معتصم باكراع
مرَّ الاقتصاد بمراحل مختلفة على فترات متعاقبة من المناخات الاقتصادية المتعددة والمتنوعة بدءاً من المقايضة إلى الزراعة وحتى الثورة الصناعية التي انطلقت من أوروبا الغربية خلال القرن الثامن العشر واستمرت في تطوراتها إلى المرحلة الرابعة، وها نحن على أعتاب بداية المرحلة الخامسة وتصورات لعالم جديد مليء بالتقنيات، والروبوتات، والأنظمة التي تعتمد على الخوارزميات والأتمتة، ولكن دعني أقف قليلاً على مفهوم اقتصاد المعرفة الذي هو أساس ما وصلنا إليه ووضعه في مساقه الصحيح بين أبجديات العصر الراهن الذي نعيش فيه.
اقتصاد المعرفة هو الاقتصاد الذي يحظى بتمكين المعرفة ونشرها واستخدامها، فالمعرفة هي المكون الرئيسي في النمو وزيادة الثروة والتوظيف في مختلف القطاعات، اقتصاد يعتمد على المعلومات سواء لتطوير التقنيات أو استحداث الأنظمة وبناء المخترعات، والمصطلح الاقتصادي المعرفي ليس حديثًا فقد ذكره الكاتب بيتر دراكر في كتاب عصر الانقطاع في عام 1968م.
تطبيق المعرفة والتحول من المجتمعات التي تعتمد على الطرق البدائية في نموها الاقتصادي تجاوز عتبات الزمن، فالمجتمعات المتقدمة هي التي تستخدم المعرفة في بناء وتطوير الاقتصاد والنهوض به وفي رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وتنويع الاقتصاد بدلاً من الاعتماد الكلي على النفط والاستثمار في الاقتصاد المعرفي، نجد الخطوات المتسارعة في بلورة الإمكانيات البشرية نحو معرفة مستدامة، بفضل الجهود الحثيثة لقيادتنا الرشيدة في تنمية المجتمع وإيجاد السبل نحو تطويع الموارد والاستفادة من العقول المفكرة في اقتصاد ينمو بوتيرة متسارعة ويواكب العالم في مستقبل واحد ينصب في اقتصاد معرفي يعتمد اعتمادًا كليًا على المعلومات والأفكار النيرة.
ومن المميزات والخصائص التي تنسجم مع هذا المفهوم هو الابتكار، والتعليم، والتكنولوجية المتقدمة، ونظام الاتصالات الذي يستوعب الوتيرة العالية لنقل البيانات وتوظيفها بسلاسة ودون انقطاعات تؤثر على سير العمل، وسوف تلاحظ أن المملكة قطعت شوطاً لا يستهان به في هذه المنظومة المعقدة، على سبيل المثال التعليم فهو الركيزة الأساسية في هذا المجال نجد البعثات الأكاديمية المتعددة التخصصات لكي تضيف إلى النتاج الاقتصادي المعرفي والتطوير المستمر في اتجاهات مختلفة، والاستفادة من التقنيات الحديثة لرفع العائد المحلي، وفي السياق نفسه أود أن أنوه إلى أن جائحة كورونا لم تؤثر في التعليم بل أخرجت لنا نموذجاً رائعاً في الانتقال الميسر إلى التعليم عن بعد بفضل البنية التحتية القوية لنظام الاتصالات والتكنولوجيا المتاح لدينا، وكما أوضحت سابقاً بأنهما من أساسيات هذا النظام.
لن أغفل عن مجال التدريب فهو جزء لا يتجزأ من الاقتصاد المعرفي، فالمراكز التدريبية منتشرة بكثرة لتعزيز العملية التعليمية، وسوف أذكر المبادرات الحكومية التي تحضرني حالياً مثل أكاديمية مسك الرائدة وموقع دروب، وكذلك موقع إثرائي المعتمد من معهد الإدارة، فالمعرفة حسب مفهومها لا تكلف شيئاً إذا كانت الآليات جميعها متاحة، حضورك للدورات التدريبة السابقة مع حرصك على التعليم الجيد المناسب لتطلعاتك سوف يجعلك مُشاركًا في هذا الاقتصاد المعرفي المبتكر، وأضف إلى ذلك حاضنات الأعمال التي تعتمد على الأفكار والمشاريع الريادية الخلاقة التي تبدأ منك وتعود إليك بفضل الدعم الذي سوف تحصل عليه من جميع النواحي، فكرتك الرائدة هي بوتقة الوصل بينك وبين مشروعك الذي سوف يخرج بما تملكه من أطروحات تبني موقعك الريادي، وكذلك المدن الاقتصادية والذكية مثل مدينة نيوم وما تقوم عليه من تقنيات الواقع الافتراضي واستخدام بدائل الطاقة، جميعها تعزز ما وصلنا إليه في اقتصاد معرفي يتقدم للأمام بخطى واثقة، ولا تنسى شعار مجموعة العشرين والتي أقيمت في الرياض «اغتنام فرص القرن الواحد والعشرين للجميع»، هذه مملكتنا التي أتاحت الفرص الخصبة كل بحسب ميوله وتخصصه للاستفادة من المقدرات الفكرية والعقلية لتنمية المجتمع والارتقاء بمقدراته إلى القمة.