء من أوجدنا، سبحانه وتعالى.
وقفت بضع دقائق، أنت عاثت بك عوامل التعرية، هرمت، ربما عرفتُ ذلك عندما طالعت بعض الصور التي أخذتُها لك، ربما صورة واحدة هي الواضحة تماماً، والأقرب إلى الماضي، والبقية شعرت أنها مشوهة.
تمنيت لو معي مفتاح بابك، ذو الدقات الست، أتذكره قفل حديد داخلي، يشبه الأقفال التراثية التي تصنع من الخشب، ولسانه لكي يغلق الباب ويأمن من بداخله لابد أن يدور المفتاح ست دورات، للفتح والإغلاق، بكل تأكيد، تم تغييره، بقفل حديث، ولكن الباب لم يتغير، أريد أن ألج إلى الداخل، أذكر.. يوجد غرفة صغيرة على يسار الداخل للبيت، غرفة معيشة تجتمع بها الأسرة، داخل الغرفة وتحديداً في الجدار المقابل للباب، يوجد دولاب درفتاه من الزجاج المحاط ببرواز من الخشب، ليس كبيرا، يرتفع عن الأرض قرابة المتر وطوله نصف متر، وكذا عرضة، إن لم يكن أقل، وعمقه ربما ربع متر، كان مغلقاً، وبداخله بعض التحف، وصحيفة قديمة، أجل صحيفة، أذكر أنني احتفظت بها هناك في تلك الغرفة في ذلك البيت، في سنوات علاقتي الأولى بالقراءة والكتابة، صحيفة ورد فيها اسمي الثنائي، واعتذار بعدم نشر ما كتبته وتشجيع لموصلة القراءة والكتابة، هي أهم صحيفة، لأن محاولتي الأولى تحقق لها النجاح، لكوني جعلت اسمي واسم والدي يحتلان موقعاً من كلمات الصحيفة التي بها من الأسماء والأفعال والصفات وحروف الجر والتعجب الآلاف ربما، شعرت حينها أنني أصبحت مهماً لأن الصحيفة حملت إضافة إلى اسمي الثنائي أسماء أناس مهمين جداً، لا أدري هل بقيت تلك الصحيفة بعد أن غادرت المكان، أنا لا أذكر أنني حملتها معي، بكل تأكيد أنت لا تعرف ما بداخل جوفك، ولكن فعلا أتمنى أن أتأكد من ذلك ولو أنه مضى على تلك المغادرة قرابة النصف قرن.
أنا هنا أكتب لك أملاً أن تصل هذه الرسالة لشخص يقرأها ويكون له علاقة معك، ويقول أنا الآن داخل بيت الطفولة، والصحيفة لا تزال في مكانها، بكل تأكيد التحف وبقية الأشياء غير موجودة، من الطبيعي أنه لم يكترث أحد بصحيفة قديمة فأبقوها، لو حدث ذلك سأكون شاكراً له، وسأخبره بحكايات كثيرة عنك، وعني، وعن طفولة جميلة، بكل تأكيد بقيت بالذاكرة.
أتمنى أن تبقى شامخاً على بساطتك وتواضعك، وصغرك، ووجودك في بيئة عشوائية قد تتغير في يوم ما، عندما تمسها يد التجديد والتحديث، حتى ذلك الوقت، دمت في ذاكرتي بيتا جميلا يقع في ذاكرتي التي بدأت تشيخ.