د. محمد عبدالله الخازم
كنت أقضي وقتاً أثناء دراستي الجامعية بمكتبة الجامعة مستمتعاً بالقراءة الحرة في كثير من الجوانب، بما فيها المتعلقة بالمذاهب والأديان والأدب والفلسفة، وغيرها. وقد أسهم ذلك في تنوع ثقافتي وتنمية اهتماماتي خارج تخصصي. بعد سنوات عدة، عدت للمكتبة نفسها للبحث عن تلك المراجع القديمة التي سبق أن اطلعت عليها لإعادة قراءتها وتوثيق بعض إنتاجي الثقافي، ومع الأسف لم أجد كثيراً منها وبعضها وجدته غير مكتمل. سألت عن غياب تلك المراجع فقيل لا تفتح جروح الإقصاء الفكري، نرجو أن يكون قد مضى..
وفي تجارب شخصية تتعلق بالموضوع، عندما صدر كتابي «اختراق البرج العاجي» حاول الناشر بيعه على بعض المكتبات الجامعية، لأن موضوعه يتعلق بالتعليم العالي، فلم تتفضل أي جامعة بشرائه. لم يحفز اقتناءه حتى فوزه بجائزة أفضل مؤلف سعودي حينها واحتفاء وسائل الإعلام به. يتكرر الأمر مع كتابي «جامعة 2030»، لم تتفضل جامعة واحدة بشراء نسخ منه. بعد عشر سنوات من إصدار الأول، نفذت طبعات الكتابين وحظيا باهتمام إعلامي ولا زالا يحظيان باهتمام ذوي الاختصاص والاهتمام الثقافي والأكاديمي ويستعين بهما طلاب الدراسات العليا في مجالهما. مازحت مسؤولي جامعات هل تقبلون بأن أحاضر بجامعاتكم، حول مواضيع الكتابين وآرائي في التعليم الجامعي، فتأتي الإجابة مرحباً بك ضيفاً عزيزاً بالجامعة لكن ليس محاضراً فأفكارك مصدر إثارة، إدارية وفكرية...! الموضوع يشتكي منه جميع المؤلفين، ولست وحيداً في ذلك، نستطيع أن نحاضر ونناقش خارج أسوار الجامعات وليس داخلها. والمعنى هو الفقر الكبير في محتويات مكتباتنا الجامعية والتردد في إتاحة الحوار الفكري وفتح منابر الجامعات للنقاش الحر الذي يتقبل الاختلاف والتباين في وجهات النظر.
استعيد تلك القصص وأكرر الكتابة حولها حيث يبدو أن نمط تفكيرنا في الجامعات لم يتغير وما زال فكر المنع والخوف من التفكير الناقد والعلني سائداً، إن لم يكن في ازدياد ويتجه نحو الإقصاء للفكر المختلف. العجيب هو مباركة أكاديميين ومثقفين يصنفون بالتنويريين لمثل هذه الخطوات، ويمارسون البحث العلمي وأبسط أدواته النقد وقبول التفكير الناقد. لا قيمة للتعليم الجامعي سواء العام أو الدراسات العليا إن لم يتسم بالحرية الفكرية والتنوع الثقافي ويؤسفني أننا نحجر على فكر الطالب الجامعي وباحث الدراسات العليا وأستاذ الجامعة بتفريغ مكتباتنا الجامعية من قيمتها الحقيقية، وربما يتبع ذلك منعهم من البحث في المسائل الشائكة وتمحيصها علمياً. إذا كنا نخشى تأثر الطالب الجامعي والباحث بفكر كاتب أو كاتبين، أو فئة بذاتها فهذا يعني وجود خلل كبير في تعليمنا وتربيتنا الأساسية. ويعني أن فكر الوصاية على ما يجب أن نقرأ ونتعلم ما زال سائداً.
المنع والحذف والتشويه للكتب طريقة اقصائية غير مناسبة للتعامل مع أي فكر. الجامعات يجب أن تكون منار إشعاع بقبولها التنوع الفكري ومقارعة الفكر بالفكر، لا بتحويلها إلى مؤسسات أحادية الرأي خائفة مرتبكة من أي فكر آخر أو مختلف. مفهوم هنا بأن همي هو القلق من مصادرة الرأي الآخر والخوف من الحوار والمعرفة في مفهومها الحقيقي الشامل والمتنوع والقادر على قراءة الآراء والأفكار أياً كان مصدرها...
أذكر المسؤولين في الجامعات بأننا في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ومعهما زالت الوصاية على مخرجات التعليم ومصادر الثقافة من كتب وغيرها.