يحكي أنه في إحدى حفلات العشاء التي أقيمت في اليونان العظيمة كان الشاعر المسرحي اليوناني أريستوفان يروي قصة لجمهوره فقال لهم: إن البشر قديماً منذ آلاف السنين كانوا مخلوقات مكونة من أربعة ارجل ووجهين.. وذات يوم اقترف البشر خطأ لا يغتفر فغضب الاله زيوس وشطر كل واحد منهم الى اثنين، ومنذ ذلك الحين فقد كل مخلوق نصفه الآخر.
أراد ان يشير اريستوفان الى نشأة مفهوم الحب الذي جعل الانسان يتوق للعثور على نصفه الآخر ليعود مكتملاً وسعيداً.
لطالما اثار الحب ومشاعره اذهان الفلاسفة والشعراء والكتاب.. تلك المشاعر الأخاذة التي سطرت من اجلها الدواوين والمقالات والدراسات، ولم ولن تنتهي الكتابة عنه يوما كمن يحفر بئراً ولا يصل إلى قاعها بل يزداد غرقا في كل مرة يحفر فيها.
يروي افلاطون في كتابه (المأدبة) الذي ألفه بعد ان اقام الشاعر اغاثون مأدبة عشاء فارهة وذلك احتفالا بنجاح اول عمل مسرحي قام به.. طلب من كل ضيوفه ان يلقوا خطابا عن إله الحب تناول فيه افلاطون حواراً رائعاً حول الحب ليوضح ان القلب قادر على ان يوصلنا للحقيقة كما العقل «هنا الخير الذي ترغب فيه كل روح، هنا السكون الذي يتطلع إليه كُل شخص، هُنا الحبُّ والسعادة ها هنا، وهُنا يا روحًا في أعالي السماء تتطلعين إلى صورة البهاء الذي أعشق في هذا العالم». افلاطون.
عندما تصادف مشاعر الحب تأكد بأنك تتقبل عيوب الشخص قبل محاسنه وتعلم انه رغم كل الأشياء المزعجة فإنك لا تزال تحبه.. يقول باسكال: «ان للقب أسباباً لا يعرفها المنطق».
ووفقاً لمذهب باسكال فهذا بالفعل ما حدث مع هيدجر النازي الذي احب اردنت اليهودية.
تم تعيين هيدجر مديراً لجامعة فرايبورغ في المانيا بعد ان تسلم هتلر السلطة بـ3 أشهر واعلن كراهيته لليهود.
كان عمره 36 عاما بينما كانت طالبته اردنت لم تتخطَ 18 عاماً وحبها للفلسفة جعلها تتملك قلبه.. كانت سنوات تعارفهما اكثر سنوات هيدجر عطاء وازدهاراً وتألق نجمه فأصدر اهم كتبه (الوجود والزمن). الفوارق بينهما كانت كبيرة وهائلة والانتقادات لهما كانت لاذعة ولكن مصادفة الوقوع في الحب غيرت كل المعايير.
أما الفيلسوف المعاصر سلافوي جيجك فقد وصف الحب بأنه العملة النادرة في وقتنا الحاضر، وأنه في اغلب لغات العالم يُعبر عنه بالوقوع.. الوقوع في الحب.
فلو كنت على سبيل المثال تعيش حياة سعيدة ولديك وظيفة جيدة وأصدقاء ولست واقعاً بالحب.. تسافر وتلهو وتسهر الخ.. ثم بصدفة وبطريقة عبثية قد تتعثر بطريقك وتصادف شخصاً ما يغير كل ما تعرفه عن الحياة!.. المصادفة التي تقلبك رأسا على عقب ولا شيء يعود كما كان، بل وقد تجد حياتك السابقة لم يكن لها معنى بدونه وانك وجدت حياة مختلفة وقيمة بوجودك معه.
ما يثير استياء جيجك بأنه يرى ايدلوجيا سائدة اليوم.. هناك حذر شديد من الوقوع في الحب لخوفهم من ان يدفعوا ثمنه! كمن يريد حلاوة السكر بدون سعرات حرارية.. ومن يريد لذة القهوة بلا كافيين.
هناك توجه قوي نحو الانعزال والاكتفاء الذاتي وان يحب الفرد نفسه فقط، وان قصص الحب هي مجرد حيل قد تورطك وقد تقيد حياتك.
ذلك التوجه الغريب يلغي ابسط حقوق صحة الانسان النفسية.. وهو ما ذكره ماسلو في هرم الحاجات ووضع الحاجة الى الحب وتكوين العلاقات الاجتماعية في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية.. وهي ركيزة مهمة للصحة النفسية فالحاجة للحب ولتكوين اسرة مع الشخص المناسب ضرورة لإكمال مسيرة الحياة.
** **
- سديم العمري