يقول الجاحظ: وأكرم الإبل أشدها حنيناً إلى أوطانها، وأكرم المهاري أشدها ملازمة لأمها.
ويقول أيضاً: محبة الوطن شيء شامل لجميع الناس.
وقال الأصمعي: قالت الهند: ثلاث خصال في ثلاثة أصناف من الحيوان الإبل تحن إلى أوطانها وإن كان عهدها بعيداً، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدباً، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعاً.
وتقول العربية: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة، وإلى مسقط رأسها توَّاقة.
وتقول أيضاً: احفظ بلداً رشحك غذاؤه، وارع حمى أكنك فناؤه، وأولى البلدان بصبابتك إليه بلد رضعت ماءه، وطعمت غذاءه.
ومن أقوال العرب أيضاً: تربة الصبا تغرس في القلب حرمة وحلاوة، كما تغرس الولادة في القلب رقة وحفاوة.
وسيراً على خطى العرب في حب الأوطان، والذود عنها بكل غالٍ ونفيس، يأتي تجسيد الفنانين التشكيليين في المملكة العربية السعودية، للوطن في أعمالهم الفنية، ليعبروا عن حبهم للمملكة وملكها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، والبقاع المباركة -من المملكة- التي تحن إليها الأفئدة، وتحلم بها القلوب، وتتعلَّق بها الأرواح.
وقد أتت أعمالهم الفنية عن الوطن، لتعبّر عن حب صادر من قلوب رقيقة وأرواح صافية وبشر يحلقون بإبداعهم في سماوات بعيدة.. تفيض أناملهم إلهاماً وحباً للوطن، فجسدوا ذلك الحب للمملكة ملكاً وأرضاً في لوحات ومجسمات فنية لافتة.
هنا - وفى مناسبة قرب حلول اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية - نرصد رؤيتهم للوطن، وصورته بوجدانهم، وكيف جسدوه بأعمالهم الفنية؟
تجليات الوطن
في البداية قال الفنان التشكيلي، فهد بن ناصر الربيق، إن حب الوطن نجده يتجسّد في كل لوحة وكل عمل فني سعودي، لافتاً إلى أن الفنان التشكيلي السعودي، يتميز عن نظرائه بالبلدان العربية الشقيقة بنهله من الثقافة السعودية والعربية، دون أن يتأثر كغيره بثقافة وفنون الغرب.. وأن كل منطقة من مناطق المملكة تتفرّد بموروثاتها وفنونها التراثية التي تجدها في الأعمال التشكيلية، حيث يستلهم كل فنان وفنانة لوحاته ومنحوتاته من تاريخ منطقته ومن تراثها ومعالمها القديمة، ومن معالم نهضتها الحديثة.. وأن لوحاته تأتي بمثابة تجسيد حي لتراث الوطن بكل صوره وأشكاله.. وأن حب الوطن يتجلَّى في أعمال كل فنان سعودي.
الزمن الجميل
ويرى الفنان التشكيلي المخضرم، هشام بنجابي، أن بيئة المملكة وتراثها الثري، وتاريخها وحاضرها، والحياة اليومية للشعب السعودي، هي مفردات أساسية في أعماله التشكيلية، وأن كل فنان سعودي مسكون بحب الوطن وتراثه وحضارته.
ويشير «بنجابي» إلى أنه رسم خلال مسيرته الفنية الممتدة على مدار عقود، البيوت القديمة، واهتم بـ»الرواشين» والسفن العتيقة والألعاب التراثية، والحرف والصناعات القديمة.. كل ذلك وغيره حرص على توثيقه في أعماله الفنية، وذلك من منطلق حبه للوطن وعشقه لماصيه وحاضره.
مسؤولية مشتركة
ويقول الفنان التشكيلي سعيد العلاوي، إن وطنه المملكة العربية السعودية، يشهد تطوراً في كل مدينة وقرية وهجرة، وفى شتى المناحي: صحياً وتعليماً واقتصادياً، وأن حكومة خادم الحرمين الشريفين سخرت كل طاقاتها وجهودها من أجل بناء «مواطن صالح قوى البنية صحيح الجسم ينعم برغد العيش، في ظل سياسة حكيمة مبنية على الصدق والحوار وحفظ حقوق الجوار».
وأن تلك النهضة التي تشهدها المملكة تحتاج لمشاركة المسؤول والمواطن، وأنه على المواطن أن يشارك في الحفاظ على تلك المنجزات، لأن المسؤولية مشتركة، وأن يغرس حب الوطن في قلوب الأبناء.
ورأى «العلاوي» أن الفنانين التشكيليين لديهم وعي كبير بمسؤولياتهم تجاه الوطن، ويعبرون عن حب الوطن من خلال أعمالهم الفنية، وإنهم يشاركون فرحة الوطن بيومه الوطني، بإقامة المعارض والملتقيات داخل المملكة وخارجها.
أيقونات الوطن
ويقول الفنان التشكيلي منير الحجي: «إن أي لوحة أو عمل فني من أعماله، لا يخلو من أيقونات الوطن».. وأي عمل تشكيلي يخلو محتواه من «الوطنيات» هو عمل فني ناقص.
وأن حبه للوطن تجسّد في كل لوحاته.. وأنه يعتبر نفسه أنه «وطني في الشكل والمضمون».. في مناظر الأرض والسماء.. في الفضاء والصحراء.. في خضرة النخيل.. وزرقة السماء.. وفي اللون والملمس.
ويضيف « الحجي» أنه كان يتجول بين البيوت القديمة، وأزقتها وطرقاتها، ويسبح على شواطئ بحرها، وروابيها، ويحمل معاناة أهل المهن القديمة والصنَّاع والدراويش على قماش الرسم.. وأن كل تلك المشاهد هي محاكاة لحبه لوطنه في لوحاته منذ بداية مسيرته التشكيلية وحتى اليوم.
تجسيد الموروث الثقافي السعودي
وتقول الفنانة التشكيلية، منيرة السليم، الحركة التشكيلية السعودية، تتفرد بأنها تجسد الموروث الوطني والثقافة السعودية.. وأن حب التشكيليين لوطنهم، واعتزازهم بهويتهم يجعلهم في حالة احتفاء دائم بتراث هذا الوطن بكل صورة من بيئة وعمارة تاريخية ومعالم حضارية وأثرية.. وأنها تجسد في أعمالها الفنية ملامح الوطن قديماً وحديثاً، وتواكب نهضته بتوثيق معالمها في لوحات متميزة تبوح بكل ما يختلج عواطفها من مشاعر تجاه وطنها.
محبة الوطن
وتقول الفنانة التشكيلية خديجة توفيق حسن مقدم، إن الوطن شيء غالِ ونفيس، وأنه مهما حاول الفنان أن يخرج ما في دواخله وعقله وقلبه لرسم حبه للوطن من خلال الفرشاة والألوان فلن يستطيع أن يُعبر عن حجم ذلك الحب الذي يسكن نفوس السعوديين تجاه وطنهم.. ولفتت إلى أنها سبق وأن سعدت بالحصول على ميدالية فضية في إحدى المسابقات المقامة على مستوى المملكة.. وكانت مشاركتها بالمسابقة عبارة عن لوحة نَسجت فيها الجزيرة العربية على رأس سلة يتدلى منها التمر.
يمزج اللون ويراقص الفرشاة
ويعتبر الفنان منصور المطيري، أن الوطن هو الهواء الذي يتنفسه، وهو الأرض والسماء، وأن ألوانه ولوحاته وخطوطه هي أدوات يُجسد من خلالها حبه للوطن، وأن هويته الوطنية تتجسَّد من خلال عطاءاته الفنية.. وأن كل ما لديه من تراكمات وخبرات تجارب فنية تُبرز جميعها هويته كفنان سعودي.. وأن وطنه موجود في أعماق كل عمل فني، وأنه كلما اكتمل عمل فني يُصبح ذلك العمل «عملاً تشكيلياً سعودياً» وأنه عندما تكتمل تجربته في معرض تشكيلي، يُصبح «معرضاً تشكيلياً سعودياً».. «وأن وطنه هو من يمزج اللون ويراقص الفرشاة ويسافر عبر الخطوط ليضيء العمل الفني».
حضارة وثقافة وتراث
وقالت الفنانة التشكيلية، أمل القحطاني، إنها عاشقة لوطنها.. ومحبة لكل مكوناته، وحضارته وثقافته وتراثه، والبحر والصحراء، نهضته الحديثة، ومعالمه القديمة، ودكاكينه وبيوته التراثية بحاراتها وأزقتها، وخيول فرسانه، وشباك صياديه.. وكل ما فيه من معالم وطبيعة وأرض وبشر.. وهي جميعها كانت وستظل مفردات تشكيلية دائمة تستلهم منها لوحاتها الفنية.
مسؤولية الفنان
وتقول الفنانة التشكيلية عصمت المهندس، إن حب الوطن شيء لا تصفه الكلمات، ولا الألوان والخطوط إلا إذا جرّب الإنسان أن يكون بعيداً عن وطنه لفترة من الوقت.. وهنا تأتي المقارنة بين الغربة والبقاء في الوطن، وهنا أيضاً تظهر صعوبة الإحساس بالغربة بالشتات وبالوحدة.. وبالشوق إلى الوطن الذي يُمثل لكل فنان وكل إنسان الأمن والحب والسلام.. وتضيف «المهندس» أن حب الوطن في دمنا الذي يجري في الشرايين.
وتشير إلى أنها جسَّدت حب الوطن في أعمالها التشكيلية من خلال توثيقها لمظاهر الحضارات التي مرت على أرض وطنها الطاهر.. وعلى الخطوط المحفوفة في الأمان الأثرية.. وأكَّدت على أن كل بقعة في المملكة ألهمتها بفكرة لوحة.. وأن رسم ملامح الوطن وتاريخه ومعالمه وتراثه وحضارته ونقلها إلى العالم هي مسؤولية كل فنان.
عبق الماضي
وتقول الفنان التشكيلية ليلى جوهر، إن بذور حب الوطن مغروسة في دواخلها منذ أن وطأت قدماها ثرى وطنها المملكة العربية
السعودية، ومنذ أن تنفست أريجه.. وأن فضاءه هو المساحة التي تنثر فيها ألوانها الغنية بقيم موروثة من التراث الشعبي، والبيئي والعمراني لوطنها، ومن فنونه التاريخية، وعراقة مجتمعه الكبير.. وتلفت إلى أنها تشبعت بصرياً بكل ما هو سعودي، وأنها ترجمت ذلك وجدانيا من خلال لوحاتها طوال مسيرتها الفنية.. وأن مشاركاتها الدولية كانت فيها ممثلة لثقافة وحضارة وطنها.. وأنها تعتز وتفخر بما قدمته من أعمال فنية جسدت فيها الأصالة السعودية، وعبق الماضي، وجمال الحاضر.. وأنها استلهمت جل أعمالها التشكيلية من ربوع بلادها الخضراء، وصحرائه المتفردة، وعمرانه الشامخ.. ومن إشراقة الشمس وصفاء السماء وزرقتها المنعكسة على شواطئ البحر.
مكانة كُبرى
وتقول الفنانة التشكيلية أحلام المشهدي، إن للوطن مكانة كُبرى في قلبها ووجدانها، وأنها عاشت فوق أرض هذا الوطن كل حياتها بحلوها ومرها، وأن فناني المملكة يفتدون هذا الوطن الغالي، بأرواحهم وبفنهم وإبداعهم.. ويبذلون الغالي والنفيس لأجله.. وأضافت أن المملكة هي الوطن الغالي الذي عاشوا ترعرعوا بين أحضانه.. وأنه هو الوطن الذي يحنون إليه حين البُعد عنه.. وهو الوطن الذي سيظل حبه في قلوبهم.
وطن يسكن القلوب
وتقول الفنانة التشكيلية، مطلوبة قربان، إن هذا الوطن يسكن قلوبنا.. هو وطن يسكننا ونسكنه.. وبالطبع فإن وطنا نحبه ونعشقه ونذود عنه بأرواحنا، لا بد وأن نرسم ملامح نهضته وتراثه وتاريخه في لوحات فنية تحمل روحاً خاصة لكونها تعبر عن وطن العز ووطن المجد.
مسيرة من العطاء والإنجاز
وتقول الفنانة التشكيلية سلوناس داغستاني، إن تعبيرها عن حبها لوطنها يكون بتقديم أعمال فنية تجسد الإنجازات المهمة التي تجرى على أرض المملكة منذ عهد مؤسس المملكة الملك عبد العزيز -رحمه الله - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
وأنها وفي مناسبة اليوم الوطني، قامت بإنجاز لوحة جسّدت فيها أهم الإنجازات على أرض الوطن «الذي تفخر به وتعتز»، وأنها أنجزت عملاً آخر جسّدت فيه بوابة مكة التي تعد معلماً من المعالم التاريخية في المملكة، حيث استهواها جمال البوابة فجسّدتها في لوحة فنية غنية بالنقوش والزخارف.
هويّة واعتزاز
وتقول الفنانة التشكيلية سكينة الشريف، إن حب الوطن بالنسبة لها هو «هوية واعتزاز وانتماء» وإن الخرائط التي لا تنبثق من هويتها الوطنية تعتبرها خرائط مشوّهة.
وأن السمات التي تبرز الهوية الصحيحة والصادقة للثقافة السعودية، تصاحب الفنان السعودي طوال رحلته الفنية التشكيلية، وأن البيئة التي تتميز بها المملكة تمنح الأعمال التشكيلية السعودية ثراءً وجمالاً وتميزاً.
ورأت أن الفنان السعودي قدَّم أعمالاً تشكيلية أكدت على رسالة الفن الصادقة، وعلى قدرته في التعبير عن هويته الوطنية من خلال لوحاته ومنحوتاته.. وأن المملكة أرض غنية بالمبدعين الذين يتغنون ويصدحون بحب الوطن على الدوام.. وأن أعمالها الفنية ترفرف فيها رايات الوطن.. ويتدلى منها الورد الفواح، وتخضر فيها معالم نماء وازدهار الوطن.. وأن لها وطناً ليس كل الأوطان «وطنا يُحبها وتُحبه».
مصدر إشعاع وإلهام
وقالت الفنانة التشكيلية، منى شبيب السبيعي، إن وطنها الغالي يُعد مركز إشعاع وإلهام لخلق الأعمال الفنية الأصيلة، ونبعاً لا ينضب من العطاء.. ورأت أن الفن التشكيلي بكل ألوانه يلعب دوراً مهماً في ترسيخ الانتماء للوطن.. وأنها تسعي من خلال أعمالها الفنية لإظهار الهوية السعودية.. والانفتاح على العالم ليرى الحضارة والتراث والتاريخ وكل القيم الإنسانية على أرض المملكة من خلال العطاءات التشكيلية، باعتبار أن الفن التشكيلي لغة كونية تصل بما تحمله من رسائل للعالم أجمع.
وطن الأمن والأمان
وتقول الفنانة التشكيلية سلوى محمد نور كمال، إن كلمة وطن تعني الحب والحرية والأمن والأمان، وأنها عبرت عن حبها لوطنها بإنجاز عمل فني في مناسبة اليوم الوطني للمملكة هو عبارة عن منحوتة تراثية لأبواب جدة القديمة، إلى جانب صورة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين، على ربابة تراثية.
الفن والوطن والهوية
وتقول الفنانة التشكيلية منال السيف، العلاقة بين الفن والوطن هي علاقة وثيقة متميزة، وهي علاقة متداخلة أيضاً، يمكن تناولها من أوجه عدة، مثل الهوية الوطنية.. هوية الأمة وهي الأساس وهي الوقود والمولد الذي يمنح الفن هويته، والأمم تدعم الإبداع الفني فيها من حيث الكم والكيف، ثم يأتي الإبداع الفني ليزيد هذه الهوية قوةً وحضوراً وتألقا.
ورأت أن الفنون هي آلية فاعلة لنشر لغة الوطن وثقافته وحماية هويته، وأن المملكة تحمل حضارة وهوية تاريخية إسلامية وشعبية، تحتوي مضامين ورموزاً عميقة، لها تأثير وأثر في تحقيق النهضة، وأن الفنون من أكثر المجالات ذات العلاقة بالتاريخ والثقافة والحضارة والهوية.
** **
- حجاج سلامة