قبل أيام قليلة مضت انتقل إلى رحمة الله تعالى والدي وأخي وصديقي ومعلمي الغالي/ عبدالله العذل. ولا شك أن خبر وفاته كان صدمة قوية جد اً علي وعلى باقي أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء بل حتى على البعيدين الذين لاتربطهم أي علاقة أو صلة بالأخ الغالي عبدالله.
لا أخفيكم سراً لو قلت: إن الصدمة لم تفارقني ليلاً ونهاراً والهواجس تلاحقني حتى في منامي وأحلامي وبعد وفاته- رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- بيومين أو ثلاثة تلقيت رسالة من صديق مشترك لي وللغالي أبوخالد بل هو قريب ومحب لنا ولأسرتنا وكان فحو رسالته لومي ولوم بعض الإخوان والأقارب من الأسرة في عدم الكتابة أو ذكر مآثر أبوخالد وعدم رثائه في الصحف أو وسائل التواصل، ولأن صديقنا الغالي كان بعيداً عن موقع الحدث حيث يقضي بعضا من الوقت خارج البلاد ولو أن قلبه معنا والصدمة أثرت عليه كثيراً.
إلا أنه لم يدرك واقعنا بالرياض آلاف المعزين حضورياً ومئات الاتصالات والرسائل النصية والبرقيات إلخ.
لقد استمر العزاء أكثر من أسبوع وحتى وأنا أكتب هذه الأسطر القليلة تصلني اتصالات من إخوة أعزاء للتو عادوا إلى أرض الوطن يطلبون أن يزورونا لتأدية واجب العزاء، فكيف نستطيع أن نكتب وجل وقتنا مشغول بعزاء وترحم على أبي خالد!!؟ خبر الوفاة نزل علي وعلى الأسرة كصاعقة، ورغم أننا مؤمنون بقضاء الله وقدره إلا أننا لم نتوقع أن نفقد أعز الناس في لحظة.
دموعي لم تتوقف منذ وفاته- يرحمه الله- ولو أنني أحاول الكتمان في بعض الأحيان حتى لا أظهر لباقي الأسرة حزني أو تأثري حتى لا أرى هذا يزيدهم حزناً على حزني.
أحاول أن أسلي نفسي مع الأهل والأصدقاء وأتبادل معهم بعض الأحاديث الطريفة والنكات لعلي أسلي خاطري.
لكن سرعان ما تظهر لي صورة الغالي أمامي بابتسامته العريضة وتواضعه المنقطع النظير وهدوئه وحبه وحنانه إلى آخره من الصفات التي قلما تجدها في إنسان هذه لأيام.
إنه أخي وصديقي ومعلمي ووالدي بعد وفاة والدي يرحمهما الله.
لو كان للقلم عينان لذرفت عيناه الدموع قبل عيناي...لو كان للقلم أصابع لارتعشت أصابعه قبل أن ترتعش أصابعي..وأنا أكتب هذه السطور القليلة في سيرة أبي خالد.
لقد تعلمت الكثير الكثير من الغالي عبدالله، ولكن كل ما تعلمته لن أصل إلى ما وصل إليه من حبه للناس وحب الناس له.
لن أصل إلى مستوى تواضعه لن أصل إلى مستوى كرمه وعمله للخير، لن أصل إلى سعة صدره والاستماع لكل كبير وصغير ومساعدته قدر الإمكان.
لا أقول كل هذه الصفات في أبي خالد لأني أخوه وأغليه بل أجمع الناس ممن يعرف أبا خالد سواء قريبا أو صديقا أو من يعرف عنه سواء من قريب أو بعيد.
تركتنا إلى جنة الخلد يا أبا خالد بإذن الله، تركتنا وتركت حملاً ثقيلاً علي وعلى باقي إخواني وأبنائك لما فيه من مسؤولية عظيمة كنت حاملها عنا جميعاً.
عزاؤنا في رحيلك ما سمعناه من المعزين من الترحم عليك وماخلفته من سمعة طيبة وأعمال كريمة وعديدة ودعاء سمعناه من القربب والبعيد يريح أبداننا عند سماعه ويعطينا أملا في رحمة الله عليك ومغفرته.
لحظات لن أنساها أبداً:
* أبو خالد يتصل بي في كل مرة أتأخر فيها عن الاتصال ويسأل عن أحوالي وأسرتي، وكان الواجب أن أتصل به أنا لكن دوماً هو سباق ومبادر للصفات الحميدة.
* قبل عودته من أمريكا بيومين أو ثلاثة يتصل ويسأل متى سأكون في لندن لنتقابل وعندما أخبرته أني سأصل نهاية شهر أغسطس قال ألم نتفق أن تأتي يوم 5 أغسطس وفعلا عدت إلى لندن قبل يوم 7 أغسطس لكن إرادة الله منعتني أن أراه إلا بعد وفاته.
* قبل ساعة من خبر مرضه وإدخاله المستشفى كنت مع ابنه فيصل في المطعم في ماربيا وبعدها ذهبت إلى منزلي حوالي الساعة الحادية عشرة وقبل منامي يتصل بي فيصل ويخبرني أن والده تعرض لوعكة بعد وصوله لندن بساعات ونقل إلى المستشفى.
* ذهب فيصل في الصباح إلى لندن وتبعته في اليوم التالي وعندما اتجهت إلى المستشفى يطمئنني فيصل بأن الوضع مستقر لكن يحتاج كم يوم على الأجهزة والمخدر رغم أن فيصل كان يعلم عن حالته الصحية المتردية ولكنه يحاول التخفيف عني وعن أسرته حتى لا نصدم بكبر المصيبة.
* حاولت الدخول عليه في نفس الليلة إلا أن الأطباء لم يسمحوا لي بالدخول لغرفة العناية المركزة وذهبت إلى منزلي حتى أعود مبكراً إلى المستشفى لأتمكن من الدخول عليه أول شخص حيث يمنع من دخول أكثر من شخصين في اليوم.
* في الصباح الباكر وبعد أن تجهزت للذهاب إلى المستشفى وقبل مغادرتي المنزل يتصل فيصل ويقول لي اتجه إلى المستشفى وكأنه يقول لدي خبرغير سار.
* قابلت فيصل وسعود في أحد ممرات المستشفى قرابة التاسعة والنصف صباحاً وعندها علمت بالخبر الأليم والصدمة القوية.
* مهمة صعبة كانت أمامي وأمام فيصل وسعود ابني الفقيد وهي الذهاب إلى منزل المرحوم لإخبار عائلته بالوفاة وحاولت التمهيد لكن دموعي سبقت الخبر وبدأت الأصوات تتزايد بالبكاء من الجميع.
* حتى هذا اليوم وكل مرة أقابل أسرتي وأسرة المرحوم أخي بإذن الله لا أستطيع النظر إليهم مباشرة لمدة دقيقة واحدة لأني لا أملك القدرة عن حبس الدموع وتجدني أقوم بالسلام عليهن وأحاول تجنب النظر المباشرلهن.
في ختام رسالتي هذه أوجه كلمة أخيرة لأخي الغالي فهد / أبوبدر عليك مسؤولية كبيرة تجاه عائلتك وأقاربك تركها أخونا الغالي أبو خالد بعد والدنا -يرحمهما الله- وأنت لها بإذن الله وعليك مضاعفة الجهد للقيام بتلك المسؤولية أعانك الله ووفقك.
كما أود أن أنوه إلى أبناء الفقيد/ خالد وفيصل وسعود وفهد أنتم كذلك عليكم مسؤولية حمل راية أبيكم- يرحمه الله- والاجتهاد كثيراً في عمل ما يمكن عمله في استمرار سيرة والدكم العطرة وكرمه وأعمال الخير وكلي ثقة فيكم بعد الله أنكم قادرون على ذلك حفظكم الله ورعاكم.
ما تركه لنا والدنا محمد وأخونا عبدالله -رحمهما الله- من محبة للناس ومساعدتهما فعلينا جميعاً الاستمرار عليه سواء الإخوة/ فهد وعبدالعزيز وتركي وسلمان وعبدالإله أو أبناء عبدالله / خالد وفيصل وسعود وفهد، وجميع أحفاد محمد بن صالح العذل وأحفاد عبدالله بن محمد العذل وأسرة العذل كافة. إنها مهمة صعبة لكن بتكاتف الجميع وتوجيه أخي فهد بتأدية المهمة سنصل لما يرضي الله أولاً وسيسعد من رحلوا رحمة الله عليهم ثانياً.
أحداث كثيرة حصلت لا يمكن حصرها ولكن أختم بالدعاء الصادق أن يتغمد الله أخي عبدالله برحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يلهمنا جميعا الصبر والسلوان.
** **
- عبدالعزيز بن محمد بن صالح العذل