سعد بن دخيل الدخيل
اهتم الإعلام العالمي بالملك عبدالعزيز -رحمه الله- اهتمامه بالقادة الأفذاذ وأعجب أشد الإعجاب بتجربته في نقل بلاده، بعد أن وحدها، نقلات نوعية مميزة لينتهي المطاف به إلى إقامة الكيان العظيم؛ «المملكة العربية السعودية»، يقول د. ساعد العرابي الحارثي في كتابه: الملك عبدالعزيز رؤية عالمية: «لقد استطاع الملك عبدالعزيز أن يجمع شتات بلده حتى بداية الحرب الأولى وأن ينجز مهمة تاريخية تمثلت في توحيد المملكة وتوطيد الأمن والأخذ بأسباب الرقي في إطار كريم يحافظ على أصالته وعقيدته وحضارته. ومثل هذا المنهاج كان ظاهرة استقطبت اهتمام الراصدين والمحللين والصحافيين والسياسيين في العالم الأوروبي والأمريكي»، ولا شك أن الإعلام العالمي اهتم بسمات الملك عبدالعزيز وسمات بطولاته وكاريزما الزعامة لديه وأخلاقه وذكائه وهيبته وبساطته وتواضعه وكرمه وفصاحته وتنميته الشاملة للبلاد وحرصه على شؤون شعبه، وتمكين المرأة، بالإضافة لمواقفه الدولية الشجاعة عبر مناصرة قضايا الإسلام والعروبة والدفاع عن حقوق الإنسان في أي بقعة من بقاع الأرض مهما كان دينه ولونه وجنسيته. يقول كنت ويلمز: «ابن سعود رجل طويل القامة يدل مظهره على مهابة وقوة، طوله ستة أقدام وأربع بوصات، متناسق الأعضاء قوي العضلات يبز السواد الأكبر من رعيته في متانته وصلابته وحيويته ونشاطه، وجهه طويل بيضاوي جميل يسهل عليك أن تقرأ فيه سلامة نيته وصراحته»، ويقول ليبولد عنه: «وبينما هو ينمو ازداد تصميمه على أن يكون أقوى رؤساء الجزيرة العربية، وكان منظره مهيباً عندما يمتطي صهوة حصانه الأسود في طريقه إلى المعركة على رأس رجاله مرتدياً ثيابه الهفهافة البيضاء»، ويقول جاك بنوا ميشان عن الملك عبدالعزيز -رحمه الله رحمة واسعة-: «جاهد عبدالعزيز طويلاً حتى بلغ أهدافه لم يهن له عزم وما انهارت إرادته مرة أمام العقبات لقد عرف كيف يترقب الساعة الملائمة وكيف يصبر حين لا يستطيع القتال وكيف يبقى مترصداً أشهراً وسنيناً بانتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على خصمه»، ويقول فان ديرمولين في كتابه (The wells of ibn saud): «لقد رأيت عبدالعزيز في سنة 1926م بنفسي عندما كان يزور الحجاز لتأدية فريضة الحج، هاهو الآن قد أصبح رجلاً ملكاً لدولة أكثر اتساعاً مما سبق لأي قوة سعودية أن ضمتها ومع ذلك في حضور أبيه ما زال الابن المطيع الذي ينحني ليخدمه وهو في وضع السيد تاركاً لوالده عبدالرحمن مكانالشرف متخذاً أدنى الأماكن في كل مجلس يضمهما وكل من شاهدوا ذلك تأثروا تأثراً عميقاً»، ويقول جان بول مانيه الصحافي في بارى ماتش: «لقد خلف ابن سعود الذي لقبه الإنكليز بنابليون الجزيرة العربية مملكة شاسعة تعادل مساحتها نصف مساحة أوروبا وبلداً يعتبر الثالث في العالم في إنتاج البترول وكان في الوقت نفسه الزعيم المرموق في العالم العربي، لقد استطاع ابن سعود في خضم القرن العشرين أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة»، ويقول وليام إيدي: «إن ملك المملكة العربية السعودية الذي يوقع باسم عبدالعزيز آل سعود والذي اشتهر باسم ابن سعود كان واحداً من أعظم رجال القرن العشرين ولقد كان لقيادته الشخصية الفضل في الفوز بهذه المملكة وتوحيد شعبها فكان قائداً يمتلك من الصفات الأسطورية ما يميزه عن غيره من الناس»، والإعلام العربي ليس بمعزل عن الإعلام العالمي فحين زار الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- مصر في شعبان من عام 1367هـ الموافق يونيو 1948م قادماً من جنيف وكان في جولة شملت أمريكا وأوروبا وكانت آخر محطة له في هذه الجولة مصر حسب الخبر الذي نشرته جريدة أم القرى في عددها 1217 الصادر في 25 شعبان 1367هـ الموافق 2 يوليو 1948م ، في هذه الزيارة حاصر الصحفيون الأمير فيصل لأخذ تصريح منه حول القضايا العربية ومنها قضية فلسطين ماعدا طاهر الطناحي وهو أديبٌ وصحفيٌّ وشاعرٌ مِصري، أحدُ الأوائل الذين طوَّعوا الصحافةَ للأدب، وكان يعمل حينها في مجلة المصور فقد كان اهتمامه الملك عبدالعزيز ولا غرابة في ذلك، وأخذ الطناحي يحلق بعيداً عن اهتمام أقرانه من الإعلاميين والصحفيين فقد كانت زيارة الأمير فيصل فرصة له لينهل من معين أحد أبناء الملك عبدالعزيز كل ما يود معرفته عن جلالته ورغبته الشديدة وإصراره على أن يفوز من خلال اللقاء بمادة إعلامية مميزة وسبق صحفي فريد، فوافق الأمير على اللقاء الذي نشر يوم الجمعة 11/8/1367هـ الموافق 18/6/1948م تحت عنوان (أبي.. الملك عبدالعزيز)، وكتبت مجلة المصور مقدمة له فقالت: «قابل الأستاذ طاهر الطناحي سمو الأمير فيصل سعود أثناء زيارته الأخيرة لمصر فاستأذنه في التحدث إلى قراء المصور عن جلالة والده كما يعرفه ملكاً وقائداً وأباً فتفضل سموه بما نلخصه فيما يأتي»، فبدأ الأمير فيصل الحديث فقال هذا الابن المحنك: «ليس من اليسير أن أتحدث عن جلالة والدي الملك لأن ذلك من حق التاريخ وحده.ربما كان غيري أقدر مني على إنصاف رجل عظيم مثله، بنى ملكاً بعصاميته، وحفظ للعرب تراثاً مجيداً في البلاد المقدسة، وأقام الأمن والنظام في بقاع كانت تسودها الفوضى ويهددها الخوف في طرقها وأرجائها وتتألف من مقاطعات وأمارات وقبائل شتى في مساحات شاسعة، غير أنني أستطيع أن أذكر بعض مزاياه التي هيأت له أن يبني هذا الملك وأن يشيد هذا المجد والسلطان على الرغم مما صادفه من شدائد وأهوال لم تثنه عن الوصول إلى غايته ولم تصرفه عن تحقيق أهدافه»، بعدها أخذ الأمير فيصل في سرد مزايا والده وأولها قوة الإيمان ويصف والده فيقول: «فما رأيته منذ نشأت قد ضعف إيمانه بالله أو تخلى عن ثقته بنصر الله ولقد أصيب في صباه بضياع إمارة أبيه عبدالرحمن الفيصل على الرياض وسقوطها في أيدي منافسيه آل رشيد فرحل مع والده وأهله إلى الكويت وكان في الحادية عشرة ونزلوا ضيوفاً على شيخها الشيخ مبارك وانضموا إليه في محاربته لابن رشيد وعلى الرغم من هزيمتهم في عدة معارك فإنه ما كاد يستعيد تنظيم جيشه الصغير في ذلك الحين حتى هب لاستعادة بلاده تحدوه قوة إيمانه وقد صمم على الموت أو الفوز بالرياض حتى أعادها وأعاد إليها مجد آبائه» ثم ذكر المزية الثانية من مزايا والده وهي قوة الإرادة فقال الأمير فيصل: «وثانية هذه المزايا التي يتسم بها جلالته قوة إرادته وشجاعته التي تبرز في أحرج المواقف وأدق الظروف» ثم ذكر الأمير مثالاً فقال: «كان في موقعة تدعى موقعة الحريق فدارت الدائرة أثناء القتال على جيشه وهم الجنود بالفرار فبرز في مقدمة الصفوف ممتطياً جواده ومتقلداً سيفه ونادى: أيها الإخوان من كان يحب عبدالعزيز فليتقدم ومن كان يؤثر الراحة والعافية فليذهب إلى أهله فوالله لن أبرح هذا المكان حتى أبلغ النصر أو أموت، فسرت الحماسة والحمية في نفوس الجند وعادوا فشدوا على أعدائهم وكان لهم الفوز»، وساق أيضاً قصة إصابة الملك عبدالعزيز في موقعة بالأحساء وكان الجند قد ضعفت عزيمتهم وتزعزعت شجاعتهم لما أصاب قائدهم فوقف جلالته وهو مصاب بإصابة شديدة وقال: «أيها الإخوان لو أنني بقيت وحدي دونكم فلن أتقهقر وقد عزمت أن أدفن هنا أو أبلغ النصر فمن شاء أن يبقى معي فليعمل مشكوراً ومن شاء أن يعود فليرجع إلى أهله غير مأسوف عليه فأجابه الجند : نحن معك يا عبدالعزيز حتى الشهادة، وكان الفوز لهم في النهاية»، وتابع الأمير فيصل سرد مزايا والده الملك عبدالعزيز فقال: «وثالثةذه المزايا حكمته وأناته في معالجته لأمور دولته وهو يتوخى حل المشاكل بالسلم أولاً كما أنه متسامح مع خصومه واسع الصدر لا يدخر وسعاً في استخدام المرونة والأناة ووسائل اللين ولا يلجأ إلى الشدة حتى يستنفد هذه الوسائل، وأذكر أنه لما وقع الخلاف بينه وبين المرحوم الإمام يحيى إمام اليمن السابق لم يتعجل الشدة وجعل يحاول حل ما وقع بينهما من خلاف باللين والحلم حتى كدنا نحن أبناءه ورجال دولته أن نرميه بالضعف ولكنه لم يعبأ بنا وسار في طريقه إلى الحد الذي لا ملام عنده للائم ثم اضطر إلى السيف اضطراراً وعند توسط سادة العرب بين الملكين كان أسرع إلى الكف عن القتال. وقد تم له بفضل سياسة الحكمة والحزم التي يسير عليها في إدارة بلاده الواسعة إقرار الأمن فيها على منوال غير معروف في أكثر البلاد حضارة ومدنية فاطمأن الناس على أرواحهم وأموالهم حتى ندر وقوع الحوادث العادية والفضل في ذلك إلى يقظته الزائدة وأخذه المجرمين بالشدة»، وكانت هذه المزايا الثلاث مزايا الملك والقائد من وجهة نظر الشعب والعالم أما عبدالعزيز الأب فقد قال الأمير فيصل عن والده: «أما جلالة والدي الملك عبدالعزيز كأب فإني أستطيع أن أقول إن كل فرد في شعبه يعتبره أباً له لما عرف عنه من عنايته بأبناء رعيته وعطفه الكبير وحنانه الواسع، إن والدي في تربيته يجمع بين الرحمة والشدة ولا يفرق بيننا وبين أبناء شعبه وليس للعدالة عنده ميزانان يزن بأحدهما لأبنائه ويزن بالآخر لأبناء الشعب فالكل سواء عنده والكل أبناؤه، وأذكر أن أحد إخوتي الأطفال اعتدى على طفل آخر فما كان من جلالته إلا أن عاقبه وبعث به إلى الحبس ولم يشفع له أنه ابن الملك»، ويكمل حديثه عن عبدالعزيز الأب فيقول: «وليس لشفقة والدي وحنانه على أبنائه وأحفاده حدود بل يغمرهم بعطفه في كل آن وهو يحب أن يراهم يومياً وبخاصة صغارهم فيجتمعوا بعد مغرب كل يوم في قصره فيجلس إليهم ويلاطفهم واحداً واحداً، ويقدم إليهم الهدايا والحلوى ويحب جلالته المباسطة على المائدة خلال تناول الطعام ويمازح أبناءه وجلساءه ويحادثهم أحاديث طلية لا أثر للكلفة فيها ويعاملهم معاملة الصديق للصديق وهم يحبونه حباً جماً»، ثم عرج الأمير فيصل لمزايا متفرقة حيث قال: «ومن مزاياه الحميدة أنه يحب الانتفاع بالعلوم الحديثة ويرى أن نأخذ من المدنية أفضل ما فيها ونترك مساوئها» ثم وصف الأمير فيصل مواقف أبيه السياسية فقال: «وجلالته يتفاءلليوم بالتعاون بين رؤساء الدول العربية وقادتها وشعوبها ويرى أن جامعة الدول العربية هي خير وسيلة في العصر الحديث لجمع كلمة العرب والدفاع عن حقوقهم وتضامنهم في كلما يعرض من مشاكل، أما قضية فلسطين فهو متفق مع ملوك العرب ورؤسائهم في آرائهم وأهدافهم، ومن رأيه أن مشاكل الأمم العربية الأخرى كالجزائر وتونس ومراكش وغيرها ينبغي أن تحل وأن تنال هذه الأمم حريتها واستقلالها غير أن معالجتها لا تكون جملة بل تكون على مراحل والزمن كفيل بتحقيق الآمال».
وهكذا رأينا شهادات إعلامية عالمية تجمع على بطولة الملك عبدالعزيز ونموذجيته وتميز أفعاله وريادتها، ويبقى كما قال د. ساعد العرابي إن الحضارات يبنيها الرجال الأفذاذ، الرجال المخلصون، ومسيرة الملك المؤسس مسيرة حضارية حكيمة انطلقت من الجذور وآمنت واحتكمت إلى الحوار والتعامل الهادئ الحكيم مع العدو والصديق. ولا يزال هذا ديدن قيادتنا الحكيمة تحت راية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، هذه القيادة الراشدة التي تسير بنا نحو فضاء التغيير الرحب وتحمل لواء التخطيط والتفكير والتنفيذ لبناء كيان شامخ ووطن يتشرب أبناؤه من قيادته الشغف والطموح والإصرار.