قضيتِ حياة ملؤها البر والتقى
فأنتِ بأجر المتقين جديرة
انتقلت إلى رحمة الله على عجلٍ، حينما توقفت نبضات قلبها الطاهر:
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوانٍ
فرفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمرٌ ثاني
وكانت مفاجأة هادم اللذات، ومفرق الجماعات لها يوم الخميس 25-1-1443هـ، حيث أديت صلاة الميت عليها بجامع الراجحي يوم الجمعة 26-1-1443هـ، ثم ووري جثمانها الطاهر بمقبرة النسيم شرقي الرياض، في جو حزن وأسى، وكأني بحال أخوتها الكرام أبناء الشيخ أحمد بن محمد العبدان، وهم يتدافعون على حافة قبرها، مُتابعين صفّ اللبنات على لحدِ مضجعها في باطن الأرض حتى أخفت ذاك الجثمان عن نواظرهم، وبهم ما بهم من لوعات الفراق الأبدي، والحزن العميق يعتصرُ مهجهم - كان الله في عونهم وعون بناتها.. - وهم يكفكفون دمعات حرّاء تحسرّاً مردداً كل واحد منهم هذا البيت:
خُذا الزاد يا عيني من نور وجهها
فما لكما فيه سوى اليوم منظرا
وقبل يومين على رحيلها اتصلت عليها إحدى بناتي تدعوها هي وبناتها الفضليات لتجديد التواصل المعهود معهنّ، وتشريفنا لتناول طعام الغداء بحريملاء، وتبادل الأحاديث الودية، فشكرتها، ثم اعتذرت لظروفها الصحية..، فما لبثت أن فرّت روحها إلى بارئها كما أسلفنا آنفاً..، تغمدها المولى بواسع مغفرته ورحمته.
وكانت ولادتها في أوائل الستينات الهجرية..، فعاشت طفولتها بين أحضان والديها، وبين إخوتها وأخواتها وبنات أعمامها وجيرانها..، في أجواء فرح ومرح..، بعد ذلك أخذت نصيباً من العلوم النافعة، وحفظ ما تيسّر من كتاب الله العزيز الحميد، وعند بلوغها سن الزواج اقترنت بابن عمها - زميلي الحبيب بدار التوحيد بالطائف عامي 71-1372هـ - الأستاذ الفاضل عبدالرحمن ابن الشيخ القاضي عبدالله بن محمد العبدان ليلة الخميس، الموافق 27-2-1381هـ بمدينة الرياض، وقد حضرت تلك المناسبة المباركة مع لفيف من الزملاء والأصدقاء..، فاستمر التواصل مع الزميل الأستاذ عبدالرحمن، ومع أخويه الكريمين الشيخ الأستاذ عبدالعزيز (أبو فهد) والأستاذ الزميل سليمان (أبو لبنى)، بل ومع الشيخ أحمد الأديب الخطاط الماهر - والد الجوهرة (أم نجاة) المشهور بجمال خطه في كثير من المناسبات والمواقع الأخرى وهذا يذكرنا بقول الشاعر الأبيوردي حينما فرغ من كتابة أحد أجزاء ديوانه بخطه الجميل راثياً نفسه بهذه الأبيات الثلاثة المؤثّرة قبل رحيله إلى الدار الباقية:
تبلى الأنامل تحت الأرض في جدثٍ
وخطها في كتاب يؤنس البصرا
كم من كتابٍ كريم كان كاتبه
قد أُلبس الترب والاجرا والحجرا
يامن إذا نظرت عيناه كِتْبتنَا
كن بالدعاء لنا والخير مُدّكرا
ومن بالغ حبي وتقديري (لأبي نجاة) الأستاذ الفاضل عبدالرحمن أن قمت بزيارة خاصة له في مدينة جازان عبر الجو؛ أنا وشقيقه الزميل سليمان عام 1382هـ أيام كان مديراً للتعليم هناك، فقام بإكرامنا، وتجول بنا في تلك البلاد رحبت الأرجاء خصبة التربة، ثم ودعناه شاكرين ومقدرين حفاوته وتكريمه - تغمد الله الجميع بواسع رحمته ومغفرته - وكانت زوجته الكريمة (أم نجاة) تتمتع بصفات حميدة، محبوبة في أسرتها، عطوفةً على الأطفال، وصديقةً لهم يحبونها وتحبهم، ومع أسرتها عموماً..، وقد اعتنت بتربية بناتها الصالحات، وحثهن على عمل الخير للأيتام والأرامل والعطف على المساكين، وصلة الرحم مع أخوالهن الكرام الأستاذ بدر والأستاذ عبدان وجميع أخوتها وأخواتها الفضليات، وبنات أعمامهن وصديقات والدتهن، والجوهرة الوفية بنت فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد العبدان التي بادرتنا بالتعزية في وفاة الأخت الغالية (أم نجاة)، ولئن غابت الأخت الكريمة الجوهرة فإن ذكرها الطيب سيبقى خالداً في نفوس أسرتها ومحبيها مدى الأيام:
وأحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من شخصه داره
رحم الله الفقيدة وألهم أخوتها وأعمامها وبناتها، وجميع أسرة آل عبدان ومحبيها الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز عبدالرحمن الخريف -حريملاء -