صبار عابر العنزي
أصبح مفهوم الصورة الذهنية شائع الاستعمال والتداول في مواقع التواصل الاجتماعي بصورة كبيرة، وكذلك في الأبحاث العلمية الاجتماعية المعاصرة بوضوح وفي الدراسات الاتصالية والإعلامية عموماً، فضلاً عن وفرة استعماله في مجالات أخرى كالفلسفة وعلم النفس وعلم النفس الاجتماعي وغيرها من الحقول المعرفية...!
وقد صرفت بعض الدول المليارات من الدولارات من أجل تحسين الصورة الذهنية، والغالب من هذه الأموال ذهب بلا نفع ولا فائدة ولا تأثير لأنه يخاطب الآخر بثقافته الشخصية لا بعلم ومعرفة وثقافة المستقبل لهذه الرسائل الإعلامية...!
ومصطلح الصورة الذهنية يتكون من كلمتين هما الصورة والذهنية، فالصورة تعني ظاهر الشيء وحقيقته وشكله الذي يتميز بها، أما كلمة الذهنية فهي تشير إلى الذهن أي العقل والفهم والقدرة على التصور وتخيل انعكاسات هذه الصورة بما تحمل من مضامين وقيم معينة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية...
وقد ورد تعرف في قاموس وبستر الدولي في طبعته الثانية عن الصورة الذهنية على أنها تشير إلى التقدم العقلي لأي شيء لا يمكن تقديمه للحواس بشكل مباشر، أو هي إحياء أو محاكاة لتجربة حسية، وهي أيضًا استرجاع لما اختزنته الذاكرة أو تخيل لما أدركته حواس الرؤية أو السمع أو اللمس أو الشم أو التذوق...
بل هي الانطباع الذي يكونه الفرد عن الأشياء، متأثراً بالمعلومات المختزنة عنها وفهمه لها، وبذلك فإن (الصورة الذهنية) هي نتاج تفاعل عناصر المعرفة والإدراك، وهذه الصورة الذهنية للأشياء والموضوعات المحيطة تؤثر مرة أخرى في إدراكنا لها، فمن خلال المعلومات الناقصة أو الاعتقادات السلبية عن أحد الموضوعات يتكون إدراك خاطئ يؤثر في تصورنا عن هذا الموضوع...!!
والصورة في معناها الفيزيائي هو الانعكاس، ولكن هذا الانعكاس يظهر لنا جزءًا واحدًا من الصورة المنعكسة في المرآة بحيث يظهر التصور والانطباع الذي يحمله الإنسان في ذهنه عما يرى انعكاسه، وهذا ما يحصل تماماً عند تَكَوُن الصورة الذهنية عن دولةٍ ما لدى الأشخاص...
فمثلاً الصورة الذهنية التي أخذت واستقرت في العقول عن المملكة العربية السعودية أنها تمثل ثقلاً سياسيًا واقتصاديًا؛ على المستوى العالمي والعربي والإسلامي، وتُعد واحدة من أهم ثلاث دول في العالم في قطاع الطاقة إضافةً إلى روسيا وأمريكا، فهي أكبر دولة في الشرق الأوسط وأكبر اقتصاد للسوق الحرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأكبر مصدر نفط خام في العالم، وهي كذلك رائدة في مجال الأعمال الإنسانية، حيث تمتد إلى أكثر (50) دولة في أنحاء العالم لمساعدة المتضررين من الحروب والكوارث الطبيعية...
ورغم كل ما تواجه من حروب ناعمة معلنة أو خفية إلا أن الانطباعات الإيجابية لدى عامة الشعوب أكثر من جيدة، ومهما حاول البعض الضرب تحت الحزام إلا أن البقاء للأصلح والأصدق، وهذا لا يعني التخلي نهائيًا عن ممارسة الدور المناط بنا كجهات مختصة أو أفراد لتقديم النموذج الأمثل لماهية الإنسان والأرض والوطن في تنقلاتنا وعلاقاتنا وأعمالنا...
وأشير أنه لابد من تأصيل الصورة الذهنية المقبولة لدى العامة والعمل على تجديدها من خلال تعزيز الرؤى وانطلاقة المشاريع التنموية الكبيرة والحديثة وما تشهده المملكة من تطورات إيجابية في المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية، والمشاريع الرائدة كمشروع الطاقة الشمسية، ونيوم، والقدية، وكذلك إنتاج مصادر بديلة للنفط، تجعل الصورة الذهنية المنطبعة عن المملكة لدى الكل لاسيما الأجانب قد أخذت شكلاً جديدًا وغير نمطي...
فالمملكة أصبحت تزهو بأقوى وأجمل الإمكانيات التي تشكل صورة ذهنية إيجابية وواضحة مبنية على تاريخها وسياستها وفلسفتها وقراراتها وأهدافها وإنجازاتها ومساهمتها دولياً في الجانب الديني والسياسي والاقتصادي والثقافي والتقني...
وأخيراً إذا كان هناك من توصية محب فإننا بحاجة ضرورية جدًا لإيجاد كيان مستقل مؤهل يرسم ويتبنى وضع الإستراتيجيات والآليات ويدرك كيف يخاطب الثقافات والشعوب والمستويات العمرية المستهدفة في العالم لتكون في مستقبل الأيام صوتًا منصفًا وقويًا يساند هذا الوطن العظيم في تحدياته المستقبلية...