عبدالمطلوب مبارك البدراني
عندما أتكلم عن منطقة وادي الفرع ذات التاريخ الموغل في القدم والحضارات المتعاقبة بحكم موقعها بين المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، لا يمكن ان أقف على كل شيء، وما أكتبه هنا عبارة عن نبذة موجزة ورؤوس أقلام فقط، ومن يريد الاستزادة عنها فإنني أدعوه إلى قراءة كتاب (وادي الفرع) للأستاذ الأديب/ محمد صالح البليهشي الذي أهداني نسخة منه فإنه كتاب متميز قدم فيه الكاتب معلومات مهمة ومفصلة عن المنطقة وتاريخها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتراثي وكذلك وثائق تاريخية من منطقة المدينة المنورة (وثائق وادي الفرع) للمؤرخ الدكتور/ فائز بن موسى البدراني..
تقع محافظة وادي الفرع جنوب المدينة المنورة، ومركزها الآن (الفقير) على بعد 140 كلم على الطريق السريع بين المدينة المنورة ومكة.
ومحافظة وادي الفرع منطقة زراعية وسياحية وأثرية، وكان الوادي طريقاً للقوافل القديمة بين المدينة ومكة، واشتهر بزراعة جميع أنواع النخيل، حيث كان لهذا الوادي أكثر من خمسين عينا جارية تسقي آلاف النخيل إلا أنه ومع ومرور الزمن اندثرت تلك العيون، ولم يتبق سوى عدد قليل من العيون منها إلى الآن: عين المضيق، وعين أبي ضباع، وعين أم العيال. وعين اليسيرة، وهنا أذكر بعضا من العيون التي اندثرت وبعضها يعود أثناء الأمطار فقط: عين ابن نجم.. عين البيار.. عين الزبيرة.. عين مسيطح.. عين السدر.. عين السمنية.. عين الفقير.. عين الهرمية.. عين المرقاب.. عين الشعبة.. عين الملاقي.. عين العاقر.. عين البغالية.. .عين شدخ.. وعين الخواجية.. وعين الربض.. وعين عمق.. وعين قوس.. وعين كميتان.. عين الخوي.. وعين المديرا.. وعين المسماه.
أهالي وادي الفرع إلى وقت قريب كان معظمهم يعمل في الزراعة، والآن وبعد هذا التطور في العهد الزاهرالكثير منهم يعملون موظفين في الإدارات الحكومية بالمحافظة والمؤسسات الخاصة، وبمدن المملكة الأخرى ومساحتها أكثر من 74 ألف كيلومتر مربع، وبها أودية عميقة وجبال شاهقة، ويبلغ عدد سكانها أكثرمن خمسة وخمسين ألف نسمة، ويشتهر وادي الفرع بالعيون الثجاجة وزراعة النخيل الباسقات وأنواع الحمضيات مثل الليمون والبرتقال، وكذلك العنب وأنواع الخضراوات، وكان قديما يمر به طريق القوافل القديم بين المدينتين المقدستين، ويوجد بوادي الفرع مساجد صلى فيها النبي- صلى الله عليه وسلم- ومنها مسجد (البرود) ويسمى الآن (البريّد) تصغير كلمة بريد يطلق عليه الآن عند أهل قرية المضيق اسم مسجد النبي ومسجد البرود روى فيه عبد الله بن مكرم الأسلمي عن مشايخه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نزل في موضع المسجد بالبرود في مضيق الفرع وصلى فيه ويقع بأكمة في جبل وادي (الغرب). وقرية المضيق التاريخية تعتبر مركز الفرع قديماً وهذه القرية لها تاريخ عظيم لا يمكن حصره في مقال، فهي واحة غناء جميلة بعينها الثجاجة ونخيلها الباسقات وشلالاتها أثناء الأمطار التي تجذب لها المتنزهين من كل مكان وصلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- في مسجدين آخرين في قرية ابي ضباع.. روى أبي زبالة عن أبي بكر بن الحجاج وغيره ان الرسول- صلى الله عليه وسلم- نزل الأكمة من الفرع فقال في مسجدها الأعلى ونام فيه ثم راح فصلى الظهر في المسجد الأسفل من الأكمة ثم استقبل الفرع فبرك فيها.. . (أي دعا لها بالبركة..)
ويتجاوز قرى وادي الفرع 40 قرية من أهمها قرية الفقير التي بها الآن جميع المرافق الحكومية وقرية المضيق وأم العيال وقرى أبو ضباع. ويتبع وادي الفرع إداريا اليتمة والأكحل والحمنة وقرى وهجركثيرة جدا، يعتبر وادي الفرع من أهم المناطق الزراعية في منطقة الحجاز، ولذلك كانت أرضه وعيونه جالبة ً لكل باحث عن الرزق معمر للأرض مستثمر فيها، فأرضه خصبة ومياهه كانت وفيرة منذ أقدم العصور، ومما كتب عن وادي الفرع الإيضاحات التالية:
قال البكري أيضاً: والفُرُع من أشرف ولايات المدينة، وذلك أن فيه مساجد لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، نزلها مراراً، وأقطع فيها لغفار وأسلم قطائع، وصاحبها يجبي اثني عشر منبراً: منبر بالفُرُع، ومنبر بمضيقها، على أربع فراسخ منها، يعرف بمضيق وادي الفُرُع، ومنبر بالسوارقية، وبسايه، وبرهاط، وبعمق الزرع، وبالجحفة، وبالعرج وبالسقيا، وبالأبواء، وبقديد، وبعسفان، وباستارة، هذا كله من عمل الفرع.
وقال السهيلي، وهو أحد المؤرخين الكبار:
(الفرع أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة بمعنى أن إسماعيل عندما اتخذ وأمه هاجر مكة موطناً وجد تمر الفرع طريقه إلى مكة المكرمة، وهذا يدل على أن المنطقة قبل ذلك التاريخ كانت زراعية وتنتج التمر وتبحث عن تسويقه في مناطق الحجاز وعندما أحس الناس في ذلك الوقت بأن مكة قد عمرت وصار بها سكن بادرت قوافلهم إليها تمتار وتشتري وتبيع. ويضيف السهيلي نفسه في قوله: إن الفرع فيها عينان من عيونها يقال لهما (الربض والنجف) تسقيان عشرين ألف نخلة. ولا تزال الربض والنجف بأسمائها إلى اليوم. ولاشك بأن تأكيد كتب التاريخ بامتيار الفرع بمكة في زمن إسماعيل وأمه هاجر وجلب التمر إليها هذا دليل على أن وادي الفرع كان ذا عطاء ووجود وتاريخ موغل في القدم، وأن تجارة التمور والمحاصيل الزراعية كانت تجد طريقها إلى أسواق مكة المكرمة والمدينة المنورة منذ عهد إسماعيل عليه السلام، وربما كان قبل ذلك. لذا هذه المحافظة الزراعية تحتاج الاهتمام من الزراعة بها وبعيونها ومزارعها وأوديتها كثيرة المياه والاهتمام بهذه الثروة الزراعية والحيوانية والمناحل التي اشتهر بها وادي الفرع.. كذلك المسؤولون عن السياحة لأنها منطقة سياحية وجميلة جداً..
وقد حظيت بخدمات كثيرة في جميع المجالات في هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان، وأميرنا المحبوب سمو الأمير فيصل بن سلمان ونائبه سمو الأمير سعود بن خالد الفيصل، وقد أتحفنا في وادي الفرع سموه ونائبه بعده بزيارات تفقدية، كانت لها الأثر البالغ في نفوسنا، هذه نبذة موجزة عن إحدى محافظات المدينة التي يشار لها بالبنان وإلى الأمام بلادي الغالية..
هذا ما أردت توضيحه والله من وراء القصد.