الملف من إعداد - جابر محمد مدخلي:
يُدخلنا الصُراخ للحياة ويخرجنا الصمت للموت وبينهما رحلة طويلة.. هذه الرحلة هي التي عاشها البهكلي مرتحلًا من منجزٍ لآخر، ومتصاعدًا من تحدٍ إلى تحدٍ متجدد حتى جاء آوان رحيله ليعيش تحديات مرضه الأخير ويقاوم وباء «كورونا» في محاولة لاستمرار إمداده لمن حوله بإنسانيته العالية، وشعره العذب، ومشاعره النبيلة المتسعة داخل روحه للجميع. مات البهكلي ولم يبق بعده إلا تاريخ يثبت أحقيّته في البقاء معنا، ليواصل شهداء الله في أرضه مقولاتهم عنه، وأحاديثهم الطويلة الممتدة عن جوانبه المتعددة، إذ يقول عنه تلميذه ومُحبّه عضو مجلس الشورى سعادة الأستاذ الدكتور حسن بن حجاب الحازمي: «أحمد البهكلي على المستوى الإنساني شخصية فريدة، فهو رجل نبيل، فاضل، خلوق، كريم، معطاء، متواضع، صادق في تعامله، صدوق في كلامه، وفي لمحبيه، مخلص لأصدقائه، عفيف النفس، عف اللسان، مؤدب في جده وهزله، أديب حتى في حديثه العادي، يختار مفرداته بعناية، ولا يتحدث إلا باللغة الفصحى، يتحدث إليك في حديثه اليومي المعتاد، وكأنه يتحدث على منبر في جمع من الناس، تتدفق من فمه الكلمات العذبة المنتقاة، متحاشيًا الأخطاء اللغوية الشائعة، حريصًا على نطق الكلمات نطقًا صحيحًا، وكأنه يعلّم لا يتكلم.
وأحمد البهكلي رجل محب لفعل الخير، محب لكل الناس، يبذل ماله وجاهه، ويضحي بنفسه ووقته لخدمة الآخرين، صبور إلى درجة ربما يعجز عنها الصبر ذاته، وكم تحمل من آلام المرض، وكم تحمل من أذية، ولكنه لا يشكو ولا يتذمر، يشق طريقه بصمت، ويمضي في إنجاز مهامه بقدرة عجيبة على الصبر والتحمّل والتجمل أيضًا، وكم ردّ الإساءة بالإحسان.»
ولقاء ما سبق لا تكاد أقلامنا تجرؤ إلا على إخراج مخزون المؤبّنين له والمحزونين على فراقه ورحيله الذي ورّث من بعده تركةً ستكفي الأجيال القادمة لتتخذه مسارًا وقدوةً ونبراسًا. وتدعو الثقافية اليوم مجايليه وتلاميذه ومحبيه ومعايشوه لتنقل من خلال مشاعرهم وأقلامهم للمشهد عزاء فقدانه، ولتؤكد الفراغ الأكبر الذي تركه البهكلي من بعده.