د. عبدالحق عزوزي
وأخيرًا تستضيف مدينة مرسيليا الفرنسية المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الذي يهدف إلى وقف الدمار المتسارع اللاحق بالموائل الطبيعية وحماية الأنواع المهددة بالانقراض بسبب النشاط البشري. وتحضر شخصيات دولية كبيرة المؤتمر بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو مؤتمر مقام بصيغة «مختلطة»، حضوريًا وافتراضيًا، بسبب كوفيد-19. والمؤتمر أرجئ مرتين بسبب تداعيات الوباء، وهو جزء من جولة مهمة من المفاوضات المؤدية إلى مؤتمر الأطراف حول التنوع البيولوجي المقرر عقده في الصين في نيسان/أبريل 2022. وخلال هذا المؤتمر، ينبغي على المجتمع الدولي اعتماد نص يهدف إلى «العيش في وئام مع الطبيعة» بحلول العام 2050، مع أهداف مرحلية للعام 2030.
فالعالم بأسره يواجه تحديات غير مسبوقة، إذ يشهد تغيرًا في المناخ له عواقب وخيمة على جميع الأمصار والأقطار؛ كما يشهد اختفاء التنوع البيولوجي مع الوباء الذي يضرب اقتصاداتنا وأسرنا وصحتنا، ونعلم أن كل هذه التحديات مرتبطة بالسلوك البشري اللاحضاري واللاإنساني.
ويشير خبراء الأمم المتحدة على أن التنوع البيولوجي آخذ في التدهور، إذ إن هناك ما يصل إلى مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض؛ وحذر هؤلاء مطلع العام 2019 من أن الطبيعة «تتدهور بشكل أسرع من أي وقت مضى في تاريخ البشرية». وغالبًا ما يشار إلى هذا التدهور بـ»الانقراض الجماعي السادس»، الذي يهدد ظروف الوجود البشري على الكوكب. ويبدو ذلك جليًا في تضاعف الكوارث المرتبطة بآثار تغير المناخ الذي تسببه النشاطات البشرية، من عواصف وفيضانات وجفاف وحرائق. والخلاصة الرئيسية التي يمكن أن نستخلصها من تدخلات العلماء والمختصين المشاركين في مؤتمر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، هي أن اختفاء الأنواع وتدمير الأنظمة البيئية يشكلان تهديدات وجودية لا تقل خطورتها عن ظاهرة الاحترار المناخي الذي يأتي على الأخضر واليابس.. كما أنه موازاة مع هذا المعطى، فإن تغير المناخ يؤثر سلبًا على مستقبل العديد من الأنواع، وخصوصًا الحيوانات والنباتات المستوطنة التي تعيش بشكل خاص في جزر صغيرة أو في بعض النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي... وهذا ما توحي إليه القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والتي تم تحديثها. فقد صنفت سحالي «تنين كومودو» الإندونيسية التي تقلصت مساحات موائلها بسبب ارتفاع منسوب المياه بأنها «مهددة»، كما حذرت أيضًا من أن الصيد الجائر يهدد قرابة اثنين من كل خمس أسماك قرش بالانقراض. وهناك نحو 28 في المائة من 138 ألف نوع تم تقييمها معرضة لخطر الانقراض في البرية إلى الأبد... وهناك خمسة أنواع من القوبعيات المنشارية أو «القرش النجار» التي تعلق أنوفها في معدات الصيد، وقرش ماكو القصير الزعانف، من بين أكثر الأنواع المهددة؛ ويتوقع أن يؤدي ارتفاع مستويات سطح البحر إلى تقليص مساحة موطنها الصغير بنسبة 30 في المائة على الأقل خلال الأعوام الـ45 المقبلة. وقالت سونيا فوردهام رئيسة منظمة «شارك أدفوكيتكس إنترناشونال» إن الأسماك الغضروفية، وهي مجموعة تتكون بشكل رئيسي من أسماك القرش، «مهمة للأنظمة البيئية والاقتصادات والثقافات». وتابعت «إذا لم يحد من الصيد بشكل كافٍ، سنعرض صحة المحيطات للخطر ونهدر فرص الصيد المستدام والسياحة والتقاليد والأمن الغذائي على المدى الطويل». كما أن تقارير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تشير إلى أن نحو 800 ألف طن من أسماك القرش يتميدها، عن قصد أو بشكل انتهازي، كل عام، لكن بحوثا تقدر أن الرقم الفعلي أكبر بأربع مرات.
وما أعجبني في هذا المؤتمر شيئان اثنان: 1) تشكل مسألة الصحة في علاقة الإنسان والطبيعة نقطة أساسية في هذا المؤتمر، علمًا أن فرضية انتقال فيروس كورونا من حيوان إلى البشر، أمر رئيسي لشرح مصدر الوباء؛ 2) منظمات الشعوب الأصلية التي يتزايد الاعتراف بدورها في حماية الطبيعة، ستكون قادرة على التصويت... كما أن هناك قسمًا مخصصًا لعامة الناس، وهي خطوة غير مسبوقة. «فالوعي العام أكبر بكثير» مما كان عليه منذ سنوات وكذلك في عالم الأعمال... ولكن للأسف الشديد، فإن مشاركة البلدان النامية في المؤتمر ضعيفة جدًا، والسبب: عدم تكافؤ سياسات توزيع اللقاحات عالميًا وهو ما يوحي إلى فشل أخلاقي كارثي آخر....