د. محمد بن إبراهيم الملحم
تاريخياً، يأخذ كثيرون أولادهم إلى المدرسة الأهلية لسبب أنها تبدأ تدريس الإنجليزية منذ الصف الأول، ثم تشكلت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة في أنموذج مدارس البرنامج الدولي، ولا أشك لحظة أن إضافة مادة اللغة الإنجليزية قرار براق يخطف أبصاركثيرين ممن انبهروا بظاهرة المدرسة الأهلية (وهل الوزارة تتبع خطى المدرسة الأهلية في ذلك!) ولكن هؤلاء أكثرهم تجذبهم الدعاية والترويج، ولم يدرسوا المسألة من جانبها العلمي، ولا نعلم في الحقيقة هل سبب إتقان طالب المدرسة الأهلية للغة الإنجليزية هو دراسته لها منذ الصفوف الأولى أو لجودة التدريس في المدرسة الأهلية أصلا! وهو المرجح كما يشهد به أكثرنا، بينما في المدرسة الحكومية أثبت تدريس اللغة الإنجليزية أنه غير متفوق أو منافس لسبب ضعف التدريس، وإذا كان التدريس في مستوى «مقبول» في المرحلة الثانوية والمتوسطة فإنه في المرحلة الابتدائية في وضعه الراهن تدريس شكلي وباهت ولا يستفيد منه الطلاب كثيرا، ولوحظ أن المعلمين حديثي التخرج والخبرة هم من يكلفون بتدريس المرحلة الابتدائية، فهل يا ترى يكون حل هذه المشكلة بالتوسع في تدريسها في صفوف أبكر وتوظيف المزيد من هذا المستوى من المعلمين لمزيد من الهدر المالي دون ما يؤيد جودة «تجربة التبكير» في الصف الرابع!
السيناريو البديل عندي للتوسع هو أن ما سيصرف عليه (من معلمين زيادة للصفوف الأول إلى الثالث) يصرف هو ذاته على مزيد من المعلمين للصفوف العليا الرابع إلى السادس بهدف زيادة أعداد الحصص من حصتين اثنتين يتيمتين أسبوعيا لا تسمنان ولا تغنيان من جوع إلى أربع أو خمس حصص لتصبح الانجليزية ممارسة يومية لطلاب الصفوف العليا هؤلاء، مع بذل الجهد في تحسين أداء المعلم من خلال حسن الاختيار في مرحلة التوظيف وتدريبه على رأس العمل ومتابعة الأداء بشكل فعال، هذا ما كان ينبغي فعله وصرف الأموال عليه أمام عدم تحقيق إنجاز عظيم في التبكير باللغة الانجليزية بالمرحلة الابتدائية منذ 10 سنوات خلت.
وفي معرض الحديث عن ضعف المعلم وتأثيره على اكتساب اللغة، فتأخرنا في نتائج الاختبارات الدولية في القراءة (بلغتنا العربية!) والذي أشرت إليه في مقالة سالفة يدعونا إلى النظر في تأسيس اللغة «العربية» عند طلابنا، وأول ما نعتني به هو تدريسها في الصف الأول فنتأمل في الممارسات التدريسية وجودة المعلمين ونعمل على تحسينها وتوفير أفضل الظروف لها، ومن ذلك زيادة حصصها، لا مزاحمة خطة هذا الصف بمادة أو مواد جديدة، وليس أيضا بأن تكون إحدى هذه المواد الجديدة مادة لغوية مهاراتها تشوش على مهارات اللغة الأم الفصيحة، إننا بهذا التوجه نُصعِّب المهمة على معلمي اللغة العربية اللغة الأم في الصف الأول بدل أن نسهلها عليهم، ولا تنسوا أني أشرت سابقا أن عدد حصص اللغة العربية خفض من 11 إلى 8 في الخطة الجديدة للصف الأول! كل هذا يدعو للعجب الشديد ويطرح علامات استفهام مهمة.. ويضاف إلى ما سبق العبء الدراسي على الطالب نفسه، فنحن بدلا من أن نفرغه ليركز على اللغة العربية ويتقنها وتتحسن نتائجنا مستقبلاً في الاختبارات الدولية، فإننا نضيف له مادة جديدة تزاحم وقته وتزعج والديه وربما تكرس ضعف ثقته بنفسه لما ذكرته عن ضعف معلمي اللغة الانجليزية أصلا، بل لا تتعجبوا إذا قلت لكم إني أتمنى أن يؤجل تدريس الرياضيات إلى الصف الثاني الابتدائي ليتمكن الطالب في الصف الأول من إتقان لغته العربية الفصيحة (التي سيدرس بها الرياضيات في الصف الثاني كما أقترح) وذلك أملا في أن تكون السنة الأولى الابتدائية سنة تأسيس الإبداع والانطلاق اللغوي عند الطالب، وهذا هو المنهج القديم جدا والذي خرج عباقرة تاريخنا المجيد ففي حلقات العلم لايتعلم الطالب بعد القرآن الكريم وعلوم الدين غير اللغة العربية كتابة ومطالعة وضبطا فإذا أتقنها قالوا له الآن تذهب إلى معلم الحساب لتدرس هذا العلم وتفهمه.
النتائج المخجلة التي قدمتها المملكة في الاختبارات الدولية فيما يتعلق بالقراءة لا يكون حلها بإثقال كاهل طالب الصفوف الأولية بمزيد من المواد خاصة تلك التي يكون أثرها السلبي على تعلم اللغة العربية محل نقاش وقيمتها الإيجابية ليس مقطوعا بها كما أنها تقدم بشكل باهت كماً ونوعاً. مالكم كيف تحكمون؟