إعداد - صبار عابر العنزي:
قاد الملك الحسن الثاني المملكة المغربية لثمانية وثلاثين عاماً، فبعد أن خلف والده، الراحل محمد الخامس عام 1961، حكم البلاد في مسيرة استكمال الوحدة الوطنية، وتعزيز أسس الاستقرار السياسي والاقتصادي، ويُسجل له قيادته المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء المغربية من الاحتلال الإسباني، والتي تجاوز أعداد المتطوعين لها ثلاثة ملايين نسمة وبلغ عدد المشاركين فيها أكثر من ثلاثمائة وخمسين ألف متطوع.
وكان الحسن الثاني قائداً معروفًا بحنكته السياسية، إذ نجح في قيادة مغرب ما بعد الاستقلال عن فرنسا، واضعاً بذلك أسس مملكة الحق والقانون، عبر سياسة اقتصادية وإنجازات اقتصادية كبرى لا زالت المملكة تجني ثمارها إلى اليوم.
اشتهر بفصاحة لسانه وبلاغة خُطبه، ما جعل منه مُحاوراً غير مسبوق لكُبريات المُؤسسات الإعلامية، ومن أشهر أقواله «معارك الحياة لا يربحها لا الأكثر قوة ولا الأكثر سرعة، ولكن يربحها أولئك الذين لا يستسلمون أبدًا».
وقد وصف الأوربيون بقوله «أوروبا الغربية لا تهتم إلا بالاستهلاك الشره، إنها تحت سيطرة الدجاج والخمر والوهم»، وهو القائل «إذا كان الخميني مسلمًا فأنا لست كذلك..». وكانت له العديد من المقابلات الصحفية التي صارت مرجعاً جامعياً يُحتذى به. وللحسن الثاني مواقف دولية كثيرة، إذ كان من أوائل المدافعين عن حل الدولتين بالنسبة لملف النزاع الفلسطيني، مُشدداً على ضرورة الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قائلاً «ليس من الجبن، السعي إلى مواجهة الخصم ومعرفة نواياه، ومع ذلك، فمن الجبن والخزي والخيانة أن نضع السلاح». وكانت رئاسة (لجنة القدس) من أشهر معالم دور الملك الحسن الثاني في القضية الفلسطينية, وكانت مساهمته في التمهيد للتسوية المصرية -الإسرائيلية أواخر السبعينات من أبرز مظاهر مداخلاته في معمعة الصراع الصهيوني العربي.
فالسياسة المغربية التي أصَّل لها الملك محمد الخامس, وتابعها الحسن الثاني, تكاد تتفرد برؤى فكرية وخطوات حركية خاصة إزاء الصهيونية واليهودية وفلسطين والقدس, والعلاقات الإسرائيلية العربية، ومن هذه الرؤى ما يتصل بطبيعة المواطنة في إسرائيل ذاتها وإذا كانت, هذه السياسة قد عرفت خلال العقدين الأخيرين بالسعي لقرار تسوية سلمية عربية إسرائيلية, إلا أنها أيضًا تداخلت على الصعيد العسكري, فمن النقاط المهجورة نسبيًا في أدبيات الصراع, تلك المساهمة المتميزة للقوات المغربية على جبهة حرب 1973 السورية من أجل فلسطين. والحق أن الملك الحسن يدخل في زمرة الحكام القلائل على الصعيدين العربي الإقليمي والدولي, الذين لاقت سياساتهم ارتياحًا من كل الأطراف المنغمسة بشكل مباشر أو غير مباشر في القضية الفلسطينية.
علاقة المغرب والسعودية
ولم يخطب في شعبه من ورقة إلا نادراً، إذ كان الحسن الثاني يجلس أمام الكاميرا ثم يسترسل في الحديث، دون الرجوع إلى ورقة، حاضر الذهن متجليًا فكان الملك الحسن الثاني يوم الثاني من مارس (آذار) 1983م بصدد تسجيل خطاب العرش في القصر الملكي بفاس (إذاعياً وتلفزيونياً)، بحضور وزراء بينهم وزير الإعلام والمسؤولين عن الإذاعة والتلفزة المشرفين عادة على عملية التسجيل في مثل هذه المناسبة.
وفي منتصف الخطاب للحديث عن القادة العرب والأجانب الذين زاروا المغرب خلال العام الماضي 1982م وكان من بينهم العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز، فاستفاد العاهل المغربي من هذه المناسبة في الإشادة بـ»العلاقات الأخوية والروابط المحكمة المتينة القائمة بين المغرب والمملكة العربية السعودية».
وفجأة سمعه الحضور يقول: «استقبلت بلادنا خلال العام المنصرم صديقنا الكبير وشقيقنا العزيز صاحب الجلالة الملك فهد بن عبدالعزيز عاهل المملكة المغربية».
فاعتقد الوزير ابن ددوش: أن الأمر لا يعدو أن يكون فلتة لسان، ولكنها ستكلفنا الكثير لإصلاحها خصوصاً تلفزيونياً إذا استمر الملك في قراءة خطابه ولم يتوقف لإعادة الجملة مصححة، وبدأنا التخاطب بالإشارات مع الوزير الواقف في الجانب الآخر لتشجيعه على التدخل بسرعة لإشعار الملك بما حدث، مع أننا كنا في قرارة أنفسنا نعتقد أن الوزير لن يجرؤ على الإقدام على هذه الخطوة، إذ كان من المستحيل تقريباً أن يقدم أحد الوزراء أو المستشارين على مقاطعة الملك وهو بصدد تلاوة خطابه.
فتقدم وزير الإعلام الدكتور عبدالواحد بلقزيز نحو الملك الذي توقف عن متابعة خطابه ليستمع إلى ما يقوله وزيره وأبلغة فما كان من الملك إلى أن أطرق برأسه وساد الصمت قليلاً، ثم رفع رأسه وقال مخاطباً الوزير:
«أييه» الملك فهد ملك المملكة المغربية، وليس هناك خطأ وعليكم الاحتفاظ بالجملة كما هي وأمر باستئناف التسجيل، وفي يوم عيد العرش أذيع الخطاب كما سجل، وسمع المغاربة تلك العبارة، فتيقن الجميع أن قرار الحسن الثاني الاحتفاظ بتلك الجملة كما نطق بها علامة على مدى عمق الروابط الأخوية التي جمعته بالعاهل السعودي الراحل وببلاده الشقيقة على مدى عقود.
النشأة والتعليم
وُلد الحسن الثاني بالقصر السلطاني في الرباط في الأول من صفر سنة 1348 هجرياً التاسع من يوليو 1939 ميلاديًا. فهو الابن الأكبر لجلالة السلطان محمد الخامس من زوجته الثانية عبلة بنت الطاهر، أدخله والده في سن الرابعة إلى الكتاب القرآني الملحق بالقصر الملكي بالرباط، أنهى الدراسة الابتدائية والثانوية بالمعهد المولوي، وحصل على «الباكالوريا» في يونيو 1981م.
واصل الدراسات العليا في الحقوق بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث نال في سنة 1985 ميلاديًا الإجازة في موضوع «الاتحاد العربي الإفريقي وإستراتيجية المملكة في مجال العلاقات الدولية»، في سنة 1987م» و1988م حصل على الشهادتين الأولى والثانية للدراسات العليا، شهادة الدراسات المعمقة في العلوم السياسية والقانون العام بامتياز.
تلقى خلال سنتي 1988 و1989، تدريبًا لمدة ستة أشهر بديوان السيد جاك دولور، رئيس لجنة المجموعة الاقتصادية الأوروبية آنذاك. وفي يوم 29 أكتوبر 1993م نال شهادة الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدًا من جامعة نيس صوفيا انتبوليس الفرنسية. إثر مناقشة أطروحة في موضوع «التعاون بين السوق الأوروبية المشتركة واتحاد المغرب العربي».
منحته جامعة جورج واشنطن درجة الدكتوراه الفخرية في 22 يونيو سنة 2000، لقب ملك المغرب بلقب أمير المؤمنين وهو لقب رسمي في العرش العلوي المغربي وهو لقب من ألقاب الخلافة الإسلامية.
نفي مع والده
نفي مع والده محمد الخامس من طرف الاستعمار إلى كل من كورسيكا ومدغشقر، وهذا ما ألهب شرارة انتفاضة شعبية كبرى خاصة بعد تعيين الاستعمار ابن عرفة ملكاً على المغرب والذي نجا من محاولة اغتيال من طرف أحد المقاومين يدعى علال بن عبد الله، وسميت هذه الفترة ثورة الملك والشعب وكان الحسن الثاني هو الذي يحرر المراسلات وترجمة الرسائل لوالده في المنفى، عاد برفقة والده إلى المغرب في 16 نونبر 1955 وشارك في مفاوضات الاستقلال التي أجريت في فبراير 1956م.
مناصبه قبل تولى الحكم
عيَّنه والده في فبراير 1956 رئيساً لأركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، وأشرف على وضع النواة الأولى وبناء الجيش المغربي بالتعاون مع الفرنسيين، أسند له والده ولاية العهد بموجب ظهير شريف صدر في السادس من يوليو 1957 وأدى القسم بين يديه في التاسع من يوليو 1957 في حفل تنصيب رسمي في القصر الملكي بالرباط. وعمل بعدها مستشاراً سياسياً لوالده، وفي 26 مايو 1960 شكل الملك محمد الخامس حكومة برئاسته، وعينه فيها نائباً لرئيس الحكومة ووزيراً للدفاع وفوضه بممارسة السلطة الحكومية.
تولى الحكم
بدأ مسيرته السياسية إثر وفاة والده محمد الخامس في 26 فبراير 1961 وتم تنصيبه ملكًا في الثالث من مارس عام 1961 بوصفه الأكبر سنًا بين أبناء محمد الخامس، درس الحسن الثاني القانون بالرباط وحصل على الإجازة فيه بمدينة بوردو الفرنسية، كان من أبرز المشاكل التي واجهها قضية الصحراء الغربية، ففي عام 1975 أعلن الملك الحسن عن حق المغرب في الصحراء الغربية الواقعة يومئذ تحت سيطرة الاستعمار الإسباني وقرر الملك إطلاق المسيرة الخضراء تجسيدًا لمغربية الإقليم الصحراوي، فضمت تلك المسيرة 530 ألف مغربي اجتازوا حدود الصحراء الغربية يرفعون القرآن الكريم والعلم المغربي، وكان الملك الحسن قد صرح في 27 سبتمبر1983 بأنه مستعد لإجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء وأدت تحركاته الدبلوماسية المكثفة لإبرام اتحاد مع ليبيا وقع بموجبه العقيد القذافي في 1984»اتفاقية وجدة» وتخلت ليبيا عن دعم البوليساريو غير أن الملف الصحراوي المعقد ظل مهيمنًا على العلاقات المغاربية بدول الجوار.
ويذكر أن الحسن الثاني قد تعرض لست محاولات اغتيال أثناء فترة الحكم، خرج سالمًا منها جميعًا ومن هذه المحاولات كانت محاولة «الصخيرات» ومن بعدها محاولة «القنيطرة»، ففي عام 1971 وأثناء حفل بهيج لتخليد الذكرى الـ42 لميلاد الحسن الثاني ببلدة الصخيرات الواقعة قرب الرباط العاصمة، هاجم 1400 جندي الحفل مخلفين 100 ضحية من بينهم سفير بلجيكا في المغرب، كما جرح أكثر من 200 ونجا الملك الحسن عندما اختفى في أحد جوانب المكان، وقد سحقت قواته الموالية المتمردين في الساعات نفسها التي تلت الهجوم، وبعد أقل من سنة من محاولة الصخيرات وعند رجوع الملك من زيارة لفرنسا، تعرضت طائرته لهجوم من أربع طائرات مقاتلة من نوع إف/5 في محاولة اغتيال من تدبير قوات الطيران المغربية، فهبطت طائرة الملك اضطراريًا بمطار القنيطرة مما دفع المقاتلات إلى قصف المطار ولم يتوقف القصف إلا بعد إعلان الملك نفسه وبصورة تمويهية أنه قد مات وأن محاولة اغتياله نجحت، وقد تم اعتقال الانقلابين وأعدموا، وقد توفى الحسن الثاني في الرباط في الثالث والعشرين من يوليو عام 1999 إثر نوبة قلبية حادة وحضر جنازته ممثلو أكثر من 60 دولة وقد انتقل العرش دستورياً إلى الابن الأكبر سناً وهو الأمير مولاي محمد، وفي ذكرى وفاته يستحضر المغاربة تلك الجنازة المهيبة التي شارك فيها أكثر من مليوني مواطن، فيما تسمر البقية ممن لم تُسعفهم الظروف، يُتابعون تشييع قائد البلاد عبر القناتين الرسميتين.