الحمد لله على قضائه وقدره قضى وقدر.. له ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده في كتاب.
كم هي اللحظات الحزينة التي تعاودنا في هذه الدنيا، فنحمد الله على كل حال، أفراحًا وأحزانًا وآمالاً وآلامًا، فكم من راحل بيننا، فهم السابقون ونحن اللاحقون، ففي الأمس القريب رحل عن دنيانا شيخ فاضل، الشيخ الدكتور الغالي على الجميع محمد بن عبدالله المحيميد بعد مرض ألَمَّ به، أسأل الله أن لا يحرمه الخير وأن يكتب له الأجر على ما عانى من الآلام، فالحمد لله على كل حال، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}، كم نحزن وكم نحزن على فراقهم ولكن هو القدر شئنا أم أبينا الكل منها راحل، ولا يبقى إلا وجه ربك الأعلى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يقبله ويجعله ممن أتى الله بقلب سليم. اللحظات تمر علينا في فقد أحبة لنا، فكم داهمت المنايا من أسرة سعيدة فبدَّلت أفراحها أحزانًا، فقد ودعنا عالماً وافياً الأستاذ الدكتور في جامعة القصيم الدكتور محمد - رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى- فهو عزيز غالٍ على الجميع فكان وقع خبر وفاته - رحمه الله - على أهله خاصة وأحبائه وأصدقائه وطلابه عامة مؤلماً وقع كالصاعقة، لأنهم فقدوا شخصاً لم يعهدوا منه سوى الابتسامة وحسن الخلق والكلمة الطيبة والتعامل الأخوي، كان - رحمه الله - متسامحاً بشوشاً أحبه الصغير والكبير وكل من عرفه، وبكى عليه كل من فقده أهله، أحباؤه، طلابه، مسقط رأسه محافظة البصر، أهاليها شيباً وشباناً، نساءً وأطفالاً بكى عليه جماعته وجماعة يوم الجمعة، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان وأمطر على قبره وابل مغفرته ورحمته ورضوانه وأنزله منازل الأبرار والشهداء وجعل درجته في عليين، ذلك الرجل الذي عرف بدماثة خلقه وطيب قلبه ونقاء سريرته وكريم سجاياه وقربه من ربه، عاش حياته في طاعة ربه وخالقه منذ نعومة أظفاره وصغر سنه وهو ناشئ في عبادة ربه عز وجل، بدأ حياته وهو في ريعان شبابه إمامًا وخطيبًا للجامع الكبير يؤم ويخطب فيه، كانت له قراءة مؤثرة وصوت شجي مؤثر وخطب رائعة ومتقنة تؤثر في كل من سمعها، شهد له بذلك كل من عرفه، لكن إرادة الله ولا راد لقضائه، فعم الجميع الحزن والأسى ودمعت العين لفراقه، وكان في القلب لوعة وفي النفس حسرة وفي الصوت نبرة ولا نقول إلا إنا على فراقك يا أبا عبدالللمحزونون، فقد أحزنت الديار والعباد بفراقك، بغيابك، بوداعك، فكيف لمثلي أن يرثيك لكنها مشاعر فياضة أبت إلا أن تبوح فأنت علم عظيم محب للخير ساع فيه.
في يوم فراقه كشف الناس عما في قلوبهم من حب وتقدير لهذا الرجل، فهلت أعينهم بالدموع ولهجت ألسنتهم بذكر مناقبه والدعاء له، والناس شهداء الله في أرضه، فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنه مرت به جنازة فأثني عليها خيراً في مناقب الخير فقال (وجبت، إنكم شهداء الله في الأرض) وقد كان أحمد بن حنبل يقول (موعدكم يوم الجنائز).
رحمك الله يا أبا عبدالله فقط كنت كبيراً في حياتك فقيداً في مماتك، رحل الغالي عن هذه الدنيا الفانية، وبقي ذكره العطر وعلمه الذي ينتفع به إلى يوم القيامة، أسأل الله الكريم أن يتجاوز عنه، ويجعل قبره روضة من رياض الجنة ويتقبله مع الشهداء إنه على ذلك قدير، وعزائي لأهله خاصة ولأسرة المحيميد عامة وأقول رزقكم الله الصبر والاحتساب، ووفق الله أبناءه إلى بره وإحسانه والدعاء له، وهم نعم الأبناء وأهل لذلك، فالحمد لله على قضائه وقدره، والحمد لله على كل حال.
** **
- منيرة بنت صالح المحيميد