د. عبدالحق عزوزي
العالم المناخي ليس بخير؛ وما سنتركه لأبنائنا لن يكون مصدر فخر لهم؛ وسيحمل جيلنا مسؤولية كبيرة أمام الله وأمام التاريخ لما يجري وسيجري في المستقبل القريب... فلا المؤتمرات الدولية ولا القمم ولا المنشورات العلمية ولا أنشطة المجتمع المدني العالمي ولا الصيحات المتكررة التي تقوم بها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ولا التقارير المتتالية نجحت لحد الساعة في إيقاف التغيرات المناخية التي أضحت كارثية وسريعة أكثر من أي وقت مضى؛ ففي تقرير أممي أخير، يشير الخبراء إلى أن هاته التغييرات ستستمر في منحاها التصاعدي في المستقبل لتزيد من تأثيرها على حياة الإنسان عبر زيادة تواتر العديد من الظواهر الجوية والمناخية القاسية. زد على ذلك أن بعض الظوهر من قبيل ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه المحيطات سيبقى غير قابل للحل إلى أبد الآبدين.
فالحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية، وستتكرر الموجات الحارة الشديدة كل 10 سنوات وذلك بسبب الاحتباس الحراري العالمي، كما أن الجفاف وهطول الأمطار بغزارة سيصبحان أيضا أكثر تواتراً.
ولا يخفى على كل متتبع أن النشاطات البشرية هي التي تتسبب في كل هاته المصائب وهو ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش في إطار تعليقه على التقرير الأممي يقول «إنه إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا».
للأسف الشديد، العالم لا يتعظ. وكنا من بين أولئك المتفائلين مع تداعيات انتشار وباء كوفيد في العالم الذين استبشروا خيراً بالمستقبل القريب، وقلنا مراراً عند حديثنا عن عالم ما بعد كورونا أن صحّة البيئة ستوازي صحّة البشر أهميّة، وما يعني ذلك من التعامل الجاد مع التغير المناخي والقضاء على المخاطر التي تحدق بدول العالم من عواصف تزداد عتواً، وحرائق غابات متسعة، وفيضانات وموجات جفاف وهي كلها مرتبطة بتغير المناخ إضافة إلى تلوث الهواء نتيجة حرق الوقود الأحفوري؛ «فسيكون هناك نهج حكومي شامل في أغلب دول العالم بل وستكون في قلب أمنها القومي وتخطيطها الداخلي؛ وقد رأينا مؤخراً كيف أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن حزمة جديدة من الإجراءات التنفيذية للتصدي للتغير المناخي، أبرزها وقف إصدار عقود جديدة تتعلق بمشروعات النفط والغاز على أراض اتحادية، وقطع الدعم عن استخراج الوقود الأحفوري.» للأسف الشديد فالتقرير الأممي يشير بالملموس إلى غياب المناهج الحكومية الشاملة؛ وحتى رزمانة قرارات الرئيس بايدن الجديدة ليس بإمكانها أن توقف هذا التسونامي الخطير؛ وهذا يجعل المتشائمين أكثر تشاؤماً ويدخل المتفائلين في خانة التشاؤم.
ويمكن تتبع تدخلات الخبراء في إطار المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والذي عقد هاته الأيام في مرسيليا لنفهم آثاراً أخرى ناتجة عن نشاطات الإنسان الكارثية... فالتنوع البيولوجي آخذ في التدهور إذ إن هناك ما يصل إلى مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض في إطار ما يسميه العلماء بـ»الانقراض الجماعي السادس». فتغير المناخ يؤثر سلباً على مستقبل العديد من الأنواع، وخصوصاً الحيوانات والنباتات المستوطنة التي تعيش بشكل خاص في جزر صغيرة أو في بعض النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي...
عندما بدأ النظام العالمي يخاف من انتشار القنبلة الذرية والأسلحة النووية، فرضت تعهدات ملزمة قانوناً؛ ولعل أهم مبادئها، هي تلك التي حددتها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي التي تم التفاوض بشأنها عام 1968، وأبرمت وقتئذ؛ تأسيساً على تفاهمين محوريين اثنين: تعهد الدول المالكة للقنبلة بالتخلي عنها، وتعهد الدول غير المالكة لها بمواصلة الامتناع عن امتلاكها. المهم أن ذلك أعطى أكله ولم تدخل إلى مصاف الدول التي تمتلك الأسلحة النووية بعد ذلك التاريخ إلا دول قليلة وكان ذلك على حساب شعوبها؛ ويبقى في نظري أن نقيس اخطار صناعة الأسلحة الفتاكة مع ما يقوم به البشر من أعمال تخريبية في حق المناخ؛ فكلا العملين طامة كبرى على البشر وكلاهما يحتاجان إلى نفس التخوف لإزالة المشكل من الجذور... فلو استطاعت البشرية أن تفكر بهذا المنظور لأصبحت تنفيذ الاتفاقيات الدولية في مسألة المناخ مسألة إجبارية ولأوصلنا الأجيال المقبلة إلى بر الأمان.