خالد بن حمد المالك
في عام 2018م كنت على موعد مع زيارة لمدينة فاس بالمملكة المغربية لحضور واحد من مهرجاناتها الخاص بالموسيقى العالمية، ولفاس اهتمام غير عادي بالمهرجانات القائمة على مبادئ التسامح، واحترام الآخر، بما جعلها بيئة جاذبة للتراث العالمي باهتمامها بكل الثقافات منذ عقد ونصف، كونها تفاعلت في هذه المدينة الجميلة كما في المدن المغربية الأخرى كل الحضارات.
* *
يقول مؤسس المهرجان ورئيسه سابقًا الوزير ثم المستشار محمد القباج إن هدف المهرجان ينحصر في ترسيخ الجامع المشترك، وتذويب تضاريس اللا عقلانية والأحقاد، والتوجه نحو التقريب بين الشعوب، والتأسيس لأسرة إنسانية واحدة تتصدى لكل النزوات الضالة، والأفكار المغرضة التي يروِّج لها عادة التضليل والتعصب.
* *
وتقدم مهرجانات فاس برنامجًا احتفاليًا سنويًا لكل الثقافات العالمية من خلال الموسيقى، ومن خلال النقاشات والندوات التي تجري بموازاة مع المهرجان الموسيقي أيضًا، وكذلك المعارض التي جعلتها مقصدًا لكل المريدين من القارات الخمس كما يقول المؤسس لهذا المهرجان الموسيقي المذهل.
* *
ويشير مؤسس المهرجان محمد القباج إلى أن مهرجان فاس من خلال الفن يسعى إلى إبراز مواجهة الإرث التقليدي العالمي مع العولمة الثقافية، واستكشاف الحضارات الكبرى لآسيا وإفريقيا والشرق والغرب، بمعنى أن المهرجان - كما يقول - بمثابة إنصات لنشاط جديد يحمله فنانون أصيلون، كما أنه منذ عام 2001م أصبح فضاءً للنقاش حول مواضيع مختلفة.
* *
ويقول ملك المغرب محمد السادس في كلمة له على شكل رسالة موجهة للقائمين على المهرجان إن رمزية المكان - يقصد فاس - الذي تلتقون فيه، وعبق التاريخ العريق الذي ينشر شذاه، في رحاب هذه المدينة تضفي على ملتقاكم طابعًا فريدًا، في لوحة متناغمة الألوان، وسمفونية متناسقة الألحان، هذه المدينة التي قيل فيها بحق (إن العلم ينبع من صدور أهلها، كما ينبع الماء من عيونها)، ويأتي هذا النشاط الموسيقي بوصفه نموذجًا حضاريًا يجمع بين الأصالة والانفتاح.
* *
وإذا علمنا أن جامعة القرويين أنشئت بفاس منذ القرن السابع الهجري، الثاني عشر الميلادي، وأنها أول جامعة في العالم، أدركنا أهمية مدينة فاس لتكون ملتقى للثقافات، ومصدر إشعاع للحضارات، وبيئة جاذبة للعلم والعلماء، وأن ابن خلدون وابن طفيل وغيرهما ممن أثّروا في المفكرين الكبار في أوروبا ومختلف دول العالم هم من هذه المدينة.
* *
ينظّم المهرجان في ثلاثة مواقع في المدينة ولمدة عشرة أيام، ليجد جمهور فاس نفسه أمام إبداعات عدد من الفنانين المغاربة وفنانين آخرين من خارج فاس، بل ومن خارج المغرب من الذين يشاركون موسيقيًا في باب المكينة، ومتحف البطحاء، كما أشار إلى ذلك مؤسس المهرجان، لكن الأهم من ذلك أن فاس من خلال هذا المهرجان الموسيقي العالمي أصبحت تشكِّل حدثًا بارزًا للموسيقى العالمية، وفضاء متميزًا للتسامح وفهم الآخر، مدعومة بالاكتشافات الفنية والثقافية الجديدة.
* *
يقول ملك المغرب محمد السادس في تعريفه للموسيقى إن (الموسيقى تخاطب في الإنسان روحه ووجدانه وإحساسه، لأنها مشتقة من طبيعته القائمة على التناسق والتناسب كما قال أحد الحكماء، ولاسيما حين يسمو به عن نزوعات التعصب، والانغلاق، ويتعالى عن أسباب النفور والشقاق)، أي أننا أمام دعم لا حدود له من العاهل المغربي للموسيقى والثقافة والعلم، وترحيب منه لكل مهرجان يخاطب العقل، ويثري الإنسان بالمزيد من العلوم والنشاطات الثقافية.
- يتبع