عبدالوهاب الفايز
وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في السنوات الأخيرة تبنت إحداث نقلة نوعية لتنسيق الجهود والامكانات في القطاع الخيري، والآلية الجديدة التي دعمتها الوزارة، ووضعها الوزير المهندس أحمد الراجحي في قائمة أولويات الوزارة، هي المبادرة لإنشاء المجالس التنسيقية المتخصصة، فقد تم إنشاء مجلس المؤسسات المانحة، ومجلس الجمعيات الخيرية في المملكة، ومجلس آخر للجمعيات الخيرية في منطقة الرياض.
وهذه تضاف إلى مجلس الجمعيات التعاونية، وتم دعم هذه الكيانات بإنشاء وحدات إدارية متفرغة للقطاع غير الربحي في جميع الوزارات تتولى مساعدة وزارة الموارد البشرية في ادارة وتنمية القطاع غير الربحي، بالذات تولي تقديم الدعم الفني ومتابعة تسهيل الاعمال التشغيلية.
هذا التطوير تم دعمه مؤخرا بإطلاق أعمال (المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربح) والذي يسعى لتنظيم وتفعيل الدور التنموي الحيوي لـ (منظمات القطاع غير الربحي وتفعيله وتوسيعه في المجالات التنموية، والعمل على تكامل الجهود الحكومية في تقديم خدمات الترخيص لتلك المنظمات، والإشراف المالي والإداري والفني على القطاع، وزيادة التنسيق والدعم).
هذه المنظومة الجديدة من الكيانات الاعتبارية سوف نرى أثرها الإيجابي على القطاع، حيث ستكون الصوت القوي المنظم المحترف الذي سوف يساعد الأجهزة الحكومية لتفعيل وتعظيم دور منشآت القطاع الثالث بشكلٍ عام حتى تحقق مستهدفات رؤية المملكة في مجال التنمية الاجتماعية. كما تساهم في تعزيز الصورة الذهنية الايجابية للقطاع.
ولزيادة التنسيق حرصت الوزارة على إنشاء المجالس الفرعية للجمعيات متشابهة النشاط، ومن احدث هذه الكيانات الاعتبارية (المجلس الفرعي للجمعيات الخيرية المتخصصة في حفظ النعمة) في المملكة، ويجمع 33 جمعية خيرية، والذي بادر لتوحيد الجهود المبذولة لحفظ النعمة. وأهم خطوة انطلق منها هي إعادة تعريف دور الجمعيات ليتجه إلى حفظ جميع النعم التي بين أيدينا مثل الملابس. وهذا المجال له قصة مؤلمة في التفاصيل .. ومفرحة في الفرص!
أولا نتحدث عن الألم الذي يلمسه كل من اقترب إلى هذا المجال الذي أهملناه لسنوات عديدة وترتب على ذلك ضياع فرصة استثمارية كبرى للقطاع الخيري وللمحتاجين. هذا المجال أصيب بعدوى (التستر التجاري) الذي استنزف خيراته وكان القطاع مساهمًا فيه، وأيضًا تلحق المسؤولية الجهات الحكومية التي كانت ضعيفة في الرقابة والمتابعة.
المهم: ثمة أمور مفرحة في هذا القطاع. وهنا نحن أمام التاجر الإيجابي الذكي الذي لا يجيد (تفتيش الدفاتر القديمة)، إنما يستثمر جهده وطاقته الايجابية للبحث عن الفرصة الجديدة، وهذا تقريبا ما فعلته قيادات المجلس المنسق لحفظ النعمة.. إذ اتجهوا إلى اكتشاف واقع تدوير المستلزمات الشخصية من (ملابس وحقائب واحذية وإكسسوارات) في المملكة عبر إجراء الدراسات السوقية المحترفة، والتي دعموها بالخبرة والمعرفة الفنية التي تجمعت لديهم خلال العمل في هذا القطاع.
منذ سنوات تم إعطاء الجمعيات امتياز جمع تبرعات العائلات السعودية والمحلات التجارية من المستلزمات الشخصية، وغيرها من المصادر. في هذا العالم الخفي علينا ثمة فرص ذهبية للاستثمارات النوعية ذات العائد المالي السخي. التقديرات الاولية المتحفظة للدراسة تضع حجم الاموال المدورة في هذا القطاع بأكثر من 50 مليار ريال سنويًا، وتقدير العائد على الاستثمار المتحفظ جدًا يتجاوز الـ 100%، ومع الأسف ان الجمعيات الخيرية في السنوات الماضية لم يصلها سوى القليل جدا: أي واحد بالمئة! (تقول الأرقام: اقل جمعية تجمع 100 طن، وفي الطن 3000 قطعة في المتوسط، والسعر النهائي للقطعة يصل إلى 20 ريالاً). ممكن أحد يحسب؟!
الناس تتبرع، وتكاليف التشغيل في النشاط محدود، ويصعب تطبيق الضريبة والرسوم.
هذه السوق المربحة ماليا للجمعيات الخيرية يتعدى أثرها الإيجابي إلى الاقتصاد الوطني بشكل عام. دراسات الجدوى لهذا القطاع تشير إلى سلسلة امداد وتوريد واسعة، وفي كل جزء ثمة فرص عمل، وريادة أعمال، ومسارات تجارية مربحة في غسيل الملابس، وفي الجمع والفرز، وفي المشاغل النسائية، وفرص التصدير للخارج، وثمة مكاسب في البيئة، وسلامة المنازل، والأهم: محاربة التستر وضبط تدفق الأموال الرهيب المخيف، والذي قد يهدد أمننا الوطني.
أيضاً المكاسب الايجابية تتعدى إلى توفير الاستدامة المالية للجمعيات مما يساعدها على توسع خدماتها، وكذلك تتيح فرصة لتوظيف المشمولين بالضمان الاجتماعي، وتوفير الملابس وجميع المستلزمات الضرورية المنزلية والطبية للمحتاجين بحالة جيدة ونوعية. وأيضاً تعطي الفرصة لإيجاد منافذ لتصريف الملابس الغالية الثمن (الماركات)، والتبرع بعوائدها المالية للجمعيات الخيرية.
هناك تجارب دولية نجحت في تصريف وتدوير مختلف الأشياء التي يستغني عنها الناس، ونجاح هذه التجارب تقدم الفرصة للتعلم وبناء المشاريع الاستثمارية النوعية للقطاع الخيري، وأبرز الآليات التي نجحت هي (شركات الاستثمار الاجتماعي) التي تستهدف تحقيق الآثار الخيرية والاجتماعية والاقتصادية.
هذا الشكل الجديد للشركات يلقى اهتمامًا عالميًا، وتقدر الأموال المستثمرة فيه بأكثر من ألفين وثلاثمائة ترليون دولار عام 2020، والاستثمارات مرشحة للتصاعد مع تنامي مشاكل الفقر في العالم واتساع الهوة بين الأثرياء والفقراء، وخبراء التنمية الاقتصادية الانسانية يرون ان هذا الخيار الثالث للاستثمار هو الذي سوف يحدث التدخلات الاستراتيجية لردم هوة الاحتياجات ويدعم جهود الحكومات لمحاربة الفقر.
والحديث الممتع في هذا السياق سوف يتجدد.