إعداد - فيصل بن خالد الخديدي:
لا تمر سيرة المسرح السعودي إلا واسم فهد ردة الحارثي من أوائل مَن يُذكرون فيه، فهو عاشق للمسرح مسكوناً به، نذر نفسه للمسرح وجعل منه مشروع حياة ولوحة فسيفساء تجمع كل نفيس، منتقاة باحترافية فنان ومجودة بيد ماهر، عرف كيف يوظف إمكانياته بإتقان ويستنطق كل ما هو حوله لصالح مسرحه الذي تجاوز فيه دور الكاتب الحاذق إلى المؤسس الملهم المتفرد بفكره والعميق بطرحه، فالإنسان قضيته والشاعرية لغته، فنجح هو ورفاقه في مسرح الطائف أن يؤسسوا لمرحلة جديدة في المسرح المحلي أكثر حداثة ومعاصرة وأن يختطوا مساراً مغايراً يخاطب العقل والوجدان ويمتع البصر بلوحات فنية استحال معها العرض المسرحي إلى معرض تشكيلي متكامل الأركان في اهتمام بأدق تفاصيل العرض وبتنامٍ لفكر العمل الجماعي والورش والمختبرات المسرحية... فهد ردة الحارثي مسرحي استطاع أن يحفر اسمه في واقع وحاضر وذاكرة المسرح السعودي.. وفي هذه الأسطر نقرأ فهد ردة الحارثي بعيون بعض المسرحيين العرب الذين عرفوا مسرحه وكتبوا عنه....
(تقديم لفيصل الخديدي)
مسرح فهد ردة الحارثي ينبض بالحياة
في مسرح فهد ردة الحارثي وهو يؤسس للمسرح السعودي، نحن مع مسرح تعبيري يفك الإنسان من عزلته، من اغترابه. فشخصياته، وهي فرد أو أفراد، تراها من دم ولحم وليست دمى مربوطة بحبال العقائد. وهو يعمد في (حواراته) إلى بناء وتأزيم الصراع بما يغني تنامي الحدث. حوارات من لغة معبرة عن ذات الفرد، فتأخذ عنده شكلاً مشهدياً - أي تتحول إلى صورة مليئة بالحركة، بالانفعالات. فالفرد/ الأفراد في مسرحياته يشكلون حضورًا ماديًا أكثر منه (ذهنيًا). فهو من المسرحيين العرب الذين يشتغلون على الفرد في دراماهم ليس بصفته تمثالاً، بل روح من فكر، فكر يشيد فعلاً، أفعالاً من الأضداد تتصارع وبـ (الحوار). هذا الحوار/ الجدل الذي يهيئ له فهد ردة الحارثي فضاء مزدوج؛ واقعي وخيالي في الزمان والمكان الافتراضيين، وهو حذر ألا يغرق الحوار الذي يجيء عنده كمنولوج درامي في النزعة الوعظية المباشرة، لأن الإنسان عنده ليس فريسة. بل عليه أن يغير من مسار مصيره كان في الوجود، أو هو ذاهب إلى العدم.
أنور محمد - سوري
الحارثي عاشق المسرح الذي تنجذب فراشات الكلمات حوله
المبدع السعودي الكبير فهد ردة الحارثي إنجازه الإبداعي راسخ كجبال الطائف الشامخة، ومتنوع كورود الطائف الجميلة، فلابد أن تقف أمام تجاربه الكتابية مجذوبًا من قوة عطر كلماته وجمال معانيها، فكل عاشق للمسرح يتصادف أمامه قنديل الحارثي السحري الذي يُخرج نصوصًا مختلفة الأنواع كمسرحيات الأطفال والمونودراما والديودراما والنصوص الحداثية التي شارك فيها في المهرجانات العربية كالقاهرة للمسرح التجريبي ومهرجان قرطاج.. ولا يكاد مهرجان عربي إلا ولفهد الحارثي بصمة في إحدى دوراته المسرحية، وهذا سره العميق فهو قريب من الهموم العربية وقضايا أمته ولسان حال التطور الحضاري والفكري في المملكة العربية السعودية، والتي بتجارب المشتغلين المسرحيين عبر تاريخ المسرح السعودي كانوا يعكسون القفزات النوعية في التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بالكتابة والصناعة المسرحية عنها، والحارثي أحد المهمومين بعشق المملكة والحديث عنها قولاً وفعلاً، فهو خير سفير للثقافة السعودية ويجذبك لحديثه الثقافي الماتع وندواته الفكرية، وفلسفته في التلقي وتقديم قراءة مسرحية عميقة لواقع المسرح العربي بخبراته التي اكتسبها، وبتمرسه بالصحافة، وملكة الشعر التي تتدفق عذوبة من لسانه وحروفه، وساهم بتلك الخبرات في تقديم الورش المسرحية في المحافل العربية، فكان خير سفير لنقل خبرة السنين للأجيال، والذين ينجذبون لتواضعه ونزوله لفكرهم ليرتقي بوعيهم، فنجده لا يفرق في اللقاء بين مسرحي كبير وآخر مبتدئ في درجة الاهتمام والتعاطي، فهو مدرسة حقيقية لتواضع العالِم، ويقدم نصوصه مجانًا لدعم الشباب وتجاربهم الأولى، ونصوصه تحظى بالإقبال الكبير في التقديم داخل أروقة الجامعات ومركز الشباب العربية. فهد الحارثي قذف بأوراقه المسرحية في فضاء الإخلاص والمحبة للمملكة ومحيطه العربي وارتدت عليه محبة وحضورًا وتكريمًا لمنجزه الإبداعي الذي أخلص له.
د. سعيد محمد السيابي - سلطنة عُمان
فهد الحارثي... تجربة حداثية بامتياز
تشكل تجربة الكاتب المسرحي فهد الحارثي منعطفًا مهمًا في تاريخ المسرح السعودي لما تشكله من مغايرة وشهادة على تحولات الكتابة في عموم التجربة الأدبية والمسرحية السعودية.
ولعل تجربة الحارثي تستقي هذا التفرد من خروجها وتمردها على القالب التقليدي فهي تجربة حداثية بامتياز كسرت القوالب الجاهزة وكسرت تابو الإرث والتاريخ والحكاية الشعبية التي كانت مخيمة على عموم التجارب العربية.
لقد أدرك الحارثي بتجربته أن الكتابة الحديثة يجب أن تتحرر من كونها نصًا أدبيًا قابلاً للقراءة ولكنه قابل لتشكيل الصورة البصرية وقابل لأن يكون منطلقًا للممثل المسرحي.
فعندما تولت النصوص السعودية - تحديداً- شطر التاريخ والنسق الشعبي والرمزي بغية التخفي عن عيون الرقيب شق طريقه باحتفاء لا مثيل له بالرمز.. أقول الرمز وليس الغموض، وراح في لعبة مدهشة لأنسنة هذا الرمز.
خالد الرويعي - مملكة البحرين
فهد ردة الحارثي شمولية وتنوع
لقد بدأ نجم الأستاذ فهد ردة الحارثي يلمع في سماء المسرح السعودي من باب النقد للمسرحي والمتابعة الصحفية عندما خصص الحارثي في جريدة «البلاد» أول صفحة عن المسرح السعودي عام 1987م. وظهر فهد الحارثي مؤلفًا في أول مسرحية كتبها عام 1989 م بعنوان «يا رايح الوادي» بإخراج عثمان أحمد أحمد. لكن الزخم الإبداعي يصبح واضحًا في تجربة «ورشة العمل السرحي» في إطار «الجمعية العريية السعودية للثقاقة والفنون بالطائف» حيث أسس الورشة مع عدد من مجايليه من شغل في المسرح. تولدت عن ذلك مرافقته الإبداعية للمخرج أحمد الأحمري حيث «كان الشريك الذي كنت أبحث عنه» على عبارة الحارثي. لقد أثرت تلك المرافقة والشراكة بينهما المسرح السعودي أثرًا كبيرًا منذ مسرحية «النبع» عام 1993. وفرضت أعمالهما على مدى ثلاثة عقود من الزمن نفسها في المهرجانات المحلية والخليجية والعربية. اكتسبت تلك المرافقة أهمية كبيرة لأنها جاءت في سياق مسرح سعودي عرف مسارين منفصلين للنص والعرض لعقود طويلة. فنشأة النص تعود إلى عام 1932 مع نص «ظالم نفسه» لحسين الدراج. أما العرض المسرحي فإنه لم ينشأ إلا عام 1984 مع مسرحية للمخرج محمد فهد الشمري. فكأن مرافقة الحرثي والأحمري ضرب من تدارك تلك الفجوة التاريخية بين النص والعرض. لقد حقق الحارثي نجاحًا كبيرًا وحصل على اعتراف رفيع يليق بإبداعه المسرحي. فتم تكريمه في عدد من المهرجانات العربية المرجعية، وفاز بجوائز رفيعة آخرها جائزة أفضل نص وجائزة أفضل عرض في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي عام 2017. وليست تلك المكانة التي احتلها الحارثي خليجيًا وعربيًا متاحة بيسر. بل إنها تحققت في سياق «صورة نمطية» على عبارة د. سامي الجمعان سلطها طيف من المسرحيين والنقاد على المسرح السعودي بمناسبة المهرجانات العربية. وتقوم تلك الصورة النمطية على غياب أطر التكوين الأكاديمي المختص في المسرح وعلى غياب المرأة وعلى طغيان الطابع التجريبي الرمزي في المسرحيات على معنى انقطاعات عن واقعها المحلي. ولئن كان في ذلك بعض الأمور التي يمكن تقبلها من حيث هي تدخل في باب معاينة خصوصيات التجارب المسرحية إيجابًا وسلبًا إلا أنها في الغالب مجرد صورة نمطية جاهزة لا تعبر عن جهود نقدية حقيقية. فهي غير منصفة لأنها تعجز عن معاينة الجوانب المضيئة في المسرح السعودي مثل نصوص فهد الحارثي وسامي الجمعان وعباس الحايك وياسر مدخلي وسواهم. ويتميز فهد الحارثي بتنوع نصوصه، فهو كتب المسرح للأطفال وللكبار، وكتب المسرح في المونودراما والديودراما وما إلى ذلك. إن فهد الحارثي ليس مجرد مسرحي يمارس المسرح وانتهى الأمر، وإنما هو صاحب نظرة وموقف في تشخيص أوضاع المسرح السعودي والخليجي وتقييمها. فهو يرى أن النص المسرحي السعودي في أحسن حال لكن الأزمة موجودة في تنفيذ النصوص على الخشبة. ومرد ذلك حسب الحارثي إلى أن البنية التحية واللوجستية في المسرح السعودي تحتاج إلى تطوير من قبل الدولة لأن «المسرح مشروع دولة يجب أن تبنى هياكله الأساسية لكي ينطلق في وضع صحي، وأهمها وجود المبنى المسرحي» على عبارة الحارثي. وقد يكون إنشاء المسرح الوطني السعودي عام 2018 وإنشاء الهيئات العامة المختصة في المسرح والفنون الأدائية أو المجاورة للمسرح أو ذات الصلة هو الأفق الذي تطلع إليه الحارثي في مضامين نظرته المسرح المحلي. لذلك لا يمكن اعتبار فهد ردة الحارثي مجرد مؤلف مسرحي أو مجرد ممارس لأنشطة الفن المسرحي عمليًا، وإنما وجب اعتباره شخصية مسرحية ذات أهمية بالغة في تاريخ المسرح السعودي.
يوسف البحري - تونس
فهد الحارثي...رائد التجربة المسرحية السعودية المعاصرة
عند الحديث عن التجربة المسرحية السعودية المنفتحة على أفق الحداثة، تطالعنا تجربة المؤلف السعودي فهد ردة الحارثي، والذي كُرِّم في مناسبات عدة، نذكر منها: تكريمه ضمن الأدباء المكرمين لمحافظة الطائف عام 1998م، مهرجان الجنادرية لعام 1999م ضمن رواد الحركة المسرحية في المملكة، مهرجان المسرح العربي بمصر في دورته السادسة 2007م ضمن المكرمين العرب لهذه الدورة، مهرجان المسرح السعودي الرابع ضمن رواد الحركة المسرحية السعودية 2008م، هيئة السياحة بالطائف ضمن المؤسسين لورشة العمل المسرحي بالطائف لدورها في خدمة المسرح السعودي، ومهرجان أيام قرطاج المسرحية الدورة الرابعة عشرة 2009م.
ويعد فهد الحارثي من مؤسسي فرقة مسرح الطائف بالمملكة العربية السعودية، وقد كانت بداياته عام 1981م من خلال الانضمام إلى عضوية جمعية الثقافة والفنون بالطائف. كما أنه يشغل عضوية عدد من الورش المسرحية، فهو عضو مؤسس لورشة العمل المسرحي، وعضو لجنة الفنون المسرحية بجمعية الثقافة والفنون بالطائف، وعضو مؤسس لجمعية المسرحيين السعوديين.
وقدم الحارثي للمسرح السعودي العديد من الأعمال المسرحية، مثل: بيت العز، شدت القافلة، بازار، عصف، حالة قلق، رحلة البحث، أريد أن أتكلم، العرض الأخير، سفر الهوامش، أبناء الصمت، يوشك أن ينفجر، النبع، الفنار، البروفة الأخيرة، الناس والحبال، زين خليك رجال، المحتكر، والجثة -صفر» وغيرها.
د.عزة القصابي.... سلطنة عمان
فهد ردة... ثورة إبداع
فهد ردة الحارثي... هذا البركان الثائر إبداعًا... الهادئ الساكن إنسانًا، من الصعب سبر أغواره رغم نعومة ظاهره..
فبالرغم من معرفتي الوثيقة به، إلا أن الكلمات لا تسعفني ولا أجد الجديد من الصفات لأضيفها عما كتب عنه وحول مؤلفاته المسرحية التي تجاوزت الخمسين نصًا مسرحيًا.
فقط يمكن القول إن فهد الحارثي وهو ابن هذه المرحلة المشحونة بالتناقضات والتحويلات التي طالت مناحي متعددة في حياة المجتمع السعودي والعربي بشكل عام، كان واعيًا ولماحًا لكل ما يدور حوله وما يعانيه إنسان هذا العصر واختار أن يقدمها بشكل رمزي شديد الوضوح في نصوصه المسرحية جاعلاً من خلالها قضايا هذا الإنسان ( في كل مكان) المحور الأساس.
ومن محاسن الصدف أن يبرز فهد الحارثي كاتبًا ومؤلفًا مبدعاً في وقت بات حديث الوسط الفني والمسرحي خاصة عن ندرة و(موت المؤلف) ليكون وسط هذه التصورات القاتمة، سراجًا منيرًا يهتدي به العديد من الكتاب الشباب ويبث فيهم الأمل ويرسم لهم نمطًا جديدًا من الكتابة المسرحية في الشكل والمضمون، وهذا أمر لا يمكن لأي منصف إنكاره.
وبعد، فإن المسرح والمسرحيين في كل مكان محظوظون بأن يتواجد بينهم كاتب مبدع استطاع أن يتجاوز مرحلة كان فيها المسرح قاب قوسين أو أدنى من الموت، وليعيد الأمل في غد مشرق للمسرح.
حمد الرقعي- الكويت
غزارة وعطاء
فهد ردة الحارثي مشروع جريء، صاحب النقلة النوعية في المسرح السعودي، استطاع أن يزرع في مجموعة الطائف بذرة التجريب وصبر حتى نبتت وأثمرت وامتدت في ربوع المملكة، ثم سالت الشعاب واخضرت الوديان وظهر الأثر العظيم لصاحب المشعل الأول فهد الحارثي، لم نتعاون في عرض مسرحي واحد لكننا ظللنا متواصلين متفقين على الأهداف نفسها، لمست عن قرب مدى جدية الرجل ونبل أهدافه المسرحية، فهد ليس مجرد كاتب مسرحي صنع طريقًا خاصًا للنص، بل رجل مسرح صاحب مشروع وصاحب فكر واضح لذا لم يكن مستغربًا أن يصبح اسمه علمًا على امتداد الجغرافيا من الخليج إلى المحيط ويتم تكريمه في جميع المحافل المسرحية، وعلى الصعيد الشخصي تسعدني صداقة فهد والشراكة معه في لجان التحكيم والندوات إلخ...، فهو صديق صادق مبهج يضيف ويسعد من حوله.
صبحي يوسف - مصر