عبده الأسمري
في مقاهٍ وحارات عتيقة في مدن عربية وعالمية على خريطة هذا العالم خلال حقب الستينيات والسبعينيات والثمانينات..كانت هنالك «حكايات» و»مرويات» تنسج بالأقلام وتلهج بالأفكار.. شهد فيها التاريخ وظهرت خلالها الجغرافيا واختالت وسطها اللغة العربية في أزمنة تقاطعت فيها «الوجوه» وعلت منها «المواجهة» وتمكنت بعدها «الوجاهة» وكانت البطولة لأدباء كانوا «يشيدون» صروح الثقافة من لبنات «المهارة» ويكتبون بوح الفصاحة من ومضات «الكفاءة» وظلت الجولة لصفحات ولمحات ومحكيات ظلت تتنافس وتهدي للبشرية «إنتاج» صارع الأزمنة ونازع الأمكنة ليبقى «طوق» نجاة في مواقف و»ذوق» حياة في معاني.. حيث كانت هنالك «كتائب» بشرية سلاحها «العقل» وعتادها «النبل» وقوامها «الفضل» انتصرت للبسطاء وناصرت المهمشين واختصرت العناء بقوالب العطاء فجاءت الكلمات لتبنى «أهرام» الحاجات عبر «ضياء» الحرفية وتوالدت العبارات لتجبر «خواطر» المتألمين بدواء «الإنسانية».
خرج كبار «المثقفين» والأدباء في القصة والرواية والشعر والتأليف من «بوابة» الأحياء الشعبية ووقفوا على «عتبة» الأحزان المنسية وحولوا «ملامح» الأنين في وجوه «العامة» إلى «مطامح» لليقين أمام وجاهة «الخاصة»..
من أهم المواهب التي ترجح كفة «الأديب» الفذ القدرة على اقتناص «الألم» من خريطة العيش واللوذ بالتفاصيل الصغيرة في حياة «الناس» وتحويلها إلى «نجوى» حاضرة بتعميم تام أو باستعارة تلغي حواجز «الخوف» وتهزم «عوائق» الانكشاف حتى تظهر لنا المقامات «الأدبية» رأسية على أرضية من أمانة الأديب واستخدامه فلسفة المتاهات لتغييب «الصورة» الحقيقية واستبدالها بالرمزية حتى يتعرف عليها «الآخرون» ويعترف بها «المقصودون».
في سجلات الإبداع شكلت «هموم» الناس و»غموم» البشر اتجاهات بذخة للقبض على الأفكار الفريدة التي انطلقت منها خطوات الركض في ميادين الروايات والقصص وكانت المنافسة لمن يتعمق كثيراً ويتألق أكثر في مضامين «البشر» في حياتهم ومعيشتهم الأمر الذي جعل «الماكثين» بين الناس «الثاوين» وسط المعايش الأكفأ في ترتيب مواعيد «البوح» على أسوار «الأسوار».
من امتهن الأدب وكبر معاه منذ الصغر «توأماً» لهمه اليومي وجه «بوصلة» اليقين نحو «الأنين» الذي يدوي صداه في الجهات الأربع مراقباً تلك «الخريطة» المكشوفة على «الوجوه» حتى وأن طغت عليها «بسمة» رضا أو «ابتسامة» قناعة إلا أن هنالك دموعاً قد تفضح المشهد وتبدد العديد من الخطوط المؤقتة لتلك المساحات «الصامدة» أمام التساؤلات ولكن الأديب الحصيف من يتمكن من فك «رموز» تلك المواجع التي أجهضت أحلام وأجلت أمنيات لترسم خريطتها «البائسة» على منظر طفل أو ملمح شاب أو محيا شيخ أو أي شعور تفضحه «الملامح» التي تبقى «عنوان» أبرز لتفاصيل الألم و»اختصار» أسرع لتفصيلات الوجع.
حلت «الثقافة» كسلطة معرفية متاحة يملك صلاحياتها «المثقف» ويمتلك حظوظها «الأديب» كان فيها المؤلفون يلاحقون الأفكار بين «الحوانيت» القديمة في أوساط المدن ويصطادون الألم في وجوه المكلومين ويرصدون «تجاعيد» المرارة على ملامح المنسيين ويقتنصون غياب «البراءة» من مباهج «الأطفال» البائسين ويحولون «حرف» البسطاء إلى «حروف» من الضياء فأبدعوا في ربط الأدب بالسلوك ومزج المعرفة بالمسالك ودمج الكتابة بالمدارك ليلبسوا الإنتاج الأدبي رداء فضفاض تطرز بالمعاناة وتعزز بالمحاكاة اللتين أخرجتا «المؤلفات» من رحم «المصابرة» ومن عمق «المثابرة» حتى رأينا أدباً مكتوباً يكاد يرى كمشاهد بصرية حياتية في ظل عزف الأدباء العمالقة على «أوتار» الأنفس التي كانت لها «البطولة» المطلقة في «جولات» المعارف.
تعاقبت الأجيال فانقسم المثقفون اللاحقون بعد تلك الأزمنة إلى جماعات ومجاميع وظل هنالك بريق لمع من إنتاج «فئة» قليلة وضعت «الإنسان» محوراً أول والسلوك عنواناً أمثل لتفاصيل الإنتاج الثقافي متفوقين على «أخرى» كثيرة ابتعدت عن معاني «الاحترافية» لبعدها عن مضامين «العيش» وميادين «البشر» فكتبت إنتاجاتها من وحي «خيال» مستهلك أو في إطار «مجال» مكرر لتتباين «الفروقات» وتتجلى «التباينات» بين إنتاج ظهر عبر «خرائط» حياتية وسلوكية وبشرية وآخر بقي في «طرائق» ذاتية وروتينية وبيروقراطية لتتشكل أبعاد النتائج في «تفوق» و»امتياز» و»هدف» ظفر بها الماكثون في دوائر «الوقائع» والمتيمون ببصائر «الطبائع» في ظل «حقائق» كان المتلقون والمتذوقون والموضوعيون هم شهود «النزاهة» في أحقية الفوز وأسبقية التفوق.
** **
- كاتب وأديب سعودي