لقد كان العرب قبل الإسلام ضعفاء، ليس لهم أي دور حضاري واضح يرتقي إلى مستوى الحضارات المجاورة ليؤثر ويتأثر بها، وكان خموداً عجيباً، ولكن الشيئ الذي أدهش العالم هو الانقلاب الحضاري العجيب، وهو لغز من ألغاز التاريخ، وهو ظهور الإسلام، وما حدث للعرب المسلمين هو أغرب ما وقع في التاريخ الإنساني وتحولهم من أمة ضعيفة هزيلة إلى أمة قائدة في الحضارة الإنسانية.
إن الهدف الجذري من بعثة الأنبياء، وإن غاية تعاليمهم ومنتهى أعمالهم في هذه الحياة الدنيا المحدودة، والقيام بالانقلاب الصالح، وتأسيس الحضارة البشرية على أسس صحيحة، وإن الإسلام يهدف أصلاً إلى تخريج جماعة من الصالحين تقوم بناء المدنية الإنسانية على أساس الخير والفلاح.
بزغت شمس الإسلام ومع حلوله ظهرت أمة جديدة على المسرح العالم بدعوتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برزت الأمة الجديدة وكرست حياتها وهبت نفسها لهذه الدعوة السامية. قد ظهرت الحضارة الإسلامية بروحها ومظاهرها وقيام الدولة الإسلامية بشكلها ونظامها يعد باباً جديداً في تاريخ الإنسانية.
وقبل ظهور الإسلام لم تكن على الأرض أمة صالحة المزاج، ولا مجتمع على أسس الأخلاق الفضيلة، ولا حكومة مؤسسة على أساس العدل والرحمة ولا قيادة مبنية على العلم والحكمة. جاءت رسالة الإسلام فكانت نوراً أشع على العالم، فأخرجت أقواماً من وهدة الجاهلية إلى نور الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، فسرعان تغير حال العرب وانقلاب الحقائق بعد ظهور الإسلام، إذ خرج العرب المسلمون من الصحراء فاتحين، فالمسلمون بدينهم الجديد وحضارتهم قادمون ومغيرون وجه التاريخ.
إن حضارة العرب لم تكن مغالة وقوية لتؤثر في حال العالم، وإنما كانت ضعيفة مفككة وغير قادرة على التأثير الحضاري على العالم. وهذا الانقلاب العظيم الذي لا يوجد له مثيل في التاريخ، فأصبح العرب بفضل تعاليم الإسلام أصحاب دين ورسالة، فبعثوا بعثاً جديداً، وخلقوا من جديد وانقلبوا داخل أنفسهم، فانقلبت لهم الدنيا غير ما كانت وانقلبوا غير ما كانوا، وهذا هو الجيل الأول من المسلمين الذين غيروا وجه التاريخ.
ولم تعرف أدوار التاريخ أكمل وأجمل وأزهر في جميع النواحي من دور الجيل الأول من المسلمين وهو دور عصر الرسالة والخلافة الراشدة، فقد تعاونت فيه قوى الروح والأخلاق والدين والأدوات المادية في تنشئة الإنسان وظهور المدينة الصالحة.
إن ظهور المدنية الإسلامية بروحها ومظاهرها وقيام الدولة الإسلامية بشكلها ونظامها وحكم فيها الجيل الأول من المسلمين يعد فصلاً جديداً متميزاً في تاريخ الأديان والأخلاق وظاهرة جديدة في عالم السياسة والاجتماع وانقلب به تيار المدنية واتجهت به الدنيا اتجاهاً جديداً.
وكان للعرب بفضل الإسلام دورهم القيادي في الحضارة الإنسانية، إذ حرصت رسالة الإسلام أن تهب الإنسانية حياة يتوفر فيها كل أسباب الأمن والطمأنينة في كل أرض حلت بها، وفي كل بقعة أشرقت عليها شمسها، وانبثق ضياؤها. والعالم ينظر إلى أمة تحمل رسالة المحبة والسلام، وإن الرسالة الإسلامية لتأتي بالمعجزات اليوم وتقهر العالم بسلطانها الروحي ونفوذها العجيب.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية ،كولكاتا - الهند
merajjnu@gmail.com