شعر امرئ القيس يزخر بالأماكن المشهورة في جزيرة العرب، ويكتمل حسن تذوّق شعره بالتعرّف على هذه الأماكن في مظانها. وقد سبق لي أن نشرت تحقيقين عن أماكن وردت في شعر امرئ القيس.
التحقيق الأول عن مواضع في عالية نجد الجنوبية مثل صفا الأطيط وهضب ذي أقدام وسحام الواردة في أبيات امرئ القيس التالية:
لمن الديار عرفتها بسحام
فعمايتين فهضب ذي أقدام
فصفا الأطيط فصاحتين فعاسم
تمشي النعاج بها مع الأرآم
والتحقيق الثاني كان عن مواضع الدخول وحومل وسقط اللوى الواقعة في التيسيه شرق القصيم، كما وردت في مقدمة معلقة امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل
واليوم يطيب لي عرض التحقيق الثالث الذي يخص ثمانية أماكن من معالم حمى فيد التي ذكرها امرئ القيس في هذه الأبيات الثلاثة وهي:
فلما تدلى من أعالي طميّه
أبسّت به ريح الصبا فتحلّبا
سقى واردات فالقليب ملعلعا
ملثُّ سماكي فهضبة أيهبا
فمرّ على الخبتين خبتي عنيزة
فذات النقاع فانتحى وتصوّبا
وقد انفرد السكري بروايتها في ديوان امرئ القيس. ويتضح من مفردات هذه الأبيات أن امرأ القيس طرب لكثافة السحب فيما بين سميراء ومخارم طميه، فطفق يتغنى بوصف تراكم السحاب وقربه من أديم الأرض حيث لعلع رعده، وساقته الرياح وروضته على الهطول، فتحلب المطر ثم إنهمر ودقه، وسال على أديم الأرض، وتحققت سقيا القليب وواردات وما حولها، وألث مطره إلثاثاً أي دام المطر أياماً لا يقلع، يسقي خبتي عنيزة أي خبت الإهالة وخبت الخلة المتعطشة، وعم المطر ذات النقاع وأيهبا القريبتين من مورد شرج (أي شري) في الوقت الحاضر. وذكر أن المطر سماكي أي نزل بنوء السماكين الرامح أو الأعزل.
ما أجمل شعر امرئ القيس فهو يجمع الأوصاف المتعددة، ببلاغة متمكنة، ومفردات عذبة، تعزف أنغاماً وألحاناً شجية.
كما يتضح من قراءة وتمعن هذه الأبيات الثلاثة قدرة امرئ القيس وقريحته الفطرية وبلاغته الشعرية حيث جمع ثمانية أماكن في تلك الناحية من حمى فيد في ثلاثة أبيات فقط. هذه الأماكن الثمانية هي: واردات، القليب، أيهب، الخبتين وهما خبت الإهالة، وخبت الخلة، جبيل عنيزة، وذات النقاع، وجبل طمية الأشم وهو الأبعد. والجدير بالذكر أن جبل طمية وواردات هما المعلمين اللذان احتفظا باسميهما فقط حتى تاريخه.
وسوف يتم تعريف هذه الأماكن أدناه كما أفادت به معاجم البلدان.
وسنبدأ التعريف: بجبل طميه الأشم:
وهو جبل أحمر مشهور في القديم والحديث، وعر الأعلى. يقع جبل (طمية) في أقصى الغرب لمنطقة القصيم على بعد حوالي مائتي كيل تشاهده قريبا منك على يمينك وأنت على الطريق السريع وأنت ذاهب للمدينة النبوية.
قال لغده الأصفهاني: طمية عَلَمٌ أحمر صعب منيع، لا يرتقى إلا من موضع واحد، وهو رأس حزيز أسود يقال له العرقوة . وهو أذكر جبل بالبادية .
قال العبودي: قوله : أذكر جبل بالبادية يريد أشيع جبال البادية ذكراً وتلك مكانة لا تزال باقية له في حواضر نجد فلا يكاد يوجد أحد لم يسمع بطمية بخلاف غيره من الجبال.
كما ذكر الأديبي طمية أخرى غير معروفة في الوقت الحاضر، فقال: (طمية هضبة بين سميراء وتوز، يسرة طريق الحاج وهم مصعدون ويمنة وهم منحدرون).
واردات : جاء في «معجم البلدان»: جمع واردة - موضع عن يسار طريق مكة وأنت قاصدها. قال أبو عبيد السّكونيّ: الربائع عن يسار سميراء، وواردات عن يمينها، سمر كلها، وبذلك سمّيت سميراء.
قال الشيخ حمد الجاسر: يطلق اسم واردات على جبل يقع شمال بلدة سميراء بميل نحو الغرب - وهو يطلّ عليها يرى رأى العين، ويناوحه من جهة الجنوب جبل غسل - غير غسل الذي في غرب شمال أجا - ويمر وادي توز (التّوزيّ) في شرقي واردات، وسيل الجهة الشرقية من واردات يدكّ فيه. ويبعد جبل واردات عن مدينة حايل بنحو 160 كيلا في الجنوب الشرقىّ.
القليب : تصغير القليب - عدها صاحب كتاب «بلاد العرب» من مياه بني نمير من أسد، وذكر أنها فوق الخربة وقال: (ثم فوق ذلك ماء يقال له القليّب، ...... وفوق ذلك ماءة تسمى الحوارة لبنى نبهان من طيّء). أقول والحوارة مازالت معروفة في الوقت الحاضر.
وأرجح أن اسم القليّب تغير إلى مسمى البير في الوقت الحاضر، وهي قرية مأهولة وفيها نخل وزروع، وتقع جنوب طابه في شرقي سلمى بميل نحو الجنوب.
جبيل عنيزة (الحويض): ويسمى جبيل الحويض في الوقت الحاضر. قال الهجريّ في وصف حمى فيد : (وأول أجبله على ظهر طريق الكوفة بين الاجفر وفيد (جبيل عنيزة )،.....، وإلى جنبه ماءة يقال لها الكهفة. وبين فيد والجبيل 16 ميلا.) انتهى.
خبت الإهالة (تخاييل): أقول هي إحدى الخبتين التي ذكرها امرؤالقيس وهو ما يطلق عليه تخاييل في الوقت الحاضر.
قال البكري: موضع بين جبلي طي وفيد، وفيه قال عبد الرحمن بن جهيم الأسدي:
ألمت بنا سلمى طروقا ودونها
قداميس سلمى والكراع فلابها
فغلان صحراء الإهالة دونها
ففيد، فجنبا أبضة فهضابها
ويقول الشيخ حمد الجاسر: صحراء الإهالة التي بقرب فيد تمتد من قرب فيد شرقاً الى جهة الأجفر وما حولها.
خبت الخله (الدويه): أقول هي إحدى الخبتين الذي ذكرها امرؤ القيس. قال الهجري: في وصف حمى فيد: (ثم يليه صحراء الخله، عن يمين الأجفر على ستة وثلاثين ميلاً من فيد... ليس بها جبل) أقول وتسمى في الوقت الحاضر الدويه.
أيهب: بالباء الموحدة: موضع في بلاد بني أسد قليل الماء، قال النابغة:
رعى الروض حتى نشت الغدر والتوت
بدجلاتها، قيعان شرج وأيهب
وقال طفيل الغنوي:
رأى مجتنو الكراث من رمل عالج
رعالاً مطت من أهل شرج وأيهب
يقول الشيخ حمد الجاسر: على أنه يفهم من كون النابغة وطفيل قرناه بشرج تقارب الموضعين. وشرج يطلق عليه شري في الوقت الحاضر.
ذات النقاع: الراجح لدي أن ذات النقاع هي ما يطلق عليها أم عماره في الوقت الحاضر وتقع بين تخاييل وشري. وهي منخفض يجتمع فيه ماء المطر، ويوجد به آثار جاهلية قديمه.
يقول الشيخ حمد الجاسر: ويقصدون بالعمارة والعماير والعميرة آثار العمران القديم.
هذا ما تم تحقيقه بحمد الله وتوفيقه.
المراجع:
1 - المعجم الجغرافي شمال المملكة العربية السعودية - حمد الجاسر
2 - معجم بلاد القصيم - محمد العبودي
3 - بلاد العرب - لغدة الأصفهاني
** **
- محمد بن عبدالله الخيال