د. محمد بن صقر
تحتاج الوزارات والهيئات ومؤسسات الدولة كما الشركات إلى بناء سمعة عظيمة حول أدائها ومنتجاتها لا لغرض التسويق فقط وإنما لكسب ثقة الجماهير في استراتيجياتها ورؤيتها, وأطروحاتها التي تطلقها، فكما ذكرنا سابقاً في أحد المقالات أن الجماهير عنيدة بطبيعتها وتحب أن تعارض كل شيء جديد، ولكن متى ما وثقت في مؤسسة أو منظمة أيا كان مستواها أصبحت تؤمن بما يتم طرحه حتى وإن كان بالنسبة لهم شيئاً جديداً, هذه الثقة تبنى من خلال عدة أدوات واستراتيجيات ولعل من أهمها أو من أساسياتها هو إدارة السمعة وبناؤها كصورة ذهنية ترسخ لدى الجماهير بشكل إيجابي، لكن بناء هذا الصورة الذهنية يحتاج إلى جهود ومبادئ أساسية للقيام بها وباعتبار أنها ليست معضلة أو قضية تؤرق كثيراً من الأشخاص أو الشركات في الوقت الراهن، بل كانت قديمة وكُتب عنها في أدبيات مختلفة وممن كتبوا عنها وتميز في تحرير مفهومها هو «أيفي لي» صاحب لقب (أبو العلاقات العامة)، لأنه قدم الكثير من المبادئ الهامة «للعلاقات العامة» الاسم التقليدي لبناء السمعة حيث كان يعتبر أن النشر وحده لا يكفي لتأييد الجماهير، واعتبر أن الخطاب الجميل يجب أن يكون مرتبطا بالفعل الجميل كما قام برسم ملامح هذا المفهوم وتطبيقه وأدار ملف رجل الأعمال الأميركي المعروف روكفلر، الذي كان سخياً للجمعيات الخيرية والفقراء، ولكن السمعة التي كانت ترسم عنه مغايرة للحقيقة، ولا تدل على ذلك، أنه كان يبدو بخيلا، ومع ذلك كان شخصية صامتة أمام النقد الذي يواجهه.
وقد عمل «أيفي لي» مع روكفلر فأظهر موهبته في العلاقات العامة وإدارة السمعة، ونجح في تغيير الصورة الذهنية السائدة لدى الجماهير عن روكفلر، وتغيير اتجاهات الجماهير نحوه بشكل إيجابي، لأنه رسم الهدف الأساسي الذي عمل من أجله وحاول قرن أفعاله النبيلة بأقواله النبيلة، كما أن إدارة السمعة وبناء الصورة الذهنية العظيمة ليس مقتصراً على الأفراد وإنما أيضا يهتم بالمؤسسات والشركات العالمية، حيث إن بعض هذه الشركات قد تتعاقد مع شركات مختصة أو مستشارين في صناعة وإدارة السمعة، مما يعتبر من الأصول الأساسية للبقاء طويلاً فهذا المجال يعدّ من أهم المجالات في صناعة أي شركة أو منتج أو شخصية تتعامل مع الجماهير، فعلى سبيل المثال نجد أن قيمة سمعة الشركات البريطانية الكبرى المسجلة في سوق الأسهم يمكن أن تصل إلى 1.7 تريليون، أو 28 في المئة من قيمة السوق الإجمالية للشركات، وهذا يدل على أهمية إدارة السمعة والتكلفة العالية لها في موازنة أي منظمة أو شركة. وهذا يقودنا إلى طرح تساؤل عن كيفية بناء سمعة عظيمة واجابة مثل هذا التساؤل ليست محددة بطريق واحد كما يعتقد البعض وإلا لوجدت جميع الشركات بنفس السمعة والقيمة الاسمية، ففي كتاب لـ»توني لانهام» (TONY LANGHAM) حول إدارة السمعة تتطرق كاتبة لطرح تساؤل بعنوان، (what MAKES AGREAT REPUTAION?) ما الذي يجعل السمعة عظيمة وقوية للشركات؟ فوجد أن هناك ستة مفاتيح لذلك، هذه المفاتيح هي مدخل أساسي ولكنها ليست كل شيء:
أولها: الحفاظ على ثقة العميل، فالناس تثق بشركة آبل وبسيارات مرسيدس على سبيل المثال، فبناء الثقة قد يكون سريعاً، لكن المحافظة عليها أمر يحتاج للتخطيط والمثابرة، وهنا يأتي الإبداع.
المفتاح الثاني: الابتكار المستمر، فالشركات التي لا تتقدم وتتطور تتقادم وتتراجع وتخسر اسمها، فشركة كوداك الأميركية كانت لما يقارب 130 عاماً تسيطر على إنتاج الأفلام الفوتوجرافية وأدوات التصوير، ثم أشهرت إفلاسها عام 2012 لأنها لم تتنبأ بثورة التصوير الرقمي وكاميرات الهواتف الذكية، فلم تمتلك القدرة على الابتكار الكافي لمنافسة شركات التصوير الرقمي مثل الشركات الرقمية الحديثة، كما أن شركة فيديكس كان سر نجاحها واستمرارها هو الابتكار والجودة.
المفتاح الثالث: صناعة الابتسامة والسعادة لفريق العمل معك ومن في محيطك أو تحت إدارتك، فبذلك تستطيع أن تخلق الولاء الذي يدعو للإنجاز والتضحية والمحافظ على السمعة، لأن الموظفين يعتبرون أنفسهم جزءاً من هذه المنظومة.
المفتاح الرابع: المسؤولية أو الشراكة المجتمعية، سواء كانت للأفراد أو الشركات، فهذا هو الوجه المجتمعي الخيري وهو اليد البيضاء التي تصافح المجتمع وتقوم بالحديث معهم وتدعمهم.
المفتاح الخامس: وجود قائد فريق عمل، فالسمعة المتميزة تحتاج دائما لقائد ملهم، لكن في نفس الوقت لا يكون هذا القائد أعظم من السمعة نفسها، فشركة أبل على سبيل المثال لها قائد ملهم هو ستيف جوبز، لكن سمعة شركة أبل تظل في الصدارة والاستمرارية إذا ما قورنت به، ولعل الشركات التي يتعرض قادتها لفضائح تؤثر على سمعة الشركة تسارع لإدارة أزمتها بشكل سريع واحترافي، ولو استدعى ذلك التضحية بأي شخصية من أجل إبقاء سمعة الشركة أمام عملائها متميزة، فعلى سبيل المثال شركة نيسان ورئيس مجلس إدارتها كارلوس غصن، الذي انتشل شركة «نيسان» من الإفلاس وبعد قضيته الأخيرة التي احتجز بسببها في اليابان، سارعت الشركة بعد يومين من توقيفه إلى إقالته من منصبه في محاولة منها للمحافظة على سمعتها كشركة.
سادساً: الاستمرار في التواصل مع الجماهير عبر مختلف المنصات بكافة أشكالها وأنواعها، وبناء رسائل إعلامية ذات مضامين وأثواب مختلفة الهدف منها بناء السمعة وجعلها أيقونة للجماهير.