خالد بن حمد المالك
تم الإعلان -بعد طول انتظار- عن تشكيل الحكومة اللبنانية بـ24 وزيرًا سياسيًا سميت أسماؤهم من قبل الأفرقاء السياسيين أكثر من كونهم اختصاصيين برئاسة ميقاتي، أي أن ذلك تمَّ بعد سنة وثلاثة أشهر، وكان شهد خلالها لبنان فشل اثنين كُلِّفَا بتأليفها، ليظل دياب المستقيل يقوم بالعمل على رأس حكومة لتصريف الأعمال، على أن هذه الحكومة شكِّلتْ بضوء أخضر إيراني، وتكريساً لسيطرة «حزب الله» على القرار اللبناني وفقاً لما قاله رئيس حزب الكتائب سامي الجميل.
* *
السؤال: هل انتهت أزمة لبنان بالاتفاق على تشكيل الحكومة، وخرجت البلاد من النفق المظلم، ومن الشلل، حيث الجوع، والبطالة، والفساد، ونهب الأموال، وتسابق الأحزاب على إفشال مشروع الدولة المطروح لمنع لبنان من الذهاب إلى الجحيم؟ الجواب -برأينا- أن مستقبل لبنان لا يزال على كف عفريت، والعفريت الذي أعنيه هو حزب الله ومعه الرئيس اللبناني والتيار الوطني الحر.
* *
إذ لا يمكن أن يقوم للبنان قائمة، ومفاصل الدولة في أيدي عون ونصر الله وباسيل، حتى وإن تُشكَّلتْ الوزارة بتنازلات من رئيس مجلس الوزراء ومثلها من رئيس الجمهورية، مع ما يقال إن الرئيس عون احتفظ لنفسه بالثلث المعطِّل وإن كان بشكل غير مباشر، وهو ما أكده نائب رئيس تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علون.
* *
يتحدث الرئيس ميقاتي عن انتماء لبنان العروبي، وأن لا غنى للبنان عن دعم الأشقاء العرب له في المرحلة القادمة، وكأنَّ الدول العربية مجرد بقرة حلوب ليس لها من دور في لبنان سوى تقديم الأموال دون أي إصلاحات، مع بقاء لبنان يُسيَّر للتآمر على أشقائه من قبل حزب الله.
* *
وعندما يتحدث رئيس الوزراء عن أشقائه العرب المطلوب أن يدعموا لبنان، فهو يقصد -بالتأكيد- المملكة والكويت والإمارات وقطر، التي كان يعتمد عليها لبنان في جزء كبير من معالجة أوضاعه الاقتصادية والمالية، وهو ما لن يتم الآن ما لم تقدم الحكومة الجديدة ما يؤكد توقف حزب الله عن تآمره على هذه الدول، وبالأخص المملكة العربية السعودية.
* *
وطالما أن إيران تُسيِّر حزب الله، وترى في بيروت إحدى عواصمها، وطالما أن حسن نصر الله لا يتورع في خطاباته من الإساة إلى المملكة، ومن تدخل في شؤون دول مجلس التعاون بتحريض بعض مواطني دول المجلس على الفوضى والإخلال بالأمن، فلا أظن أن دعوة رئيس الوزراء ميقاتي ستجد القبول حتى وإن قال إن لبنان بحاجة إليها، وأنه ينتمي لها.
* *
لقد أبدت أمريكا والمجموعة الأوروبية وخاصة فرنسا اهتماماً بالشأن اللبناني، ووعدت بدعمه وتخفيف الأعباء على المواطنين إذا ما تم تشكيل الوزارة، وباشرت الحكومة البدء بالإصلاحات، وسنرى ماذا ستعمل هذه الدول لدعم لبنان، وهي التي تدعمها بكثير من الكلام وقليل من المال، وترك مصير دعمه الحقيقي لدول الخليج، دون أن تسهم أمريكا ودول أوروبا بقدر يساوي ما كانت تتحدث به هذه الدول الكبرى.
* *
أما إيران فلن يتغير موقفها المتآمر على لبنان، بإفشال أي مبادرات لانتشاله مما هو فيه، وستبقى طهران داعماً قوياً لحزب الله ليؤدي دوره في تنفيذ السياسة الإيرانية بإحداث الفوضى وعدم الاستقرار في لبنان، وامتداداً إلى دول المنطقة العربية، وهذا هو التحدي الذي سيواجهه ميقاتي كما واجهه سابقوه.
* *
ومادمنا نشير إلى حزب الله، تذكَّروا أن سلاح حزب الله بعد فشله في تحريك مناصريه في الدول الخليجية بدأ باستخدام تهريب المخدرات إلى دول الخليج كسلاح للإضرار بشعوب هذه الدول، وعندما منعت المملكة أي صادرات لبنانية تأتي للمملكة، وُضيِّق الخناق على هذا الحزب اللعين، بدأ تهريبها عن طريق طرف آخر، لكنها حتى مع هذا العمل الخبيث فشلت في تحقيق أهدافها.
* *
ما يجب أن تقوم به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن تحيِّد حزب الله والتيار الوطني الحر إن استطاعت، من أي ممارسة تفشِّل الأهداف التي تعيد لبنان إلى حضنه العربي، وتوقف التدخل الإيراني في الشأن اللبناني، وتحد من تسلط حزب الله واستقوائه على الحكومة، مثلما كان يفعل الحزب مع الحكومة المستقيلة برئاسة حسان دياب التي قيل عنها إنها حكومة حزب الله بأسمائها وقراراتها.
* *
وأمام ميقاتي وأعضاء حكومته لإنجاح هذه التوليفة من الوزراء مسؤولية كشف مَنْ كان وراء انفجار المرفأ، بعيداً عن التسويف، والتهرب من المسؤولية، وإلقاء التُّهَم على مجهول، بينما ما زال أهالي وذوو القتلى والمصابون والمشردون لا يجدون مَنْ ينصفهم، وأن هناك من يحمي ويدافع عن المجرمين.
* *
وأخيراً تُرى ماذا سيعمل ميقاتي أمام أزمات الكهرباء والمحروقات والدواء والبطالة وقضية انفجار المرفأ، وتهريب الأموال من المصارف، والفساد، وتحسين العلاقة بالدول العربية، والانفكاك من هيمنة إيران ونفوذها في لبنان، وكيفية التعامل مع حزب الله في ضوء تنامي قوته العسكرية على حساب الجيش وقوى الأمن، وما إلى ذلك من التحديات التي لها أول وليس لها آخر.