م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. لا أدري لماذا إذا استعصى علي فهم أو استيعاب شيء أقرأه تمتد يدي إلى نظاراتي وكأن المشكلة فيها.. ثم يتحول تفكيري إلى الكاتب وأنه لم يُجد الصياغة السليمة لإيصال فكرته.. ثم أستسلم لفكرة أن هذا الكاتب من جيل غير جيلي أو بيئة غير بيئتي ولهذا أجد صعوبة في فهمه لاختلاف الأجيال أو البيئات ليس إلا.
2. الشاب حينما يكتشف حبه للأدب وتبرز لديه الرغبة في التعبير، لماذا يبدأ بالشِّعر؟ ذكر عدد كبير من الأدباء حينما يتذكرون بداياتهم يقولون إنهم حاولوا كتابة الشعر.. هل لأننا تربينا على أن الشعر هو سنام الأدب وديوان العرب، لذلك فمن الطبيعي أن نبدأ به؟ أم أنه نتيجة لقراءاتنا في سنوات عمرنا المبكرة تكونت لدينا القدرة أكثر من أترابنا على جمع المترادفات والكلمات المسجوعة فافترضنا أننا قادرون على نَظْم الشِّعر؟ أم لأننا ظننا أن الشعر أسهل لأنه في رأينا لا يحتاج إلى فكر وأنه مجرد أحاسيس مرصوصة بكلام مسجوع ونهايات طرفية واحدة؟
3. هل يمكن أن يضع الكاتب قلبه على الورق؟ أي أن يكتب بعاطفته الكلية مقصياً عقله عمَّا يكتبه ومكتفياً بما يحس به قلبه.. الحقيقة أن هذا مستحيل.. فالكتابة هي عملية عقلية في المقام الأول.. فالقلب ينثر المشاعر بلا اكتراث لصف الكلمات، وسبك المعاني، وجودة اللغة، وحبكة العبارة، ومحاذير الإفصاح عمَّا يُقال وما لا يُقال.. فكل ذلك من مهمات العقل.. وهنا يتدخل العقل بمشرطه فيزيل، ويصحِّح، ويعدِّل، ويضيف، ويُحسِّن، ويُخفي، ويخفِّف، ويعالج.. وحينما ينتهي لم يعد الذي عالجه العقل هو الذي نثره القلب، بل أصبح شيئاً آخر.
4. المدهش أنك تكتشف بعد تمرسك الطويل في الكتابة أنها تصنعك بقدر ما أنك تصنعها.. والسبب كما أرى أننا نكتب ما نعرف، وما مررنا به من تجارب، وما اطلعنا عليه من معارف، وقرأناه من كتب.. فهذا هو المَعِيْن الذي نغرف منه المحتوى الذي نصنعه ونضعه على الورق.. والكتابة تجبرك على التفكير فيما تكتب.. وهذا يعني أنك تمعن التفكير بما مرَّ بك وعرفته وجربته وشاهدته.. وهذا يحول تلك المعارف إلى خبرات بدلاً من كونها تجارب أو أحداثاً أو قراءات مرت والسلام.. من هنا يظهر أثر الكتابة على الكاتب لأنه تَعَلَّم مما كتب فتكون الكتابة قد صنعته بقدر ما صنعها.
5. الكتابة عملية إبداعية ذاتية بينما الواقع عملية من إبداع الغير.. فكيف يمكن جمع إبداع الذات وإبداع الغير في وعاء واحد بلا ادعاء أو كذب؟ كيف يمكن كتابة الواقع بشكل إبداعي بلا تحوير أو خيال؟ فالكتابة بشكل واقعي ليست إبداعاً، بل وصفٌ يصلح أن يكون تقريراً يُقَدَّم لمحكمة لكنه لا يُقَدَّم لجمهور القراء.. فالإبداع خلق جديد والواقع مخلوق قائم.. فلا بد من طمس أحدهما أو تشويهه للخروج بخلق جديد.. لذلك فالكاتب حينما يبدأ بالكتابة يعرف الموضوع لكنه لا يعرف ماذا سوف يكتب عن ذلك الموضوع.. إنها مخاض جديد لا يدري هل سيكون مولوداً صحيحاً أو مشوّهاً.. إنها عملية مجهولة النتائج حتى ينتهي الكاتب من كتابتها.
6. في الكتابة نحن لا نكتب عمَّا نسكنه، بل عمَّا يسكننا.