بشرى فيصل السباعي
لا يسع أي ناظر إلى واقع الدول العربية وهي غارقة بالحروب والإرهاب والصراعات وفشل التنمية والفساد وانهيار مؤسسات الدولة سوى الشعور بالإحباط المطلق واليأس، لكن هناك أمل وهناك حل يمكنه جعل الدول العربية تصبح كالاتحاد الأوربي الذي واجهت دوله إبان الحرب العالمية الثانية ما يواجهه العالم العربي حاليا، وتمكنت من الانتقال من حال الانهيار والدمار الشامل إلى أن تصبح مثالا ملهما للعالم من كل وجه ويتمثل هذا الحل في تولي «التكنوقراط» للشأن العام/ المناصب، والتكنوقراط هم فئة «الاكاديميين/ العلماء/ الخبراء/ المتخصصين»، فالعالم المعاصر عالم بالغ التعقيد والتخصص ولا يمكن لغيرهم إدارة شؤونه بكفاءة، وهم سيريدون إدارة الشأن العام من منطلق عملهم بتخصصاتهم وليس بدافع شهوة السلطة وألاعيب السياسة، وفي حال عدم سيادة ثقافة إدارة التكنوقراط سيبقى الحال على ما هو عليه كما ذكره ابن خلدون (1332- 1406م) في «كتابه: ديوان المبتدأ والخبر..»: «(الفصل السادس والعشرون؛ في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب) والسّبب في ذلك أنّهم أمّة وحشيّة باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلق وجبلّة وكان عندهم ملذوذا.. وهذه الطّبيعة منافية للعمران ومناقضة له فغاية الأحوال العاديّة كلها عندهم التّغلب -الصراعات العنيفة على السلطة-.. وانظر إلى ما ملكوه وتغلّبوا عليه من الأوطان كيف تقوّض عمرانه» وفي «الفصل السابع والعشرين، والثامن والعشرين» يذكر ان العرب «أكثر بدائية من سائر الأمم» ويتسببون بخراب العمران لأنهم متمسكون بغريزة «غرور الانا» المتضخمة البدائية التي نزعتها هي ارادة فرض الهيمنة بالتغلب العنيف وهي غريزة مشتركة مع الحيوانات التي تتصارع وتتناطح ذكورها على التغلب وفرض الهيمنة، و»غرور الانا» الغرائزي لدى العرب لازال متوحشا جامحا ولم يهذبه ويضبطه التحضر وهذا سبب وصف ابن خلدون لهم بأنهم أمة وحشية، وفي «الفصل الثالث والأربعين» قال إنه بسبب هوس العرب بالسلطة والزعامة انحصرت العلوم كلها بما فيها العلوم الدينية واللغوية العربية والصناعات والأعمال والمهن بالعجم بينما العرب يتكبرون على العمل بالمهن والحرف والصناعات ويكلفون العجم القيام بها ويريدون فقط الترأس على غيرهم ويستوردون صناعات الامم الأخرى، أي أن التكبر على العمل بالمهن المختلفة والاعتماد على استقدام الأجانب للعمل فيها ليس بسبب رفاه النفط وبريستج الشهادات الأكاديمية الغير مناسبة لسوق العمل إنما هو مركب ثقافي أعمق كامن باللاوعي الجماعي للعرب وكان مستحكما فيهم قبل النفط والشهادات الأكاديمية، ونمط الجماعات الإرهابية التي تسعى للتغلب والسلطة بالعنف والإرهاب هو نمط العرب القديم المدمر. مع ضرورة التفريق بين فئة التكنوقراط وفئة البيروقراطيين «موظفي الروتين الحكومي»؛ فعقلية البيروقراطيين قائمة على «البصم» على الأوضاع القائمة بدون تقييم وتقويم واصلاح وتطوير حقيقي جوهري لها، أي كدور الموظف الحكومي الذي كل دوره ينحصر بطبع ختم بعهدته على المعاملات، بينما التكنوقراط يعيد تشكيل كامل الواقع الحقوقي القانوني القضائي الاقتصادي الصناعي التجاري الزراعي الاجتماعي التعليمي العملي التكنلوجي والصحي بناء على الدراسات والنظريات والمعطيات العلمية التقنية والموضوعية المنهجية بكل المجالات وتصوراتها المستقبلية بعيدا عن الأهواء السلطوية العشوائية الغرائزية الاعتباطية وتحزباتها وحسابات كواليسها ومساوماتها وصفقاتها المتلاعبة، وأما بالنسبة لجدل «الحاكمية» الديني فقد أخرج مسلم؛ أن النبي مر بقوم يلقحون النخل فقال: (لو لم تفعلوا لصلح،.. فخرج شيصا -تمرا رديئا- فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم) وبرواية (أنتم أعلم بما يصلحكم في دنياكم).