الجزيرة الثقافية - جابر محمد مدخلي - أثير دعباس:
لأنه من الصعب على المرأة أن تكتب عن نفسها من منظورها بعيدًا عن القوالب والأقوال المنمطة لها، فما الحلول التي بيدها لتخرج وتتكلم عن نفسها وذاتيتها الخاصة التي وهبها الله؟
وقد تعددت حول ذلك الإجابات واختلفت لتزيدنا تأكيدًا على أن البيئة والثقافة والظروف الاجتماعية عوامل تختلف، وتؤثر من مكانٍ إلى آخر. فقد ناقشته الأستاذة فاطمة حمزاوي قائلة: «متى ما أفسحنا المجال للمرأة لتُعبّر على طريقتها العفوية والطّبيعية دون إسقاطات وأحكام مُسبقة تجعلها تخفي ما تريد قوله أو تقوله منقوصاً مُشوّهاً خوفًا من ردّة فعل الآخر تصل أحيانًا كثيرة إلى المُعاقبة والإقصاء، ولنا نماذج عديدة في هذا. المرأة تسلك طرقاً شتّى ليصل صوتها ولكنّ الطريق أيضًا محفوفة بقطّاع الطرق لهذا المحاولات الجادة والناجحة قليلة مقابل تلك التي لم تخرج بعد عن القوالب النمطية».
** **
- شؤون شخصية - للفنانة نوف عبدالله عبدالله
فيما قرأته الإعلامية فاطمة بنت ناصر من زاوية أخرى لتجيب عليه بقولها: «نعم ليس بالأمر السهل أبدًا الكتابة لمجتمع غالبيته مقاوم لهذه الفكرة ولافظ لها. ففي كثير من الأحيان تتجنب النساء - حتى من صاحبات الوعي - اثارة هذه المواضيع خوفًا من ردة الفعل الشرسة من المجتمع الذي لا يزال أغلبية يرسخون هذا التنميط».
وقالت الأكاديمية أمل محسن العميري: «إطلاقًا ليس الأمر منوطاً بالصعوبة بقدر ما هو منوط بنظرة المجتمع لها، فهناك من لا تزال تخشى نظرة المجتمع لها عند البوح الصريح، كما تخشى من التأويلات البعيدة عما أرادت الكتابة حوله، وهناك من تجاوزت هذه المخاوف وأصبحت تكشف عن مشاعرها دون خوف ووجل، لأنها وصلت لمرحلة الإدراك والوعي والقبول المجتمعي من حولها لما تكتبه، وهناك من ارتضت بالرموز واستخدام القناع في كتاباتها هربًا من نقد المجتمع لها وقد نجحت في ذلك كثيرًا».
«في الحقيقة ليس من حل واضح غير الشجاعة والوعي، الشجاعة الكافية للتعبير عن نفسها، أفكارها، ورغباتها، والوعي بذاتها بقيمتها الفكرية والروحية كجسد وعقل كرّمه الله ووهبه من المزايا الكثير فحقٌ لها ألا تكترث كثيرًا للآراء وألا تخضع للقوالب التي تُحاصر فيها، بل إن تحمل من الشجاعة والإقدام ما يكفي لتحطيم تلك القوالب والانطلاق قُدمًا».
كما قالت الروائية لطيفة هيف: «نعم يصعب ولكن قد يحدث وقد حدث في نماذج محدودة وانتصرت النساء بكتابة آلامها ودحر الظلم وإنقاذ شعورهن، الكتابة سلاح ذو حدين في يد الكاتب، ووجب إمساك القلم من منتصفه في كثير من الأحيان، وقد لجأ بعضهن للكتابة بسرية ونُشر لاحقًا ومنهن من تناولت ذلك باسم مستعار ومنهن من كتبت علانية وجعلت ذلك ملامس لأخريات عجزا».
فيما أوجزت القاصة حليم الفرجي إجابتها في قولها: «تكتب المرأة نصوصًا كثيرة عن الخيبة والخيانة والألم.. إلخ ابحثوا عن هذه النصوص ستجدون معاناتها التي أنكرتها بين السطور وعلى لسان أبطال مزيفين».
وأما الكاتبة كفى عسيري فقد قسمت في إجابتها أساليب التعبير لدى المرأة قائلة: «ليس بالضرورة أن تكون كاتبة أو رسامة أو مصممة ليقرأ الناس ذلك في أعمالها حيث تشعر بالقوة والقدرة على المواجهة فذلك لا يكلفها أكثر من قول: أنا قوية وتبدأ من مطبخها، حقلها، ماكينة خياطتها (بسطتها) حظيرة أغنامها».
وعند توجيه السؤال ذاته إلى الكاتبة تغريد العلكمي اكتفت بقولها: «الحل في المحاولة والتجربة ومع الوقت ستصبح تتحدث بالصورة التي ترى نفسها بها وليس من خلال النظرة النمطية التي جسدها المجتمع».
وأما الشاعرة هند الحربي فقد اختصرت حديثها حول هذا المحور بقولها: «لا استطيع أن أقول إن الأمر بيد المرأة وحدها ولكن بظني لو امتلكت المرأة بعض الجسارة والشفافية لكان هذا مفيدًا على المدى الطويل». فيما اختتمت القاصة هيفاء العمري إجابات هذا المحور بقولها: «بالنسبة للنساء في العالم العربي المعيقات اجتماعية أيدولوجية، الفكر والحرية علاقتهما طردية، متى ما تهيأت القاعدة الثقافية ستجد القلم النسائي منهمرًا كالغيث».
وما أن تمت لدينا مرئيات متعددة حول محورنا السابق حتى انتقلنا مع ضيفات الثقافية إلى محورنا الرابع: (برأيك هل نجحت المجتمعات القديمة في التقليل من أهمية دور المرأة الذي جعلها خلال القرون الماضية تصارع لأجل إثبات قدراتها الفكرية، وذلك بالدخول في الساحات الثقافية المنتسبة فقط للرجل؛ إثباتًا بأن أهميتها لا تكمن إلا في هذه الناحية وتجاهلت التعبير عن كينونتها والتباهي بقوتها الأساسية (العاطفة، والولادة، والألم)؟
فاطمة الحمزاوي قالت: «لا أحد ينكر أن أغلب المجتمعات القديمة قامت كما ذكرت فيما سبق بتحجيم أهمية المرأة واختزاله في دور الأسرة مُنكرا عليها قدرتها على الانخراط في الساحات الثقافية بكلّ ثقةً، الشيء الذي جعلها تصارع لتفتك مكانها جنبًا إلى جنب مع الآخر انطلاقًا من رغبتها في تحقيق ذاتها خارج حاجز العاطفة والألم و-الولادة - إلى فضاء الإنجاز والإبداع، فالمرأة يمكنها أن تنسجم مع عاطفتها ومع قدرتها على خوض القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية دون أن تكون أسيرة هذه النّظرة الإقصائية، وهي بذلك لا تتجاهل التّعبير عن كينونتها أو التّباهي بها وإنما تتعدّى هذه المَلكات إلى فضاء الإنسانية الأشمل. أما القول بأن الساحات الثقافية تنتسب فقط للرّجل فهذا - من وجهة نظري - رأي يَقصف بالمعنى العامّ للثقافة التي تشكّل في الأصل الهوية الاجتماعية التي لا يُمكن بحال من الأحوال أن يصنعها الرّجل بمنأى عن حضور المرأة».
من جانبها قالت فاطمة بنت ناصر: «للأسف، تكاد المجتمعات القديمة أفضل حالاً. فالمرأة كانت حاضرة بصورة قوية ومستقلة في الأدبيات الإسلامية، ولم نسمع عن معاناة أمومة زوجات الرسول والصحابة، بينما سمعنا عن ذهاب الرجال لسؤال عائشة - رضي الله عنها - في أمور الدين والدنيا لحكمتها وكذلك لكونها عالمة وخبيرة في علم أنساب العرب. وكذلك نسيبة ودورها في الحرب ومداواة المقاتلين.
وأضافت الأكاديمية أمل محسن العميري: «نعم وإلى حد كبير ونحن نتحدث عن المجتمعات القديمة في العالم بأجمعه، فدور المرأة كان في مجمله قاصرا على أمورها الحياتية في ظل دائرة الرجل مع اختلاف تلك الظروف من مكان لآخر؛ إلا أن الأغلبية تأثرن بسطوة الرجل، وكانت المرأة بالكاد تستطيع الإفصاح عن اسمها الحقيقي عند نشر كتاباتها الإبداعية، ومع كل ذلك الصراع إلا أن بعض النساء استطعن الإعلان عن أنفسهن عبر المنتديات الأدبية أو المشاركات في الأندية الأدبية وإذا عدنا للوراء قليلاً سيحضرنا اسم الشاعرة ولادة بنت المستكفي وصالونها الأدبي في الأندلس، وفي عصرنا الحديث صالون مي زيادة الحاضر وبقوة في إثبات قدرات المرأة الكتابية والفكرية».
أما الأستاذة مرام صنيدح الزلامي، فقالت: «بالطبع نجحت، ولا بد أن ترديد عبارات تذكّر المرأة دئمًا أن دورها محصور فقط فيما بين القوسين كان له دور كبير في محاولة المرأة للحديث والكتابة عن كل أمر عدا ما تختص به أنوثتها ودورها من أمومة وولادة وغيره.. وكأن المرأة تحاول أن تخلع عنها رداء الأنوثة وتزاحم الرجل في ميدانه ولا ضير في ذلك غير أنه أنتج لنا فراغاً ثقافياً فلا تكاد ترى مؤلفات ضخمة وعديدة تتناول تجارب أنثوية حقيقية خطتها أقلام نسوية تتحدث عن واقع تجربة ومعاناة.. بل أخذت المرأة تناضل وتكتب في أمور شتّى؛ لتثبت للرجل قدرتها على الحديث فيما اختص به هو من فكر وفلسفة ومجالات عديدة وتجاهلت قضاياها المهمة كامرأة وهنا وقعت المرأة في إشكالية أتاحت للرجل تصدر المشهد عوضًا عنها والكتابة عن قضاياها من وجهة نظر ذكورية لم تخض التجربة وتتعمق فيها».
أما الروائية لطيفة هيف فقالت: «نعم، قللت فعلاً من أهمية دور المرأة الثقافي والفكري. وأبرز تجربة قد نتخذها هي تجربة الشاعرة والأدبية مي زيادة التي عاصرت كوكبة ذكورية من الكتّاب والأفكار والأنماط ولم تعش دور الأم ولا حتى الزوجة». فيما أشارت القاصة حليم الفرجي في إجابتها إلى مسألة التحجيم قائلة: «ربما مسألة التحجيم التي مورست كثيرًا على النساء جعلت العديد منهن يرفضن تكوينهن الجسدي ودورهن في الحياة من خلال تكوين أسرة وإنجاب الأبناء. فتمردن على أجسادهن أولاً وخرجن متباهيات بقوتهن وإهمالهن للعاطفة وهنا ضعف وليست قوة. فالقوة أن تكون الأنثى متوازنة ناجحة في بيتها وعملها الى جانب الرجل وكتاباتها وتعبيرها. الأمومة قوة العمل قوة النجاح قوة الاستمرار على طريق متوازن قوة».
وأضافت كفى عسيري: «نعم، ويمتد هذا النجاح إلى مجتمعاتنا الحديثة في حصر المرأة في منطقة الخيار بين الانضمام إلى ساحة الرجل والتخلي عن قوتها الأساسية (العاطفة، الألم، والولادة) وبين البقاء في عالمها البيولوجي ومن الشواهد على ذلك رفض الرجل في بعض المجتمعات المرأة الطبيبة أو المرأة العاملة لساعات طويلة مبررًا رفضه أن ذلك يتعارض مع وظيفتها الأساس مما يضطرها إلى اختيار التخلي عن دورها الأنثوي وتجميد عاطفتها حتى تثبت له قدرتها على مساواته».
من جانب آخر قالت تغريد العلكمي: «بالتأكيد وهذا التحجيم جعل المرأة تعيش سنوات طويلة في ظل هذا الدور الذي وضعت فيه دون محاولة للخروج منه». فيما وجدنا في إجابة الشاعرة هند الحربي إشارة منها إلى أن «المجتمعات والنصوص استغلت الطبيعة الإنتاجية للمرأة وحجمت من صعوبة وهول المهام التيَ تقوم بها وكأن الذي تقوم به هو أمر طبيعي وسهل، وحصرتها في هذا الدور ثم تعاظمت وضخمت مكانة وجهد الرجل وعمله».
أما القاصة هيفاء العمري فقد نسبت سبب كل ذلك إلى سقوط الحضارات قائلة: «عندما أسقطت الحضارات القديمة منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد مكانة المرأة بالكامل وصيرتها تابعة هي لم تلغها فقط عاطفيًا بل بشكل إنساني عقلي وسياسي، لقد مرت قرون من الظلام كانت المرأة فيها الحلقة الأضعف، قطعت الزمن حبوا حتى تنالها فعليًا بعد نهاية الحرب الثانية، لم تملك الترف لتتغنى بخصال خلقت معها لأنها كانت تجابه قوى اجتماعية اقتصادية أيدولوجية كبيرة لتنال انسانيتها أولاً».