د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
فارقت اللغة الدارجة اللغة الفصيحة باطراح الإعراب وبالتزام الرتبة وبالجمع بين الفاعل وما يتصل بالفعل من علامة دالة على عدده، ونجدها إلى ذلك تركت التشبيه بالكاف ولكنها استمرت تستعمل (كما) و(كِنّ) أي كأنّ، و(مثل) و(شبه) و(شبيه). ولكنها أثرت اللغة بألفاظ أخر للتشبيه، وسوف أذكر هذه الألفاظ مع شواهد لها، ومعظم هذه الشواهد من موسوعة الشماسية التي ستنشر:
كما:
قال إبراهيم بن عبدالله بن محمد الشمسان:
قلبي كما طيرٍ من السِّبْق مفكوك
طار وتعلّى ثم عَوَّد على الرّاك
والسبق جمع سباق «و(السباق) الرِّبَاط والقيد، والسباقان قيدان من سير أَو غَيره يوضعان فِي رجل الْجَارِح من الطير»(1). وأما الراك في تعريف الشاعر نفسه فهي الأريكة الصغيرة التي يقف عليها الطائر، وهو تعريف لم أجده عند غيره.
مثل:
قال عبدالمحسن الوسمي:
ما هوب مثلي، دونه الباب وِجْدار
امغلّقٍ والناس مَنَّوا بْشوفه
ما هوب أي ما هو بـ، وهذه الباء الزائدة التي تدخل على خبر ليس وما النافية، نحو قوله تعالى {أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحَا كِمِينَ} [8-التين]، وقوله تعالى {وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[140-البقرة]
مثيل:
قال محمد بن فوزان الفوزان:
المسكن الّي ما لقينا مثيلهِ
عن مجلسٍ به قِيْل ناقص وزادِ
كنّ:
وقال محمد بن فوزان الفوزان:
يوم السَّواني حِسَّها يِعْوِلِ اعْوَال
أصْواتَها كِنَّهْ تِقِيْنِبْ ذْيَابِه
أي كأنها، والتِّقينِب أي التقانب، وهو تبادل الذئاب العواء، وبناء تِفيعل ليس فصيحًا.
وقال سلطان البازعي:
فكرت بالدنيا وشفْتَ المصايب
كِنَّها أمواج تِصْتِفِقْ بوسط بْحُور
كنّها: أي كأنها.
شبه:
قالت وضحى النويصر:
يا شبه وضحًى تلت مِصلاح
ما ربّعت في جزيرتنا
الوضحى الناقة البيضاء، وذكر العبودي أن الراعي المصلاح هو الحسن العناية بالغنم أو الإبل(2).
شبيه:
قال محمد بن هزاع البليهي:
أشهد ان سابق(3) مخلّفٍ له نْمورهِ
والنمر ما هو شبيهٍ للحْصِينِي
يشبه:
قال صالح العقل:
يشْبِه دجاج بالحظاير يخافِ
والى سطع نور الضحى قطقط لْمرعاه
والقطقطة صوت الدجاج. وقال فيصل الفوزان:
من فوق خيلٍ بالجزيرهْ مغيره
وقت المعارك يشبهن الخواطيف
والخواطيف جمع خاطوف من الطيور المهاجرة، أسود اللون سريع الطيران كثير الانحراف في طيرانه، لا يستقر فلا يقع إلا ليطير، يقال في المثل «وقعة خاطوف»، يقال لعجِل لا يستقر. والخاطوف هو الخُطّاف في العربية الفصيحة، وهو في الإنجليزية سنونو.
تقول:
قال حمود السهلي يصف ركبته المتورمة وتسلط البعوض عليها:
لو شفتها يا علي تُقُولْ عصفور
لا طاح نِسْنَاس الهوا يا علي جَنْ
ونسناس الهوا أي هبوب الهواء، و(جن) أي جئن. والفعل (تقول) استعمل للتشبيه في الشعر الجاهلي، قال امرؤ القيس:
إذا ما جَرَى شَأْوَيْنِ وَابْتَلَّ عِطْفُهُ
تقُولُ هَزيزَ الرّيحِ مَرَّتْ بِأَثْأَبِ(4)
وقال الأعشى:
أضافوا إليه فَأَلْوى بهم
تَقولُ جُنونًا ولَمّا يُجَنّ(5)
تقل:
قال حمد البازعي:
ما يقوى يرفِس تِقل ماسور
كنِّه على حافة القبرِ
قد يكون في الأصل (تَقُل) مضارع مجزوم بشرط محذوف تقديره: إن تره تَقُل، وكسرت حركة فائه وعينه، مأخوذ من الفعل (تقول). و(كنِّه) أي كأنه.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
(1) مجمع اللغة العربية في القاهرة، المعجم الوسيط، 1: 415.
(2)محمد بن ناصر العبودي، معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة، 8: 174.
(3) سابق بن محمد بن سابق بن حسن آل شماس.
(4)الشنتمري، شرح ديوان امرئ القيس، ص140.
(5)الأعشى، ديوان الأعشى الكبير، ص71.