م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. أواجه مشكلتين حينما أجلس للكتابة.. الأولى أنني أحياناً لا أستطيع أن أفكر.. فأصاب بالبرود في أوصالي.. وأضيق ذرعاً بالجلوس في مكاني.. وتتزاحم الأفكار الصغيرة الهامشية في عقلي.. وأصبح أسير التشتت كالطفل الذي يفرح بأي شيء يلهيه حتى لا يؤدي واجبه.. والمشكلة الثانية هي أنني أحياناً أخرى لا أستطيع التوقف عن التفكير.. فتتقافز الأفكار في خيالي وتتزاحم للخروج من بوابة قلمي فتختنق في مكانها.. فأفقد التركيز.. ثم أشَرِّق وأغَرِّب فيما أريد قوله فأفقد اتجاهي وأضيع ويضيع الموضوع برمته معي.
2. إن من أصعب الأمور على الكاتب أن يكتب ويكتب.. ثم حين يعيد قراءة ما كتب يجده شتاتاً متناثراً من جمل وكلمات لا رابط بينها.. لا تحمل معنى واحداً أو فكرة واضحة يمكن فهمها بلا حاجة لتفكيك رموزها.. حيث تبدو الكلمات والجمل وكأنها شيفرة سرية لا يفهمها إلا من لديه دليل فك شيفرتها.
3. حينما أجلس للكتابة تسيطر على رأسي فكرة واحدة تنتبه لها كافة حواسي.. وتستيقظ بسببها كل مداركي.. ثم أبدأ قبل الكتابة بالكلام مع نفسي.. ثم ينتقل الحوار ويصبح مع الموضوع ذاته.. وأبدأ بالجدال والنقاش مع شخص افتراضي جالس أمامي.. ثم يتشعب الحديث معه فتضيع الفكرة الأصلية وتحل محلها أفكار شتى ليس بينها رابط إلا ذلك الشخص الجالس أمامي.
4. حينما أبدأ الكتابة تصبح عملية شاقة وكأني أقود دراجة هوائية صاعداً بها هضبة مرتفعة.. فتصاب عضلاتي بالوهن قبل الوصول إلى قمتها.. وفي حالات نادرة تصبح الكتابة كأنها رحلة على دراجة هوائية وأنا هابط من (تلة).. تنحدر بقوة الجاذبية.. فلا أحتاج إلى جهد عضلي ولا أصاب بالتعب ولا يتصبب مني العرق.. كل ذلك بمتعة لا يضاهيها متعة.
5. كنت أظن أن الكاتب هو الذي يوجه كتابته فاكتشفت أن الكتابة هي التي توجهني، وهي التي تكشف لي عن أسرار شخصيتي ومشاعري، وهي التي تحلِّل سلوكي وتشرح ردود أفعالي.. كم كان ذلك مدهشاً بالنسبة لي أن أتعرَّف على نفسي من خلال كتابتي.. وكأن الكتابة هي التي أيقظتني ولفتت انتباهي إلى أمور لم ألاحظها في شخصيتي وحياتي قبل كتابتها!
6. كنت كاتباً تقريرياً، حاداً في خطابي، رسمياً في مفرداتي.. أنفر من الوسطية في كل شيء وأراها خنوعاً ونفاقاً.. لغتي حينما أكتب جافة وأحكامي أحكام قاضٍ يخاف على نزاهته أكثر مما يخاف الله في خلقه.. قاضٍ يميل إلى العقاب أكثر من الثواب متبعاً في ذلك كل السبل سواء بنص القانون إن وجده أو بروح القانون إن لم يجده.. كنت أرى أن إبداء الرأي المقصود به النقد والنقض والاستهزاء دون اعتبار لتجربة أو سن أو وجهة نظر! ثم بعد أن تقدمت بي السن اكتشفت كم كنت مغيباً عما تعنيه الكتابة.. فالكتابة إبداع والإبداع رهافة حِسّ وذوق، ومشاعر إنسانية، وملكة عقلية.. كلها تجتمع في شخص المبدع لحظة إبداعه.. ومن المؤسف أن يستخدمها المبدع لأذية الآخرين أو جرح مشاعرهم.