د. خيرية السقاف
من حكم العقلاء ما كان يتخذها المربون في محاضنهم مساطر للحدود, ومصابيح للإضاءة, وبوصلة للاتجاه, وضوابط للسلوك كقولهم: «لكل مجلس جليس, ولكل مكان لبوس»..
وعليه فإن ما يُقال في حضور لا بد أن يتجانس والجالسين فيه في اختصاص علمي, كان, أو معرفي باختلاف مجالات المعرفة, أو تجانساً في مجال خبرة ضمن مجالات الممارسة عملية, أو فكرية, أو مهنية, بما فيها من تجانس موهبة, وخبرة, بمختلف معطيات, ومنجزات الأفراد في هذه الحياة, من داخل جدران البيت, لقاعة الدرس, لمختبر البحث, لدولاب الطحن, لتحريك الآلة, لتربية الوليد, لعلاج المريض, لتفعيل المال, لتحريض التربة, لاكتشاف المنجم, لحفر الصلب, لاقتحام فراغ العقول, ومكنون الأجساد بما فيه الفضاء ومأهولاته, والمطبخ ومأكولاته, والتربية وموجباتها, والمهن وأدواتها, والفكر ومجرياته, والفن ومنجزاته...
خليط الآن هي المجالس, باختلافها
إذ حتى المجالس اليوم اختلفت,
وطغى الافتراضي منها على ما سواه..
عجاج وضجيج..
أصوات تتداخل, ومعطيات تُبتسر..
ومظهر في كثير لا يسر..
كلٌ يدعي وصلاً بـ»ليلى», و»ليلى» التي يُقال عنها غارقة في غموض, وتسطح, وزيادات ليست تنتمي لجذر أرضها, ولا تأتي بثمر شجرها..
فالمجالس بما فيها «الفضاءات» المستجدة تعج وتضج..
والبيوت فرغت من الحكمة, ومجالس الحكماء..
والناشئة يتلقون عن كل جالس, وجليس..
والذائقة تتململ في الباطن, وتحتمي ببقايا ما درَّبها عليه قوم مضوا,
كانوا يقفون احتراماً في مجالسهم باختلاف جلسائها..
مؤونتهم تدريب, ونتائجهم سلوك, وآخر دعواهم:
اللَّهم معرفةً تعم, وضوابطَ تَحدُّ, وتمييزاً تشرق به النفوس..
وتُسرُّ به العيون..
إذ «لكل مجلس جليس», و»لكل مكان لبوس»..!