خالد بن حمد المالك
يواصل مهرجان فاس للموسيقى العالمية التئامه سنويًا، حيث الحضور الباهي للعازفين والمغنين وسط المدينة التاريخية لفاس، ويأتي الجمهور بزخم كبير للاستمتاع بما تقدمه هذه النخبة العالمية من العازفين الذين ينتمون إلى الديانات السماوية الثلاث، بما يوحي أن من أهداف هذا المهرجان تأصيل المحبة والسلام بين الناس أيًا كانت دياناتهم، وصولاً إلى إنهاء الصراعات والحروب، وتعزيز التعايش بين الشعوب.
* *
إذن، فمشاركة الموسيقيين المسلمين والمسيحيين واليهود في إمتاع الجمهور بالعزف على الكمان وغيره من الآلات الموسيقية للمشاهير من المغنين والموسيقيين من أصول عربية وأجنبية الذين يتم استدعاؤهم سنويًا، ليكون هذا المهرجان جزءًا من شخصية مدينة فاس، حيث يكون أداء أنواع الموسيقى في أماكن مختلفة من باب الماكينة، إلى باب بوحلود، إلى دار التازي، وفي كل ساحة كان الجمهور يتفاعل إلى آخر الليل في سهرات تجمع بين الهدوء والصخب بحسب المكان ونوع الموسيقى.
* *
في فعاليات الدورة الرابعة والعشرين من مهرجان فاس للموسيقى العالمية التي دعيت لحضورها عام 2018م شهد الجمهور في (باب الماكينة) ثلاث فرق موسيقية ينتمون إلى ثلاث جنسيات مختلفة، وكل مجموعة تختلف آلاتها عن المجموعة الأخرى، مثلما أن أزياءهم تختلف أيضًا، لكن - كما يقول محمد الراجي - فإن الموسيقى وحدتهم، حيث العزف على الناي والأنغام باستخدام العود، وغيرها من الآلات الموسيقية، وفي (دار التازي) وسط المدينة القديمة في فاس التأمت النساء آنذاك في ليلة وصفت بأنها متميزة بمشاركتهن في هذا المهرجان، وهكذا كانت تتواصل السهرات، وتتكرر الأمسيات، في أجواء موسيقية عالمية لا تجدها في غير فاس.
* *
تأسس المهرجان الموسيقي العالمي في فاس منذ ربع قرن، وتميز بأنه يجمع المشاهير من الموسيقيين والمغنين من جميع قارات العالم، ويشترط في مشاركة الفرق الموسيقية أن يكون أداؤها مجسدًا للتنوع الثقافي، والحضاري، وبناء الأسرة الواحدة، كما أفادني بذلك من سألته من المنظمين عن اشتراطات المهرجان للمشاركين، وآلية انتقائهم من دول العالم، وكان من الواضح مما بدا لي، أن المنظمين يهمهم أن تكون المشاركة واسعة، ومن جميع القارات، وأن يكون المهرجان بيئة للثقافة، ومتاحاً لبناء عالم يسوده الحب والسلام، وتجنب الحروب والصراعات وما يؤدي إليها.
* *
ويلاحظ اهتمام المهرجان من خلال الفن بإبراز مواجهة الإرث التقليدي العالمي مع العولمة الثقافية، إلى جانب دوره في استكشاف الحضارات الكبرى لآسيا وإفريقيا والشرق والغرب، كما جاء ذلك في برنامج التأسيس الذي على أساسه نجح المهرجان في جذب المشاركين والحضور والمتابعين عن بعد، وذلك لأنه ظل يخاطب العقول والأذواق عن طريق الموسيقى والغناء.
* *
للأسف إن جائحة كورونا حالت في السنتين الأخيرتين دون تنظيم هذا المهرجان، الذي ظل على مدى ربع قرن يقام بشكل منتظم، وبحضور دولي كبير، نجد الأمل بأن يعود المهرجان كما كان مع زوال هذه الجائحة التي شلت الحركة، وحدَّت من الفعاليات خلال الفترة الماضية.