محمد سليمان العنقري
هذا ما يتوقعه محللون من بنك أوف أميركا، أحد أكبر البنوك العالمية وهو الذي تأسس عام 1930 م ويقع مقره في نيويورك ويدير أصولاً تبلغ نحو 1.4 تريليون دولار ويعمل في 35 دولة ولديه 66 مليون عميل حول العالم ويعد من البنوك ذات التأثير الواسع في حركة أسواق المال والسلع مما يعطي أهمية كبيرة لتقاريره، حيث ربط البنك توقعه باحتمال أن يصل سعر برميل النفط لحاجز 100 دولار خلال الستة أشهر المقبلة، حيث ربط توقعه بأن يكون الشتاء أكثر برودة، ما سيتسبب في قفزة بزيادة الطلب على النفط من مليون إلى مليوني برميل مما يمثل صدمة غير متوقعة للسوق ولا يمكن معها أن يلبى الطلب عبر زيادة العرض بالسرعة التي سيزيد بها الطلب حال تحقق توقعه.
ويمكن القول إن البنك لم يغير رأيه بخصوص الوصول إلى سعر المائة دولار، بل فقط يتوقع الوصول لهذا السعر قبل الموعد الذي طرحه سابقاً، أي أن العوامل الدافعة لصعود الأسعار قائمة ولم تتغير كما يتوقع البنك أن يختم خام برنت هذا العام عند سعر 75 دولاراً ما يعني أن المتوسط للعام كله سيبقى حول 70 دولاراً وهي مستويات جيدة ومناسبة للمنتجين والمستهلكين للحفاظ على سوق نفط متوازنة في مرحلة التعافي من تأثيرات جائحة كورونا التي كبدت العالم خسائر ضخمة قدرتها بعض الدراسات بنحو 28 تريليون دولار على مدى خمسة أعوام منذ بدأت شرارتها عام 2020، فيما ضخ العالم أكثر من 12 تريليون دولار لاستيعاب صدمة الانكماش الاقتصادي الذي وقع الاقتصاد العالمي بسببها والعودة للنمو، الذي بدأت ملامحه تظهر هذا العام بشكل واسع وقد لا يكون بنك أوف أميركا الوحيد الذي توقع الوصول إلى سعر 100 دولار العام المقبل أو الذي يليه، لكنه كان الأكثر تأكيداً، بل ربط ذلك سابقاً بعوامل إضافية منها العودة السريعة غير المتوقعة لبعض الأنشطة الاقتصادية. ففي أمريكا كان عدد المسافرين بالطائرات قبل الجائحة يصل إلى 2.3 مليون مسافر يومياً وحالياً وصل الرقم اليومي إلى مليوني مسافر أي اقترب من أرقام ما قبل الجائحة، إضافة إلى تغير التعامل مع الاحترازات، حيث لم يعد هناك رغبة بأي إقفالات واسعة دولياً وأصبح التعامل مع الفيروس مختلفاً ومبنياً على معرفة أوسع بخصائصه، كما ذكر سابقاً بأن استخدام المركبات الخاصة بدلاً من النقل العام سيزداد عن السابق، نظراً لرغبة المستهلكين في مزيد من أخذ الحيطة من انتقال العدوى عبر الأماكن المزدحمة.
وإذا ما تحققت توقعات البنك بالعامل الإضافي المرتبط بالأحوال الجوية فإننا سنكون أمام مشهد جديد في التعامل مع أسواق الطاقة من حيث تعامل مجموعة «أوبك +» مع خطتها لزيادة الإنتاج تدريجياً المتفق عليها حالياً وهل سيمثل مثل هذا السعر تحدياً للمجموعة؟ وماذا سيحدث في توجهات زيادة إنتاج النفط الصخري الأمريكي؟ وأيضاً هل سيحفز هذا السعر تسريع الخطوات نحو ضخ مزيد من الاستثمارات لزيادة إنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة وزيادة التوجه نحو السيارات الكهربائية وطرح خطط لتحفيز المستهلكين على اقتنائها؟ وبالمقابل هل تدعم مثل هذه الأسعار عودة ضخ الاستثمارات لزيادة إنتاج النفط عالمياً بعد توقفها قسرياً مع انهيار الأسعار في العام الماضي أم سيرى المستثمرون في قطاع النفط أن هذه الأسعار غير مستدامة ونتيجة عوامل مؤقتة لا تشجع على ضخ أي استثمارات للمدى الطويل، فصناعة النفط دائماً ينظر في قياسها لمدد زمنية طويلة وأيضاً لا يمكن إغفال أن العالم بات ينظر للاستمرار بضخ الاستثمارات بالنفط كعامل إستراتيجي يمنع صعود الأسعار المفاجئ ويحافظ على توازنها ويفتح المجال لتشغيل ملايين العمال في القطاعات التي تخدم صناعة النفط، فانهيار الأسعار ليس جيداً على المدى البعيد.
الحفاظ على توازن الأسعار وتناسبها مع حالة الاقتصاد العالمي ودفتي العرض والطلب ما زال يواجه تحديات، فمن جهة يدعم الارتفاع انخفاض الدولار والسيولة العالية في الأسواق وأسعار الفائدة المنخفضة، أي زيادة المضاربات إضافة لعوامل تحسن الطلب والتوسع بتوزيع وإعطاء اللقاحات عالمياً، خصوصاً الدول المتقدمة الأكثر استهلاكاً للطاقة، ما قرب كثيراً منها للعودة للحياة الطبيعية، إضافة لمحاولات محدودة لكبح تصاعد الأسعار بضخ بعض الدول من مخزونها، كما فعلت الصين حالياً بالرغم من أن ذلك يعني العودة مجدداًً لتعويض مع تم ضخه من هذا المخزون مما قد لا يكون عاملاً مفيداً للمستقبل، فإذا زاد الطلب فجأة واضطرت الدول التي استخدمت بعض من مخزونها لإعادة تعويضه لأسباب إستراتيجية فإن ذلك قد يلهب الأسعار أكثر من توقعات بنك أوف أميركا، خصوصاً أنه بالشق الفني لحركة الأسعار في حال تجاوز البرميل 78 دولاراً الذي تراجع منه مؤخراً واستطاع بعدها تجاوز قمة 2018 عند 86 دولاراً فإن المجال يكون متاحاً للوصول لمستويات 115 دولاراً أمريكياً، بينما يبقى عامل الخطورة الذي قد يبدد كل هذه السيناريوهات هو أي تحور جذري بفيروس كورونا وإن كان احتمالاً ضعيفاً قد يلغي فاعلية اللقاحات ويعيد العالم للمربع الأول في مواجهة هذا الوباء.