د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في الحادي عشر من سبتمبر قبل عشرين عاماً وقع عمل إجرامي مقيت، ومدان، ومذموم، ذهب ضحيته آلاف البشر الأبرياء، وهدمت المباني، وأصاب الرعب العالم جميعه، وكان ذلك في مدينة نيويورك العاصمة الاقتصادية للعالم، وأصبح العالم كله في قلق ورعب، وتغيرت القوانين الداخلية للدول، وأضحى الحذر، وتوقع الأسوأ مقدم على غيره، فالحواجز وتفتيش أمتعة الركاب، ولباسهم أمراً مألوفاً، ومقبولاً، وتغيرت الحياة فعلاً، فلم يعد بعضاً من الناس حريصاً على التنقل والسفر إلاَّ للضرورة، وتغير وجه العالم، وسارعت الولايات المتحدة، والعالم كله في ضرب الإرهاب في معاقله مثل أفغانستان آنذلك.
كانت المملكة العربية السعودية قد عانت الأمرَّين من الإرهاب، وحذَّرت العالم من خطورته، فلم تسلم منشأة من المنشآت من ذلك العمل الإجرامي، فكان نشاط هؤلاء المجرمين متوزعاً على أرجاء المملكة، الرياض، وجدة، والدمام، وغيرها، حتى الأماكن المقدسة لم تسلم من إجرامهم، فقتلوا الأبرياء من مدنيين وعسكريين، وفجَّروا المساجد، ودخلوا على المصلين وقتلوهم، وهدموا الدوائر الحكومية والأبنية المدنية، وروعوا الناس، وهم نيام في بيوتهم.
كانت المملكة تعاني، وتحذر العالم بصوت مرتفع، وتزود العالم أجمع بما لديها من معلومات، وما اكتسبته من خبرة في معرفة فكرهم، وطيشهم، وإجرامهم، وأساليب انتقامهم من البشرية، فلا يفرقون بين أحد، فلا همَّ لهم إلاَّ القتل، والدماء، وترويع الناس في كل مكان في العالم، سواء كانت تلك الدولة غنية أو فقيرة، صغيرة أو كبيرة، ورأينا إجرامهم في المملكة، وفي دول الشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا وفي كل مكان يجدون فيه، فرصة للقتل والدمار.
تعلم المملكة أن فكرهم مضل، وإجرامهم مخل، ودعت دول العالم إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه ذلك الشر المستشري، وأرسلت التقارير، وأنشأت المراكز لمكافحة الإرهاب عملياً وفكرياً، واستمرت حتى اليوم، بل وسَّعت من ذلك في السنين الأخيرة، وقد ساعدت العالم أجمع مالياً ومعلوماتياً للحد من الإرهاب، وكان لجهودها الفضل في انحسار قوته، والحد من انتشاره، والعمل على اندثاره، وكانت وما زالت كذلك وستظل، لإيمانها المطلق أن الأمن هو أساس بناء المجتمع علمياً وثقافياً واقتصادياً، وأنه قاعدة لاستقرار الدول، وتمتع شعوبها بالعيش الكريم، فإذا لم يكن هناك طمأنينة، فلن يكون هناك نهضة ونمو وتقدم، وأشاد العالم كله، بما فيه الولايات المتحدة، بجهود المملكة لمكافحة الإرهاب، منذ وقوع الحدث المؤلم، وكان ذلك على لسان الرؤساء بوش الابن، وأوباما، وترمب، وأيضاً رؤساء الدول الأخرى، ومراكز الأبحاث، والجامعات، والمختصين والمثقفين، وظهرت مقالات وكتب وأبحاث تتحدث عن دور المملكة في هذا الجانب، وخرجت تقارير تظهر بجلاء أن المملكة تعمل عملاً جباراً في مكافحة الإرهاب، والسعي في القضاء عليه.
وتتبعت المملكة منابع تمويل الإرهاب وأشعرت الدول بذلك، ووضعت قوانينها المحلية التي ساعدت كثيراً على الحيلولة دول وصول الأموال إلى أولئك المجرمين المنتشرين في كل مكان، وتعاونت مع الدول الأخرى لتتبع مصادر الأموال التي تمول الإرهاب ومعاقبة أصحابها.
ليس لدى المملكة ما لم تبده، وليس لديها ما تخفيه، وهي ماضية في ذلك، واضحة في سيرها الحثيث لمحاربة هذا الداء، لأنها من أكثر الدول تضرراً، إن لم تكن أكثرهم، وأكثرهم جهداً لمكافحته لأنها تعلم أن هذا الداء لا يتوقف على المملكة وحسب، بل يمتد إلى العالم أجمع.
المملكة هي دولة ترى نصب عينها السلام الداخلي والخارجي، وأن المكافحة الداخلية للإرهاب فقط لا تكفي، بل لابد من تعاون الدول في هذا المضمار وبذل الأموال الطائلة، والجهود المضنية في هذه المسيرة الشاقة حتى يمكن الخلاص منه.