العقيد م. محمد بن فراج الشهري
من كان يتوقَّع أن يتحول لبنان درة «الشرق»إلى نفايات لحزب الشيطان الذي جثم على صدور اللبنانيين سنين طويلة.. حتى أصيب لبنان وشعبه بالربو الوبائي ومن دولة ذات سيادة إلى دولة تستجدي السيادة ولا تجدها.. وقدوم عون لرئاسة لبنان لم يكن فال خير على عموم الشعب اللبناني.. فقد رأينا وسمعنا، وكل العالم مع من يتابع أحداث لبنان أن تعطيل الحكومات سببه الرئيسي إصرار «عون» ومن يُعيّنه على تمرير ما يراه هو شخصياً وحزب الشيطان وليس ما يراه اللبنانيون، إذ يواجه لبنان منذ خمسين عاماً واقعاً سياسياً غير مستقر، واستثنائياً بين حروب أهلية معلنة أو كامنة، أو هدنات باردة، وسط نزاعات وتنافس أمراء الطوائف على السلطة، وما تخلل كل ذلك من هجرات وتهجير جراء اجتياحات، واحتلالات.
وهكذا شهد لبنان خلال هذه السنوات عملية تغيير ممنهجة لكياناته وهويته، ودستوره، ونظامه السياسي والاقتصادي، وتركيبته الاجتماعية، ويتخطى هولها بكثير هول الانهيار الكبير الذي يُحكى عنه اليوم.
بدأ التغيير مع نشأة «حزب الشيطان» مطلع ثمانينات القرن الماضي في إطار الثورة الخمينية في إيران، ودخوله الحياة السياسية من البوابة السورية مشاركاًً في مجلس نواب عام 1992م، تطور مفصلي آخر تأتى عن اقتحام الجيش السوري ما كانت تُعرف بالمناطق الشرقية من لبنان واقتحام القصر الجمهوري ووزارة الدفاع بحجة إسقاط العماد عون المتمترس في القصر بعد تعيينه من الرئيس أمين الجميّل رئيساً لحكومة عسكرية انتقالية عام 1988م رافضاً تسوية «الطائف» ما جعل عون يضطر إلى اللجوء إلى السفارة الفرنسية ثم اللجوء إلى فرنسا وبالتالي تمديد السيطرة السورية حتى عام 2005م.
متغير آخر مفاجئ وانقلابي حصل عام 2006م، مع توقيع حزب الله والتيار الوطني الحر العوني مذكرة تفاهم مع كنيسة مارمخائيل، وملامح التغيّر تجسدت في تحول لبنان إلى حالة تعكس تفكير وعقيدة من تحمل ولا يزال يعمل على بنائها، وتحاكي معظم مثيلاتها في المنطقة لجهة تغييب المؤسسات لمصلحة الغلبة والتسلط والترهيب. ووضع الحريات وحقوق الإنسان، ورفاهية العيش على المقعد الخلفي، وأدلجة متزمتة للاجتماع، والاقتصاد والثقافة، وتصغير القدرات المالية، والمصرفية، وتهاوي القطاعات الصحية، والتعليمية. صصصدولة تحولت من جسر التواصل الثقافي بين الشرق والغرب جاذبة للاستثمارات إلى دولة «مقاومة « وتصنيع وتهريب «الكبتاغون» متقوقعة في عنق زجاجة «مشرقية» تحالف الأقليات، وصندوق يريد للمحاور الإقليمية المتقاتلة، ومعادية لمحيطها العربي والمجتمع الدولي. هكذا تسير الأمور في بلد كان يعتبر لؤلؤة الشرق حضارة، وتقدماً، وعلماً، ومعرفة، أصبح يراوح ما بين تعطيل الحكومات واحدة تلو الأخرى، وهذه التعطيلات هي تخريب للدستور، وإلحاق لبنان تماماً بالمحور الإيراني، أما أوجاع الناس وآلامهم وسمعة لبنان فلا تهمهم في شيء.
وما طرحه تحالف الأقليات في ملف إعادة النظر في اتفاق الطائف عبر أدواته وأبواقه بشكل غير مناسب، كان لتحقيق أهدافهم النهائية لمشروعهم، أي ابتلاع السنّة وأيرنة لبنان، وإخراجه من الحاضنة العربية والدولية، مسوِّقين أن هذه الدعوة صائبة ومحقة، لكن في حقيقة الأمر هي دعوة فاسدة وباطلة.
فأولاً: لا يجوز أن تعطّل الدستور عمداً ثم تقول إنه لا يصلح للمرحلة الحالية.
ثانياً: لو جلب لبنان أفضل دستور في العالم فلن يجدي نفعاً في ظل وجود المليشيات التي ترى نفسها فوق القانون، وفوق الدستور، والغريب اليوم أن سنّة لبنان أصبحوا «كأيتام السياسة» يلتزمون الصمت أمام هذه الحرب الممنهجة عليهم وعلى الدولة وعلى الدستور من حلف الأقليات، ولعلهم ينتظرون شجاعاً يقول بصراحة أمام المجتمع الدولي، إن لبنان لا يحكم بتوازن القوة، بل يحكم بقوة التوازن، وأن أي تعديل لاتفاق الطائف يجب أن يتُطلب من اتفاق الطائف نفسه، وتحديداً اعتماد اللا مركزية الإدارية التي نص عليها الدستور.
ثالثاً: انتخاب برلمان خارج البعد الطائفي.
رابعاً: انتخاب مجلس الشيوخ، المنتظر والمقر في اتفاق الطائف والمعطّل من وقتها، يمثِّل الطوائف ويطمئنها.
خامساً: حل المليشيات كلها وحظرها، واحتكار الدولة لقراري السلم والحرب وحق الإكراه المشروع.
سادساً: وهو الأهم في رأي كل محب للبنان.. ملاحظة الثغرات التي استغلها حلف الأقليات لتخريب الدستور، والدولة اللبنانية ومعالجتها، وهذا يتم عبر تعديلين دستوريين، مستحقين وعاجلين لمنع الفراغ في رئاسة الجمهورية، والثاني زيادة صلاحيات رئيس الحكومة لتسهيل التآلف وإدارة البلاد التي تَثبّت اختطافها بسبب الفراغ وبسبب التعطيل المتعمد من حلف الأقليات..
أما إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن فلن تقوم للبنان قائمة وسيذهب إلى مستقبل مظلم يحطم ما بقي من أركانه، وهذا ما لا نتمناه ولا نريده لبلد عزيز على قلوبنا جميعاً ويحزننا ما يسير إليه.