عبدالوهاب الفايز
في خاتمة المقال الأسبوع الماضي، في هذا المكان، قلنا إننا نعيش في منطقة مثقلة بتبعات مشروع الخميني المدمر، وما تحتاجه هو الخروج من حالة الصراع المستمر منذ ثلاثين عاماً.. إلى حقبه للسلام والأمن والاستقرار.
وقلنا إن بلادنا في العقود الماضية تحملت الكثير في سبيل استقرار المنطقة وسلامة شعوبها، والأهم حمت مصالح شعبها بالحكمة وبحسن التدبير مما جنبنا المشاكل والخلافات، والحمد لله إننا أشغلنا أنفسنا بالتعمير وبالبناء وبالتطلع للمستقبل هذه المكتسبات التي بين أيدينا وننعم بها ونعمل على تكريسها هي التي تدفعنا الآن إلى الحذر مما يجري حولنا.
الحذر من تطور الأوضاع والصراعات الدولية القريبة منا، ومن الحرب الباردة القادمة، لأن الدول العظمى في النظام الدولي تكون أكثر خطورة في صعودها أو هبوطها، وبما أن أمريكا دخلت مرحلة التراجع، هناك من يبدي المخاوف من السياسات الأمريكية القادمة، لاعتبارات سياسية داخلية أمريكية، وأبرز مؤشرات تأثير الأوضاع الداخلية على السياسية الخارجية لأمريكا رأيناه مؤخرًا في توجه الإدارة الأمريكية لفتح ملفات قديمة في قضايا عديدة، ومع عدد من الدول.
هذا البعد الشعبي تحتاجه الإدارة الآن بشدة حتى تمتص مشاعر قدامى المحاربين في الجيش الأمريكي الذين عبروا عن الألم والحزن والغضب والإحباط نتيجة رحيل الولايات المتحدة الفوضوي من أفغانستان، فهذا الخروج اثر على العلاقة الايجابية للرئيس بايدن مع مجموعات قدامى المحاربين الذين يلقون باللوم علنًا على الرئيس لسوء إدارة الخروج. والآن يتدافع المسؤولون من الرئيس وما دونه لإخماد ردود الفعل العنيفة داخل المجتمع العسكري الذي كان يتعاطف مع تجربة الرئيس جو بايدن كأب عسكري تحمل شخصيا تاريخًا من المآسي العائلية.
هذا المأزق السياسي للإدارة مع خصومها من الحزب الجمهوري، وحتى مع الجناح المحافظ في الحزب الديمقراطي، يضعها في موقف داخلي ضعيف. فالأوضاع السياسية الداخلية، حتى في الدول الديمقراطية، تترك أثرها المباشر على السياسة الخارجية.. وغالبا التقلبات في المزاج السياسي تضع حلفا وأصدقاء أمريكا في مأزق مع القوة الأمريكية التي قد تكون طائشة مدمرة في أية لحظة!
في العالم العربي ثمة تخوف من أمور محتملة مترتبة على السلوك الأمريكي، وسلوك الدول الكبرى. ما هي مخاوفنا المشروعة من مفارقات القوة الأمريكية وتقلب مصالحها ومواقفها؟
أبرز الأمور التي تهم الناس في الدول العربية وتجعلها تراقب الأحداث السياسية الكبرى وتتخوف منها هو الدعوة إلى التدخل في الشؤون السيادية الداخلية للدول العربية.
الذين يسيطرون على قرارات الأمن القومي والسياسة الخارجية الآن هم تلاميذ مدرسة سياسيه يتبناها الحزب الديمقراطي وشهدت ازدهارها مع أوباما وهيلري كلنتون. هذه المدرسة ترى أن تحقيق المصالح والهيمنة الأمريكية لا يتحقق عبر الحروب والتدخل العسكري فقط، بل الأفضل والأسهل لتحقيقها يتم عبر تبني ملفات الحقوق والحريات المدنية، وقد رأينا صقور هذه الإدارة منذ الأسبوع الأول يفتحون هذه الملفات على مستويات عليا، ويضعونها في قائمة أجندة اللقاءات السياسية.
وهذه الملفات سوف تكون حاضرة مع الإدارة الحالية، والصين ستكون المستهدف الأول في قضايا الحقوق والديمقراطية، وربما هذا الذي جعل الحكومة الصينيه تعين أحد صقور وزارة الخارجية الصينية سفيراً في أمريكا، فالسفير تشين قانغ الذي عين في يوليو الماضي أنهى شهر العسل سريعا، كما جاء في تقرير لصحيفة بوليتيكو، بخطاب انتقد فيه (المعتقدات الخاطئة) الأمريكية، وحذر من انتهاك (الخط الأحمر) لبكين ولمصالحها الأساسية في مجالات بما في ذلك بحر الصين الجنوبي وتايوان وشينجيانغ. وأشار إلى قدرة الأسلحة النووية الصينية، وحذر من عواقب وخيمة إذا سعت الولايات المتحدة لقمع الصين باستخدام (دليل الحرب الباردة). وهذا الحديث تم أمام جمهور مختار من الصينيين والأشخاص ذوي الثقل في السياسة الخارجية - بما في ذلك هنري كيسنجر، وقال سفير الصين إن أولئك الذين يجادلون بأن بلاده سوف تواجه نفس مصير الاتحاد السوفياتي السابق، هؤلاء لديهم (جهل جاد بالتاريخ وبالصين).